الثلاثاء، 22 يونيو 2010

حزب الله وتصريحات البطريرك صفير

في لبنان، لا يمكن القول لرجل دين لا تتدخل في السياسة، خاصة عندما يأتي القول على ألسن رجال دين يحملون على رؤوسهم العمائم!
في العقدين الأخيرين أقحمت السياسة إقحاما على الدين في لبنان، فكل طائفة كان يقف وراءها رجال دينها، لا يدلون بتصريحات إلا عندما تضيق صدورهم بأمر ما، وفيما سبق هذين العقدين كان يقال لرجال الدين قفوا مكانكم، ولا تتدخلوا في السياسة، لكن مع ظهور حزب الله انقلبت المعادلات!
نحن نتحدث هنا عن تصريحات للبطريرك نصر الله صفير لدى زيارته لباريس، جاء فيها أن وضع حزب الله في لبنان هو وضع شاذ.
مما يذكر للبطريرك صفير أنه لعب دوراً للتهدئة في حرب (75-1989) حين دخلت طائفته الحرب ضد الفصائل الفلسطينية، وظلت في مدّ وجزر إلى أن دخلت إسرائيل لبنان.
ما قاله البطريرك، عدا كلمة "شاذ" يقوله كل مخلص للبنان وطوائفه، وكل عربي يملك وعياً غريزياً بما تجلبه التدخلات الخارجية من مشاكل كثيرة.
قال صفير: " يجب أن يكون كل السلاح في يد الحكومة وجيشها النظامي، لأن لبنان لا يحتمل وجود جيشين على أرضه!" وأنه "لن يستبعد أن يحاول ما يسمى حزب الله السيطرة على لبنان مستقبلاً..."
إذن لماذا يستدعي هذا الكلام الردود المبطنة بالتهديد من رجال حزب الله؟ وهل اصطفى الله له حزباً من الشيعة يمثلونه على الأرض؟ وإذا كان الأمر كذلك، ولله في أمره شؤون، فلماذا اختار شيعة إيران وأهمل بقية شيعة لبنان مثل العلامة الشيعي السيد علي الأمين وأتباعه في جبل عامل الذي يرفض التحيز لبلد غريب لا يربطهم به غير المذهب؟
هذه الأسئلة مضحكة، وستكون الإجابة أكثر إضحاكاً إذا ردّ عليها رجال حزب الله من دون لف ودوران!
المسألة أن تصريحات صفير جاءت بعد انفضاض جلسة الحوار الوطني بتأجيل الحوار الى 19 ديسمبر القادم، ودون أن يتوصل المجتمعون الى شيء. هذه الجلسة العاشرة للحوار، وانتهت بعد ساعتين ونصف فقط، فهل يريد حزب الله أن يكون الحوار أبدياً؟ وهل الحوار لعبة يحرك خيوطها الحزب ويحضرها الآخرون للمشاهدة؟
الحوار في الأصل قام للوصول الى صيغة بين اللبنانيين يتفقون فيه على تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الذي نصّ على نزع سلاح حزب الله والجماعات الفلسطينية ليكون الجيش هو القوة المسلحة الوحيدة في البلاد، ومنذ صدور القرار بعد حرب إسرائيل مع حزب الله في 2006 والحزب يماطل في تسليم سلاحه، الذي أصبح الآن أكبر وأقوى من سلاح الجيش اللبناني لعدم توقف دمشق وطهران في مدّه بالمزيد من الأسلحة، شمل ذلك في الآونة الأخيرة صواريخ سكود السورية، فهل يحتمل لبنان جيشين على أرضه؟
مماطلة الحزب في تنفيذ قرار الأمم المتحدة المذكور، ولمدة أربع سنوات، هو الذي جعل صدر البطريرك صفير يضيق ولا يستبعد أن يحاول حزب الله السيطرة على لبنان في المستقبل!
حزب الله يلجأ الى التكتيك الإيراني في المماطلة، لكن هل نجحت مماطلة إيران مع المجتمع الدولي؟ وحتى لو افترضنا أن جميع الأطراف المتحاورة تحولوا في موقفهم الى جانب الحزب، كما تأمل دمشق وطهران، فسيبقى صوت واحد في لبنان يقول ما قاله الطفل من أن الأمبراطور بلا ثياب تستر عورته!!

الأحد، 13 يونيو 2010

تخيلوا أن تسلم طهران إلى حزب الله أو حماس صاروخاً نووياً!

في الأنظمة الدكتاتورية، عندما يبدأ رجال المخابرات بالفرار، الواحد بعد الآخر، فهذا مؤشر على نهاية ذلك النظام.
الغارديان في عددها الصادر في 11/6 تحدثت إلى أربعة فارين من إيران، أكد أحدهم أن التعذيب والاغتصاب انتهج بصورة شاملة مع المعتقلين الذين شاركوا في مظاهرات العام الفائت السلمية، إلا أن الثاني أشار أن النظام كان خائفاً من تلك المظاهرات بحيث وضع طائرة خاصة لنقل أحمدي نجاد والمرشد الأعلى خامئني إلى سوريا على وجه السرعة.
أما التايمز فأكدت في عددها يوم 12/6 أن السعودية وافقت على فتح مجال جوي محدود في شمال البلاد بهدف تقليص المسافة التي تتطلبها الطائرات الحربية الإسرائيلية للوصول إلى أهدافها في العمق الإيراني في حال تقرر المضي قدماً في تنفيذ الضربة العسكرية!
المملكة السعودية نفت هذا الكلام في ذات اليوم، لكن عندما توجه إسرائيل الضربة ستشق طائراتها الطريق دون صعوبة تذكر، سواء من السعودية أو الأردن أو سوريا فالعراق، وبذلك تدفع إيران ثمن غطرستها في التعامل مع شكاوي العرب التي طال أمدها!
إن العقوبات لن تجبر إيران على إيقاف برنامجها النووي، لذلك وضعت الإدارة الأمريكية خططاً بديلة.
هناك فترة محددة بين سنة وسنتين تكون إيران قد أنجزت أول قنبلة نووية لها، أثناء ذلك ستكون الأمور صعبة للغاية لتغيير نهج إيران، حينئذ ستكون لإسرائيل الحق، رضيت الإدارة الأمريكية أم لم ترض، في توجيه ضربة عسكرية.
هذه ليست المرة الأولى الذي يعترف فيها أفراد من المخابرات، والأمن، وحتى الحرس الثوري، للصحف الغربية بعد فرارهم، لكن لماذا قررت المعارضة إلغاء مظاهرات السنة الحالية؟
أعتقد أنها اتخذت قراراً سليما، لأن نظام أحمدي نجاد – خامئني يجد نفسه في مأزق كبير في مواجهة مظاهرة بذلك الحجم، وبالتالي سيقدم على نوع من الانتحار في مواجهتها، وسيشدد القمع والقتل إلى درجة مريعة، حتى لو رفع الأعلام البيضاء لتأكيد سلميتها، وستكون الطائرة المذكورة على أتم الاستعداد لنقل من يسلم من طاقم النظام، وإلى نفس الوجهة، دمشق، لأن النظام لم يعد لديه من يقبلهم غير بلد عرف عنه الروح الدموية والقمع، والابتعاد إلى مسافة شاسعة الحد عن قضايا الأمن القومي، لم يسبق لحافظ الأسد الأب أن قام به !
الآن لنتناول العقوبات الدولية على إيران، ومدى فاعليتها على المدى المنظور والبعيد.
لعل أشد المتحمسين لحزمة العقوبات لا يرى أنها مجدية، ولم يدهش العالم حين سمع وصف أحمدي نجاد لها، لذلك ستكون بلا جدوى، بيدَ أن احمدي نجاد، الذي لا يعرف الدبلوماسية الهادئة، وقبل ذلك لا يعرف أين يضع مصلحة شعبه بالنسبة لطموحه بتشييد إمبراطورية نووية تمتد لتشمل جزءاً كبيراً من الشرق الأوسط، لا ينسى أبداً وقوف أمريكا إلى جانب صدام حسين في حرب الخليج الأولى، لكنه نسي على الفور سبب هذا الموقف، المتمثل باعتقال أعضاء السفارة الأمريكية في طهران، ونقلهم كمختطفين إلى جهة مجهولة، ظلت تتغير باستمرار، لأن الثورة في وقتها كانت بحاجة إلى خصم كبير تجذب به شعوب المنطقة العربية إلى جانبها، وأن دعواها بكون أمريكا بدى منها ما يؤكد الرغبة في إعاقة الثورة، أو ضربها عسكرياً، وكل هذه الدعاوى ثبت عدم دقتها!
هناك حقيقة أن العرب لا يميزون بوعي بين عدوهم وصديقهم، وكثيراً ما ارتموا في أحضان من يغني لهم الموال الذي سبق أن طربوا له، ولا يحبون سماع غيره!
لسنا بحاجة إلى إثبات الحقيقة المذكورة، لكي لا نغدو بمثل جهلهم، ويجب الإشارة هنا إلى أن الحكام العرب، باستثناء الطغاة منهم، هم في واقع الأمر أكثر ذكاءً ووعياً بالمعطيات المحيطة بهم من شعوبهم، التي تنشد المواويل المكررة والمملة!
لقد كتبنا منذ فترة طويلة، أن النظام الإيراني أكثر خطراً على العرب ومصالحهم من إسرائيل، ونوقش هذا القول في بعض الفضائيات العربية، ولم يتأكد العكس حتى في أكثرها تطرفاً!
يوجد كلام خطير للأميركي ديفيد أي سانغر يقول فيه: الخوف الحقيقي يكمن في أن تسلم إيران إلى حزب الله أو حماس صاروخاً يحمل رأساً نوويا، حينئذ ستحترق المنطقة لا محالة، لأن كل من الحزبين لا يقدر الأضرار الحقيقية التي ستلحق بالدول العربية القريبة، وسيطلق أي منهما الصاروخ وهو يهتف "الله أكبر" ثم ينزل القادة إلى الأنفاق المحفورة تحت منازلهم، في ذلك الوقت سترد إسرائيل، فيكون يوم قيامة على العرب تضيئه النيران!

الأحد، 6 يونيو 2010

تركيا تكشف عن وجهها الأصولي


سيكون لطول هذا
البلوغ ما يبرره

لقد أرسلت تركيا اسطول "الحرية" إلى غزة وهي تعلم أن إسرائيل ستقوم باحتجازه، فيؤدي ذلك إلى افتعال أزمة لقطع علاقاتها، المتدهورة أصلاً، بإسرائيل، وتقول للعرب أنا معكم، فماذا وراء هذه اللعبة الخطيرة؟
الأصولية هي منبع الشر، وتقف وراء حركة تركيا، والعرب أعماهم التعصب، فصفقوا لأردوغان من دون أن يعرفوا أهدافه البعيدة!
هناك حقيقة تقاوم الزمن، هي أن الشعوب لا تكترث للخطر ما دام بعيداً، وتنزع إلى التكاسل حين يغدو قريباً، بعدها تثوب إلى رشدها وتضحي بالكثير للتخلص منه ما إن تنشب النار في ثيابها.
أقرب مثال على هذا النازية في ألمانيا، وفي الفترة الأقرب الإسلام الجهادي، بشقيه الأصولي والسلفي، لأن الناس يهرعون إليه لحل مشاكلهم المستعصية، ثم ينقلبون عليه حين يغدو إرهاباً ينال من حريتهم وطرقهم الحديثة في الحياة، لكن بعد أن يدمي أجسادهم وقلوبهم!
ويمثل انتشار الفساد، والعجز عن مواجهة حاجات المجتمعات إلى التقدم، واحداً من أكثر الأسباب المحبطة التي تؤدي إلى التكاسل، وفي خضم هذا تظهر الأحزاب الدينية بوجه رحيم، توزع المال القليل على بعض المحتاجين، وتساعدهم وتمرضهم من خلال مستشفيات مرتجلة، وتغريهم بتوافه الأمور، مستهدفة شريحة صغيرة تلتم حولها، لكن ما إن يكثر مناصروها، منجذبين إلى أسلوبها الذي يبدو عملياً في معالجة ظواهر الفقر، حتى ينتابها العبوس، وتبدأ بتصعيد مواقفها، معتمدة شريحة أكبر لا تحتاج، فعلاً، إلى مساعدتها، لكنها تنخدع بها عن بعد!
هذا المثال ينطبق على جميع الأحزاب والحركات الإسلامية، مثل الإخوان المسلمين، حزب الله، حزب الدعوة، المؤتمر الإسلامي، والحركات الجهادية، والأحزاب التي ما زالت في طور التكون، فهي تنتهج هذا الدور الإصلاحي من البداية إلى النهاية، إلى أن تصبح قوة مهيمنة على قسم من المجتمع، فتلتزم قدراً سطحياً من النضج وتقف عنده، ثم تعود إلى ما يقوله القرآن لتكمل نظريتها، التي ترجع بها ألف وأربعمائة عام إلى الوراء!
فلم تكن المرأة المصرية مثلاً تستخدم الحجاب، لكن ما إن شاهدن أطفالهن يلقون رعاية صحية بسيطة وبدائية، حتى استجبن لنداء الإخوان المسلمين بارتداء الحجاب، ثم وافقن على تغطية ظهورهن بالقفطان، وأخيراً قبلن النقاب والعباءة الإيرانية!
ولعل الجهل، والأمية بشكل خاص، تلعب دوراً في انجذاب المصريين أول الأمر، ثم دخل المتشددون بطبيعتهم، وأخيراً سكن الدين في عقول المتعلمين، لأن التعليم، حتى في مراحله المتقدمة، لا يصنع الوعي!
يحلو للكتاب الإسلاميون، وهم كثيرون هذه الأيام، أن ينسبوا إلى حزب العدالة والتنمية التركي الاعتدال، أو هو يمثل النضج الإسلامي، أو له منظور سليم لإدراك علاقة النخبة بثقافة البلد، أو يتمتع برؤية إسلامية معتدلة، وجميع هذه الصفات تعكس إحباط المجتمعات العربية من حكوماتها أولاً، وثانياً فشل الأحزاب الإسلامية في المنطقة في الاعتدال وفهم حاجات الشعوب إلى الديمقراطية وحرية الفرد، وثالثاً أن الصفات المذكورة لا تمسّ حقيقة الأحزاب الإسلامية التركية، الغامضة حتى بالنسبة لشعبها، فحزب العدالة والتنمية يضع العلمانية إلى جانب الإسلام لتسكين روع العلمانيين وعدم استفزازهم، وحين يصبح هؤلاء بنصف قوتهم الحالية سيكون السجن مصير قادتهم ويتبع ذلك إلغاء العلمانية من الدستور! والحزب أبقى على صور أتاتورك في جميع تركيا، بما في ذلك الدوائر الحكومية، لكن ما إن ترفع عن الحزب سلطة لجنة "مراقبة الدستور" حتى يدوس على صور مؤسس الجمهورية بالأقدام!
وتفيد الدلائل المكتوبة عن أردوغان أنه أصولي، تشهد عليه القصيدة التي أنشدها وهو خارج السلطة ويقول فيها:
"المساجد ثكناتنا، والقباب خوذاتنا، والمآذن حرابنا، والمؤمنون جنودنا"
وهي أبيات رديئة، لكن السلطات أودعته السجن لأنه روع الناس الذين تعودوا الديمقراطية والعلمانية، وحرم حق الانتخاب في البرلمان لمدة خمس سنين، إلا أن أردوغان تلاعب بالدستور بعد أشهر من فوز حزبه في الانتخابات عام 2002 فأنتخب رئيساً للوزراء!
وقد علمته التجارب أن ينحني للعاصفة إذا لم تكن الظروف لصالحه، ثم يتلاعب بالقوانين ما إن تختفي الظروف الصعبة، وأردوغان مؤيد للإخوان المسلمين المصريين، ومناصر لحركة حماس، ولم تكن علاقة تركيا بإسرائيل إلا على مضض منه، وبانتظار ظروف مناسبة سوف يقضى عليها، وتركيا عضو في حلف الأطلسي، بيدَ أنها بدأت تنسحب منه بهدوء، وهي لا تلتزم بالإجراءات التي يتخذها الأطلسي، وأردوغان أقام علاقات سرية بالحركات الأصولية في الشرق الأوسط عندما كان حزبه خارج السلطة، وهو يؤمن بالقيم الإسلامية التي تؤمن بها السعودية، فقد عاش 12 عاما في المملكة، وأغاظ أمريكا حين أيد إيران في مسألة التخصيب، وهو يعتبر إيران قوة إسلامية مهمة، لا يختلف معها إلا في مسألة "المهدي" التي يؤجل النظر فيها، وفي الأخير هو تلميذ نجيب لرئيس الحكومة الأسبق نجم الدين أربكان (1974)، الذي اتصل بالدول الإسلامية وأقام معها تحالف يسمى تحالف "مجموعة الثمانية الإسلامية الكبرى" وهي تضم تركيا- مصر- إيران- نيجريا- باكستان- اندونيسيا- بنجلادش- ماليزيا.
ويحذو أردوغان حذو أستاذه أربكان الذي يسعى إلى تأسيس اقتصاد إسلامي يعتمد الفكر الصناعي، بحيث تصبح دوله قادرة على الاستقلال برأيها وقراراتها.
أعتقد أن الكاتب سكركيس نعوم هو أول كاتب أشار في مقال له لجريدة النهار (2010-1-13) إلى أن تركيا الإسلامية هي تركيا "الإخوان المسلمين" وبناءاً على حوار مع كاتب تركي علماني، قال: إن تركيا لم تكن جادة في الانضمام للاتحاد الأوربي، وأنها تكره إسرائيل وتحب "حماس" وتكره مصر لأنها تحارب أو تكافح انتشار الإخوان المسلمين. وهي "تحب غزة لأن دولة الإخوان المسلمين قامت فيها" والأتراك يكرهون محمود عباس كرههم لإسرائيل لأن حزب العدالة والتنمية يعتبر حركة "فتح" ومن يشبهها بأنهم علمانيون!!
الفساد- أمريكا- لجنة مراقبة الدستور
يعتبر نجم الدين أربكان الأب الروحي للحركة الإسلامية في تركيا، وهي في الأصل نشأت من الحركات الصوفية (النورسية- والنقشبندية) وحين جاء أربكان للسلطة أعلن أن "أمتنا هي أمة الأيمان والإسلام، وليس أمامنا إلا العمل معاً يداً واحدة لنعيد لتركيا سيرتها الأولى" وهو يعني الخلافة الإسلامية!
لقد استلم أربكان الحكومة أثر تفشي الفساد، مقولتنا الأولى، وتنامي الإرهاب والعنف، وكان أردوغان حينها عضواً في حزب "الخلاص الوطني" الذي أسسه أربكان. كان الحزب معبراً عن الاتجاه المتدين والمحافظ. وفي عام 2002 فاز الحزب الجديد حزب "العدالة والتنمية" الذي أسسه أردوغان بالأغلبية، فطرح برنامجاً يعتمد القيم الديقراطية بدل الأيدولوجية ليخفي وجهه الحقيقي. وسرعان ما بدأ التلاعب بالدستور لوجود 365 مقعداً مؤيداً من أصل 550!
ظل الحزب يردد: "نحن لسنا حزباً دينياً، نحن حزب أوربي محافظ". ومما يدعو للدهشة أن أمريكا أثنت على الحزب الجديد لخطه المعتدل، وقالت "أعطوني حزباً بديلاً!" وبقي الحزب يمارس الخداع، إذ ادعى أنه فصل السياسة عن الدين.
إلا أن الموقف الأمريكي "المخدوع" بحزب العدالة والتنمية، اتخذ موقفاً مشابهاً في مصر، فقد دعم الإخوان المسلمين المصرين معنوياً(1)، وطالب بإشراكهم في القرار السياسي، ودعا، من خلال المؤسسات المدنية الأمريكية إلى منح الإخوان وأعضاءه الحرية التي يتمتع بها الآخرون. وهذا الموقف يعتبر تخريباً بالدرجة الأولى، أولاً لأن حزب العدالة والتنمية كشف عن وجهه الأصولي في أكثر من مناسبة الآن، وثانياً، أن الإخوان أكثر تطرفاً، ولم يلجأوا إلى إخفاء شعاراتهم كما فعل الأتراك في البداية، ومنهم تخرج كل الجهاديين من أمثال بن لادن والظواهري وأتباعهم، والآن بمجيء باراك أوباما إلى الإدارة، قد يغدو الموقف الأمريكي أكثر ميلاً نحو الأصوليين الإسلاميين، وقد بدأ إجراءات تخفيف القيود على بعض نشاطهم، فهل تشهد مصر نوعاً من "الانقلاب الديمقراطي" يأتي على أثره الإخوان المسلون إلى السلطة، وتحت نفس العباءة، وهي تشكيل لجنة لمراقبة الدستور، ثم تواجه اللجنة التجميد ويتعرض الدستور إلى العبث كما فعل حزب العدالة والتنمية؟
كان لسقوط الخلافة العثمانية المهترئة عام 1924 تأثيراً كبيراً ومروعاً، ويعتبر حزب العدالة والتنمية أن الأمة الإسلامية تحتاج إلى من ينادي بـ "إسلامية قضايا المسلمين" بينما يتجاهل الحزب حقيقة تذمر العرب ثم القتال ضد الخلافة في عهدها الأخير لما لحق بهم من ظلم شديد، وأن الشعوب العربية قد لعنت ثم نسيت الخلافة وما سببته من مآسي للعرب، باستثناء أخوان مصر الإسلاميين، الذين ظلوا يدعون، بغباء عنيد، إلى عودة الخلافة في بياناتهم لأنهم "يعشقون" العمامة!
إن سياسات أمريكا في عهد أوباما تخضع للمزاج في أغلب الأحيان، وإلى التجريب في أفضل الأحوال، وقد يؤدي هذا إلى كوارث في مناطق أخرى! ولعل سقوط مصر بيد الإخوان سيهزّ المنطقة العربية بأسرها، وسيكون واضعو الأستراتيجيات الأمريكان أول من يندم على ذلك. وهذا يتطلب فترة طويلة جداً من الصراع المرير حتى تعود الأمور إلى وضعها الحالي، والحالي فقط!

الخميس، 3 يونيو 2010

ارفعوا الحصار، وسنرى من الخاسر!


حماس لعبتها بنجاح، وشيوخها الملتحون وبلا ربطة عنق يبتسمون للكاميرات وكأنهم ولدوا من أمس فقط، ودول أوربا في نوبة من الخفة السياسية يحسدون عليها، كلهم يطالبون برفع الحصار عن غزة، فوراً، وركاب أسطول "الحرية" نزلوا من الحافلات وهم يبتسمون ويرفعون علامة النصر، ورجال فتح يلوحون ويطالبون أيضاً برفع الحصار وكأنهم في نشوة، دائخون من التيار العام الذي جرفهم معه، والآن ارفعوا الحصار عن غزة، الغارقة في البضائع المهربة، وسنرى من الخاسر في هذه المهزلة؟
هناك دول تكاد تلزم الصمت، لكنها تتهيأ لتقفز بصواريخ الكاتيوشا والخبراء العسكريين إلى سواحل غزة، وهي إيران وسوريا، تتشاور مع قادة حماس المرابطين لديها عن أفضل السبل، وأسرعها، لتعميق ميناء غزة لكي يستقبل السفن الكبيرة، ومنظمة التحرير تنزل العلم الفلسطيني حداداً، ولا تعرف، حقاً، مستقبلها في الضفة، وتركيا تتحول ببياناتها النارية إلى "نصير" جديد للعرب، تسهل بحماقة لإيران مهمة القفز إلى ميناء غزة بأسلحتها وخبرائها، وتضم لحاها إلى لحى حماس في مظاهرات صاخبة، وتطالب برفع الحصار، فما هي المعادلة الجديدة في المنطقة، بعد أن فتحت مصر حدود رفح لحماس؟
اللعبة الوحيدة واليتيمة الذي لعبها أبو مازن، هي إرسال وفد إلى غزة للمصالحة، لكن حماس، وفي ذروة الحصار، كانت تماطل في المصالحة، وستظل تماطل على طريقة الإيرانيين مع المجتمع الدولي في مسألة التخصيب، تفاوض وفي ذات الوقت تزيد من سرعة التخصيب وتكثيفه، فهل تتصالح حماس الآن وتباشير رفع الحصار على الأبواب؟
بالتأكيد لا، لأن تدفق الأسلحة والأموال الإيرانية إلى قيادة حماس سيعزز خططها القديمة للانقلاب على فتح من داخل الضفة الغربية، ووضع أعضاء منطمة التحرير في السجون، إن لم يكن إعدامهم لكونهم "عملاء للعدو" وبذلك تصبح المتحدث الوحيد باسم فلسطين، وتخسر مصر معركتها مع الأخوان المسلمين، وتصحو المنطقة العربية، بعد فوات الأوان، على أكبر فوض سياسية!