السبت، 18 ديسمبر 2010

حين تخرج النسوة مع أطفالهن في يوم يمطر ثلجاً وبرداً!


عندما يمطر الثلج، وتتظاهر النسوة مع أطفالهن المكشوفين للبرد لتبرئة عوائلهن من الإرهاب الإسلامي كما في الصورة التي نقلتها الشرق الأوسط، فإن ضمير الغرب المسيحي يجب أن يهتزّ لهذا الواقعة المذلة، لأن بعض الحكومات الغربية "يفرط..." في التسامح مع الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء، ويتركهم يمشون بلحاهم الكثة في الشوارع والمدن، يشيرون إلى أنفسهم بأنفسهم، من دون أن يخشوا شيئاً، بينا الشرطة والمخابرات تحرسهم من الأذى، وتدخرهم لأغراض سيئة، لا يكاد يفهمها المواطن العادي، ولا يقرها!
فالسويد، الدولة التي تقدر نسبة اللاجئين فيها 5% من السكان، تأوي 200 إرهابي، تقول استخباراتها إنهم من دعاة استخدام العنف، وينشطون فيها ولا تمسهم شرطتها بأي أذى، ولا يفهم المواطن فيها لمن تدخرهم، ولا يعرفون سبباً منطقياً لحمايتهم من قبل الدولة، بينما تضطر النسوة من اللاجئين إلى الوقوف في البرد والثلج ينهمر عليهن، ليؤكدن لحكومة السويد أنهن، ولا رجالهن، ولا أطفالهن، يؤيدون الإرهاب، ولا ينتمون للإرهابيين بأية صلة!
لقد كتبنا مراراً عن إفراط بعض حكومات الغرب في التساهل مع شباب ملتحِ، إرهابي بما لا يدع مجالاً للشك، توفر لهم غرف خاصة للصلاة والاجتماعات في المدارس والجامعات، وفي الجوامع التي تتكدس في المدن قرب بعضها، وهم يتجنبون الاختلاط ببقية الطلاب والطالبات، ويدعونهم بـ "الخنازير" ويتخرج منهم بين فترة وأخرى واحد يفجر نفسه مع الأبرياء في الحافلات وقطارات الأنفاق، فتثار ضجة صغيرة عن الحادث، ثم يلفه النسيان وكأن شيئاً لم يكن!
وكانت جريدة الشرق الأوسط قد نقلت عن ديفيد كاميرون رئيس الحكومة البريطانية أمام البرلمان، القول إنهم قد أفرطوا في التسامح إزاء التهديدات الإرهابية، فهل يعني هذا الكلام شيئاً سوى أنه جرس صغير يقرعه ثم ينساه الجميع!
الأحزاب البريطانية تقول أثناء وجودها في المعارضة كلام "مؤثر.." عن الإرهاب، تنساه كلياً ما إن تستلم السلطة، فهل هي سياسة إنكليزية متفق عليها؟
ولماذا يظهر التشدد في الكلام عن الإرهابيين حين يكون الحزب خارج السلطة، ثم يذهب مع الريح أثناء وجوده فيها؟
وهل أصبحت بعض حكومات الغرب تستخدم أسلوب القطريين في التعامل مع الإرهاب القائل: "قم بالإرهاب في بلد آخر، وسأوفر لك الدعاية والمأوى؟"
وماذا لو تعارض هدف حكومة غربية ما مع دولة تستخدم نفس السياسة، كما حدث عندما عاد الإرهابي الأخير من بريطانيا وفجر نفسه في السويد؟
وما هو السر في أن بريطانيا التي أطلق عليها الفرنسيون "بريطانستان.." يخرج جميع الإرهابيين في العالم منها، أو يتعلمون فيها صنع القنابل قبل أن يحددوا وجهتهم؟
يقول أكبر ضابط سابق لمكافحة الإرهاب: "إن بريطانيا تنفق أموالاً ضخمة لتحديد هوية الشباب الأكثر عرضة للتجنيد في القاعدة، لكن المعلومات التي تتدفق على الشرطة من الأقلية المسلمة شحيحة" أي لا تتناسب مع ضخامة المبالغ المصروفة!
قطعاً أن الأمر ليس على هذه الصورة الممعنة في التلغيز، فالمبالغ نصفها يصرف على تشغيل العاطلين عن العمل، والنصف الثاني ينفق على باكستانيين يغشون الدولة ولا يقدمون أية خدمة لمخابراتها! وهذه طبيعة الباكستانيين كما تفعل حكومتهم مع أمريكا، تقبض الأموال ولا تساهم بأي شكل في محاربة الإرهابيين، الذين يقيمون جنتهم الأرضية في مناطق واسعة على الحدود مع أفغانستان!
تدعي بعض الحكومات الغربية اهتمامها بحرية الفرد، وهذا غير مؤكد، ومردود حين يخضع للجدل، فوضع حياة ملايين الأوربيين والأمريكان، كما الحظ في اليانصيب، أمام الخطر، لا يبرر لمائة أو مائتين إرهابي بالحرية الفردية، وهم يعلنون ايمانهم بأيديولوجية تضمن لهم الجنة مقابل قتل أي عدد من الغربيين!!
هذه الحكومات التي انقضت على جوليان أسانج، ووضعته في سجن انفرادي لتسعة أيام من دون تهمة واضحة، تبرر لنفسها السكوت على وجود إرهابيين إسلاميين طليقين يهددون حياة المواطنين بالموت، بدلاً من وضعهم في السجن، أو إعادتهم إلى الدول التي جاءوا منها!
الأسئلة أعلاه نضعها أمام الحكومتين البريطانية والسويدية لا لكي تجيب عليها، إنما للتأمل فيها، إذا لم يصادفها شخص يحدثها من قبل بهذه الصراحة!

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

ماذا يحدث في دولة الكويت؟

في بلد صغير، وغني، تغدو أية ضجة مهما كانت بسيطة ذات صدى كبير، لكن في المنطقة العربية التي تفرخ فيها المشاكل وتتفاقم وتفرز أزمات مستعصية، ثم تأخذ أبعاداً إقليمية ودولية، تبقى الأزمة الكويتية محصورة في أضيق مجال، ويمكن للتدخل السريع إخمادها في وقته، بيدَ أن حسمها يتطلب علاجاً جذرياً، ينتزع منها مخالبها قبل فوات الأوان.
والكويت التي خرجت قبل عشرين عاماً مثخنة الجراح من غزو العراق واحتلالها والعبث باستقلالها، تعملت كيف تتعامل مع أعدائها والطامعين فيها، وأولئك الداعين إلى محوها تشفياً بثرائها، إنما تواجه أزمة داخلية تتعلق بالبرلمان والديمقراطية، لأنها تهاونت معها منذ البداية، وتركتها تنمو ببطئ، وسط مناخ عربي دكتاتوري، وآخر شبه ديمقراطي جلبت له الديمقراطية مشاكل عديدة، وثالث عالمي، تثقف ديمقراطياً، إلا أنه الآن وبعد هجوم اللاجئين الإسلاميين على حدوده، في حيرة من أمره، لأنه مشدود إلى نوعين من الجذب، الأول داخلي متمسك بالمبادئ الديمقراطية، والثاني خارجي ذو طابع أصولي وسلفي يريد استغلال الديقراطية لصالح أفكاره المتخلفة والإرهابية.
ورغم تنبه الغرب، متأخراً، إلى أنه كلما قدم تنازلاً للإسلاميين، شدوا من جانبهم لوضع الديميقراطية في خدمة تشريعات إسلامية لاهوتية لا تمت إلى المجتمعات الأوربية بأية صلة، إلا أن البرلمانات في بعض الدول الغربية ثارت وغيرت حكومات انتهازية استفادت من أصوات المسلمين الأنتخابية الضئيلة، وجاءت بحكومات يمينية، وضعت نهاية لتأثير الأجانب على مسار حياتها، لكن المواطنين خسروا جزءاً من المعالم الديمقراطية فيها.
ولعل الكويت ينتمي إلى الفئة الثالثة، لكنها تؤجل الحسم النهائي.
فالكويت لا تمتلك أرضية ثقافية ديمقراطية، وثلث شعبها من كبار السن وشبه أميّ، سريع التأثر بأقوال وأحاديث ديكورات دينية سلفية (لحيّة كثة) تبلسم وتقول اللآيات في بداية كل حديث، وكأنها مقبلة على وليمة، بدأت محدودة ونمت بانتشار الأصولية والسلفية في العالم العربي، واستطاعت إغراء عدد من أشباه الأميين لتأييدها، وشكلت كتلة برلمانية، تعرقل الإجراءات القانونية التي تدعو للتطور، وتنشر الفتاوي ضد مظاهر الحياة الاجتماعية.
كانت للحكومة المصرية تجربة مريرة مع الإخوان المسلمين، المعروفين بإطلاق الأكاذيب ثم الصراخ بعدها، والجماعة أوسع انتشاراً في مصر بسبب ارتفاع نسبة الأمية، فقد لجأت مصر إلى القوانين الدستورية لتطويق الاخوان في الانتخابات الأخيرة، مستفيدة من التزوير وجمع التبرعات وغسيل الأموال التي تقوم بها الجماعة، وتحايل القيادات على الدستور للتلاعب بما يسمى حقوقهم الديمقراطية، فنجحت إلى حدِ كبير في كسر شوكتهم وتحجيم قدرتهم المموهة للوصول إلى البرلمان ليمارسوا الشغب فيه، ويزعجوا الحكومات.
هذه التجربة يمكن للكويت الأخذ بها لتعاملها مع السلفيين، وانتزاع كل الحقوق اليمقراطية التي يتمتعون بها.
الديمقراطية في الأساس توافق وتضامن بين أفراد الشعب على مبادئ عامة، ترعى مصلحة المجتمع، والسلفيون يخرجون عن الديمقراطية لأنهم يمثلون خط متعرج، ومتسلل، يخدم أهداف جماعة صغيرة لا تمثل المصلحة العامة، وهذا ما فعلته الفاشية والنازية في ثلاثينات القرن الماضي. وأصبح برهاناً ونموذجاً لسطو فئة على الديمقراطية وتسيير البلد إلى كوارث إنسانية كبيرة.
لذلك لا يستحق السلفيون التمتع بالديمقراطية اسوة ببقية المجمتع لأنهم لا يعترفون بالديمقراطية. ولأن الكويت يمر بظروف صعبة تمر بها المنطقة، أبرزها متمثل في خطر إيراني يبيت للدول المؤامرات للانقضاض عليها، ويضع الكويت، الأقرب إلى إيران، على قمة الدول المهدد بالعدوان، فإن من حق سلطته التصدي لكل حراك يهدد الأمن الداخلي، ويضعف كيان الدولة، حتى لو جاء من فئة تنضوي تحت لواء الديمقراطية لكنها تستغل الديمقراطية وتلجأ إلى الشغب وإثارة المشاكل.
لقد شهدت الكويت سلسلة من الازمات السياسية خلال السنوات الخمس الماضية دفعت برئيس الدولة الى حل البرلمان ثلاث مرات، فيما استقالت الحكومة خمس مرات، وهذا جراء لغط في البرلمان عطل الإصلاحات الاقتصادية وبعض برامج التنمية وتصريف شؤون الناس، وقد يؤدي الآن إلى حل البرلمان مرة سادسة، ليمعن السلفيون بالتعطيل، فهل تستحق فئة صغيرة هذه العرقلة الخارجة على القانون والمصلحة العامة؟
وما دامت الكويت تسعى لتحقيق التطور التدريجي لشعبها، فيجب أن يحدث ذلك في ظل معارضة تؤمن بالديمقراطية وتتوافق مع تطلعات الشعب، وهذا لا ينطبق على السلفيين ولا يأخذهم بالحساب في عملية التطور، لذلك على الدولة أن تردع السلفيين من التمادي في معاداة آمال المجموع بناءاً على ايديولوجية دينية تستمد أفكارها المعارضة من اجتهادات تعود إلى الماضي السحيق.

الأحد، 12 ديسمبر 2010

الحكومات الغربية تعمل ضد الحضارة التي ورثتها


من الطريف أن من يسخر الآن من النظام الديمقراطي في الغرب هي فضائية روسيا باللغة الإنكليزية RT. إنها تترصد وتتصيد الأخطاء في الحكومات الغربية، وتكشف زيف ديمقراطيتها، وتجذب إليها مجموعة كبيرة من أساتذة الجامعات للإدلاء بآراء حادة، وجارحة ضدها. ويعقد برنامج Cross talke الندوات مع أوربيين وأمريكان يعارضون إجراءات يعتبرونها غير ديمقراطية، وتمس حقوق المواطنين.
ليس الإعلام الروسي وحده من يقوم بهذه البهذلة لدول الغرب، بل أعلن رئيس الوزراء الروسي فلادمير بوتين قبل يومين أنه لا يعتبر اعتقال مؤسس موقع ويكليكس في لندن الذي قام بتسريب وثائق متعلقة بمراسلات دبلوماسية أمريكية أمراً ديمقراطياً،، وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي فرانسوا فيون الخميس الماضي: إذا كانت هناك ديمقراطية، فيجب أن تكون كاملة، ولما تمّ زج السيد أسانج في السجن؟ هل هذه ديمقراطية؟
يقول الفروفيسور الأمريكي كادوفيسكي جيدوفيسكي للفضائية الروسية إن أسانج يعمل ما يجب عمله من قبل الحكومة الأمريكية ليطلع عليه الناس!
إنها مهزلة، ديمقراطية الغرب هذه الأيام، وتقول الصين إن أمريكا ليست في موقع يسمح لها الآن بالحديث عن حقوق الإنسان، إنها تستخدم هذه الحقوق للعمل بوجهين.
ومن الصدف الأطرف أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون تقول إن حقوق الإنسان يجب أن تكون عالمية!!
هذا تصريح مثير للضحك، لأنها كانت تطالب بإطلاق سراح الكاتب الصيني الذي حصل على جائزة نوبل، وتهمل اعتقال مؤسس موقع ويكليكس الذي أودع السجن لأنه يكشف الوجه القبيح للنفاق الأمريكي!
ربما تكون نظرية المؤرخ البريطاني مسلطة الآن بإلحاح على الغرب، وهي القائلة بإن البروليتاريا تهجم على الحضارة من الأطراف وتدمرها. وما ظهور شركات ضخمة تجني أرباحاً طائلة، تدعمها حكومات يرئسها صغار السن مقابل رشوة بمبالغ صغيرة، هي واحدة من معالم تلك النظرية، التي أصبحت داهمة.
ومنذ نهاية حكومة تاتشر، النزيهة والمستقيمة، ظهر توني بلير ليمثل الجشع وفساد الحكومات في بريطانيا، فهو يربح الملايين من وظائف المستشار الرمزية في الشركات الكبيرة، مقابل تمرير معلومات قيمة اطلع عليها أثناء توليه منصب رئاسة الوزراء، تستفيد منها الشركات في توسيع رقعة أرتكازاتها الربحية!
أما في أمريكا، فلعل الرئيس أوباما لا يجد ما يفلسف به النفاق والكلام بوجهين لحلفائه المصدومين من إدارته، لأن روح الفيلسوف المزيف تخونه حتى هذه اللحظ، بعد أصبح موضوع تندر من الأمريكيين والعالم بسبب حسابات منظمة كوكلان كلاس الإرهابية المفتوحة حتى الآن، بينما حساب جوليان أسانج الذي لا يتعدى الـ 250 ألف دولار من المتبرعين قد تعرض للمصادرة نتيجة ضغوط الحكومة الأمريكية!
ونعود إلى الجانب الشرقي، ففي بريطانيا على وجه التحديد، الحليف الضليع في الشؤون الخارجية، والشرق أوسطية، وقف آلاف الطلبة في البرد القارس يطالبون بإعادة النظر في رسوم الجامعات، بينما كان البرلمانيون في مجلس النواب يصوتون بالإبقاء على الزيادة في الرسوم ثلاثة أضعاف اعتباراً من السنة الدراسية القادمة!
لقد صدم الطلاب، وآباؤهم، على هذه الزيادة الجائرة، والحجة إصلاح الاقتصاد المتدهور، وليس من شركات إنكليزية ترتفع أرباحها بأرقام قياسية، فشركة الغاز البريطانية حققت ربحاً سنوياً قدره1.95 باوند استرليني للعام 2006، بينما بلغت أرباح شركة البترول البريطانية 1.85 مليار رغم الخسائر التي تكبدتها من حادث التسرب في خليج المكسيك.
وسواء ازدادت أسعار البترول والغاز العالمية أو انخفضت، تبقى الشركة حرّة، تتصاعد أرباحها إلى ذرى شاهقة!
إن الشركات والبنوك الإنكليزية تنافس الحيتان في التهام الأسماك الصغيرة، وثلاثة أرباع المواطنين ينتمون إلى هذه الفئة، وهم الذين فغروا أفواههم للزيادة في أسعار الرسوم الجامعية، بيدَ أن حكومة الإتلاف، المحافظين والليبراليين، أصرت على موقفها، ورغم أن حصيلة المظاهرات كانت جرح 32 طلباً وطالبة، وإصابة طالبة باغماء حتى هذه اللحظة، غير أن ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة، اهتم أكثر بأضرار قليلة أصابت بعض النوافذ، وقلب المسألة لتغدو ضد طلبة "مشاغبين!" وجميع الخسائر التي رثاها كاميرون، أضافة إلى تهشيم زجاج سيارة الأمير شارلس وزوجته، تقدر بحوالي نصف مليون جنيه!
نعود هذه المرة إلى توينبي ومسألة انهيار الحضارة، وبدءاً بتراجع الديمقراطية الغربية عن مبادئها، فالحكومات الغربية أشد القارعين لطبول مأتم الحضارة والديمقراطية، والأصوات مهما كثرت وتعددت في معارضتها لقرار خاطئ، أو جائر، لم تعد قادرة على انتزاع أي تراجع حكومي، أو إعادة النظر فيه، ولم تعد المصلحة العامة فاعلة بأي شكل من الأشكال، والحكومات دائماً تلجأ إلى الخداع في تفسيرها لموقفها المتزمت.
لقد خرج أكثر من مليون بريطاني يطالبون بعدم غزو العراق، وكل ما فعله توني بلير أنه ردّ عليهم بخدعة ما زالت ترن في آذاننا وآذان البريطانيين، وهي أن نظام صدام يستطيع صنع أسلحة كيمياوية في غضون عشرين دقيقة!
وشهدت أوربا مظاهرات بالملايين ترفع هذا الطلب أو ذاك، لكن طلبها لم يُستجب له. وفي بريطانيا، الذي يقال أن شعبها بطئ في الاستجابة، لكنه إذا تحرك باتجاه شيء أحدث ثورة في العالم، يقول البروفيسور كريس نايت، إن الطلاب سيقومون بمظاهرات أكبر في المستقبل، وينضم إليهم العمال، وهذا سيحدث لأول مرة في أوربا!
نعتقد أن كلام البروفيسور يدعو إلى، أو يتنبأ بثورة في عموم أوربا، قد تضع حداً لدكتاتورية الحكومات وعنادها الغبي في تجاهل حقوق المواطن، لكنه لن ينقذ الحضارة الغربية من تسلل البروليتاريا إلى عصبها.

الخميس، 25 نوفمبر 2010

حزب الله، قاتل مع سبق الإصرار!

سقطت المقاومة في لبنان، وسقط معها حزب الله في أعين العرب، وفي أعين اللبنانيين، وأعين المتعاطفين مع الحزب، وكلهم كانوا مخدوعين بهذا الكيان العسكري الإيراني الشاذ!
لم تعد لهذه الجماعة بريقها القديم، الذي حصلت عليه منذ عام 1982، وحذرنا مما تخفيه حقيقتها. ولم يعد العرب يصفقون له، وهم دائماً يتهافتون على كل بندقية تطلق باتجاه إسرائيل، ويبنون عليها آمالاً مريضة، قائمة على ثقافة معلولة، تعتمد تسطير الأكاذيب فوق بعضها، في بناء كبير، يسمح بدخول الغريب والشاذ والدعي في هيكلها المنخور!
أمس قال النائب عن حزب الله وليد سكرية: "حتى لو كان حزب الله من قتل الحريري، فلا مصلحة في تدمير لبنان"
منطق ابتزازي سمج، لا يخرج إلا من عباءات الملالي في إيران، يضع العدالة مقابل دمار لبنان، ويترك للبنانيين أن يختاروا نوع هلاكهم!
بعد ظهور تقرير (سي بي سي) الكندية أمس الأول، عن وثائق حصل عليها من مصادر الأمم المتحدة، وعن أدلة تشمل أرقام الهواتف النقالة التي استخدمت في علمية تفجير سيارة الحريري، لم يعد حزب الله في دائرة الشكوك، بل أصبح المنفذ للجريمة، وسلسلة من جرائم اغتيال السياسيين والصحفيين والكتاب الوطنين، نسفهم في سياراتهم وعلى التوالي بدم بارد، أدخل الرعب في قلوب اللبنانيين، والعرب، والعالم!
المقاومة التي صالت وجالت باسم الكاتيوشا ضد إسرائيل، هي التي نفذت الجرائم ضد نخبة بارزة من رجال لبنان، واليوم يضع وليد سكرية باسم حزب الله المسألة في معادلة سهلة، وهي أن يختار اللبنانيون بين محاكمة المجرم، أو تدمير لبنان!
غير المعارضين لسوريا وحزب الله، الذي وضعوا على قائمة الاغتيال والمطاردة، من كان يصدق أن دهاليز عقول المقاومة المظلمة، كانت هي المخطط والمنفذ لأعمال القتل المروعة ضد أصوات أحرار مدافعين عن حرية لبنان وأمنه؟!
وعلى الشيعة العرب، ممن أصبح تعاطفهم مع إيران يمثل سُبّة لهم ولأولادهم، الاختيار بين هذا التعاطف مع دولة قاتلة، وبين التنصل منه والوقوف مع العرب المدافعين عن إبعاد شبح الفتنة عن لبنان، لأن النظام الإيراني خالق فتن في كل بلد يجد لها فيه موضع قدم، وما البليون دولار الذي تخصصه سنوياً لحزب الله هو من أجل عيون اللبنانيين، بل كان لسمل تلك العيون، وفرض نظام شبيه بنظام أصحاب العمائم فيه، بعد ضرب الديمقراطية وسحق أثرها!!
لم يكن اللبنانيون غافلين عن أمرهم، إلا أنهم كانوا تحت ربقة الإرهاب الأكبر، المسلط عليهم من سوريا، حامي حزب الله الذي لم يقطع شريان الأسلحة عنه يوماً، "الشقيق" الذي جلب للبنانيين المآسي، والذي لم تخرج من أراضيه طلقة مقاومة واحدة!
لم نكن ضد إيران وشعبها حين بدأنا ننبه منذ 15 عاماً إلى خطورة القاعدة العسكرية التي زرعتها في لبنان حجراً فوق حجر، بل كنا نتوجس من العقل الذئبي الذي تخفيه وراء المقاومة، ولن يقدر على التحالف مع ذلك العقل غير الأفاعي في "الشقيقة" سوريا، الأفاعي ذات السميّة القاتلة من أعضاء النظام السوري!
لن يجدي النحيب من بعد، بيدَ أن دمعة واحدة تصعد من القلب ويغص بها الحلق، لا تخرج ولا تعود إلى مكانها إلى آخر يوم من حياة المرء على ديمقراطية لبنان، لأن الشيعة هم الذين أجهزوا عليها في نهاية المطاف!

الاثنين، 22 نوفمبر 2010

أمريكا سيدة الفوضى في الشرق الأوسط بلا منازع!

يشبّه المحللون السياسة الأمريكية باخطبوط ضخم الحجم، تتحرك أطرافه كل باتجاه وحسب اجتهاد كل منها، ويكفل الرئيس في النهاية تنفيذ الاجتهادات مهما جاءت متناقضة، لأن واجبه حماية المجتهدين والدفاع عن رأيهم!
وقد شاهدنا كيف انتهى "تحرير" العراق إلى كارثة طائفية وسلم مصيره إلى إيران، ومن قبله أفغانستان، التي تورطت فيها أمريكا بقوات إنزال بدل توجيه ضربة جوية لتنتظر من بعد الانقسامات داخل حكومة طالبان، التي قد تطرد تنظيم القاعدة، أو تسلم زعيمه إلى أمريكا، وكذلك الحال في الانتخابات الفلسطينية التي أدت إلى سيطرة أول جماعة إسلامية متشددة على غزة، وما تلا ذلك من ظهور كيان فلسطيني شاذ، ثم تقسيم باكستان إلى قبائل مستقلة جغرافياً، تسيطر القاعدة على أقربها من الحدود!
وفي كل ذلك يُضخ المال الأمريكي بلا حساب، ويموت الأبرياء بالآلاف، وتفسد الحكومات والشعوب، ويفقد المركز سيطرته على الأقاليم البعيدة، لأن أطراف الاخطبوط داخل النظام الأمريكي اجتهدت وجربت رؤاها، ثم اختفت، وبقي الرئيس الأمريكي، وفي هذه الحالة باراك أوباما، يتقافز على سلالم الطائرة، هبوطاً أو صعوداً، سعيداً بلياقته البدنية وبما حققت بلده من تجريب، لا يخضع لمحاسبة، تجاه بلدان العالم الثالث!
وتمثل أطراف الاخطبوط تكتلات مالية أو سياسة متنفذه، يقوى أو يضعف نشاطها حسب الضغط المنهجي المسلط على رجال الكونغرس، من خلال العلاقات السياسية تارة والرشاوى الضخمة تارة أخرى، حتى يقتنع شيخ أو مجموعة من الشيوخ فيتبنون اجتهادهم، حينئذ يرضخ الرئيس إلى إرادتهم وتأخذ الفكرة حيز التنفيذ في السياسة العليا.
"كارنيغي" واحدة من الجهات التي أصبحت متنفذة، ولرأيها أصداء تنعكس على بعض المؤسسات الرسمية، وهي مدعومة في الأساس من الحكومة الأمريكية، تقدم اجتهادات تجريبية لا يسأل أحد عن مدى خبرتها في شؤون المنطقة (الشرق الأوسط) وتتبنى وجهات نظر خطيرة، وأحيانا مدمّرة على البلد الذي تستهدفه، ولأنها تعني بالديمقراطية فإن قياسها يعتمد الديمقراطية الغربية، تسعى إلى فرضه على دول شرق أوسطية تنقصها الأدوات الرئيسية لنقاء الديمقراطية الغربية، أو تفتقر إلى أطراف مخلصة للديمقراطية بحد ذاتها، كما هو الحال بالنسبة لحركة حماس التي وصلت ديمقراطياً، ثم انقلبت على الديمقراطية لتبقى في سلطة دينية متشددة، أو كما هو الحال في "ائتلاف دولة القانون" الشيعي في العراق الذي حاز على الأصوات في انتخابات ثم تنصل عن النتائج عندما تحولت ضده في انتخابات أخرى، وبين يدينا أمثلة على استغلال الديمقراطية من قبل أحزاب دينية، اعتبرت فوزها نهاية لحقبة ديمقراطية!
النتيجة، أن الديمقراطية كانت وسيلة لمجيء أحزاب دينية متشددة إلى السلطة، ثم حرمان الآخرين من التداول السلمي، وعدم السماح بمجرد النقد لأخطائها، وحدثت جميع هذه التجارب بضغط أمريكي أعمى، وغير متبصر، وما زالت آثارها تتفاعل في المنطقة، لأن أمريكا مستعدة لدفع الخسائر والتعويضات من أجل الاستمرار في تلك التجارب!
في العام 2010 بلغت الميزانية الأمريكية 3،4 ترليون دولار، وهو مبلغ هائل، لذلك يتمكن البيت الأبيض دفع الخسائر وتعويض المتضررين في هذه الحروب، والتغطية على ما تتطلبه الاجتهادات التجريبية من أموال، دون ما حاجة إلى أن يعرف نصف دافعي الضرائب أين تقع غزة على الخريطة، ولا يكترثون بمن يمثل ائتلاف دولة القانون، ولا في أي قارة تسكن قبائل البشتون، وأثناء ذلك تحصد أرواح الأبرياء بوفرة لا تشبع عين أمريكا!
منذ فترة تركز مؤسسة "كارنيغي" على دولتين شرق أوسطيتين، مصر والأردن، وكل منهما تواجه خطرا إسلامياً أيديولوجيا يهدد استقرارهما، ويتمثل في جماعة الأخوان المسلمين، التي تستغل الطلبة وعدداً كبيراً من الأميين في الأحياء الفقيرة، ممن تشتري أصواتهم بمساعدات اجتماعية بسيطة مثل التمريض المجاني وفتات من العون المالي، وتحشو رؤوسهم بأمل لا يتناسب مع العصر ويتنافى مع التطور الحضاري، وهو إقامة دولة إسلامية تفرض سيطرتها وديانتها على العالم!
هناك حقيقتان لا يدركهما حتى المطلعين في "كارنيغي" على الشؤون المصرية، ويتجاهل أثرهما المصريون العاملون في "كارنيغي" بناءاً على تعهدات خرافية من قبل أفراد الجماعة بالتزام الديمقراطية في حال استلامهم السلطة، الحقيقة الأولى:
أن المذهبين السني والشيعي يبيح لهما الكذب والادعاء لإخفاء نواياهما، تحت مسمى (التقية) وهو مبدأ يستخدم للنفاق ويقتصر على الدين الإسلامي دون غيره من الأديان الأخرى. والثانية:
إن الاخوان يلجأون إلى استفزاز السلطة بمظاهرات غير دستورية، وحين ترد عليهم يصورون المسألة كأنها اضطهاد يقصدهم وحدهم وترتفع أصواتهم بالعويل، ويكفي "كارنيغي" عاراً أنها تدافع عن الاخوان الذين يعتبرون المسيحيين مواطنين من الدرجة الثانية "أهل ذمّة" فيعتدون عليهم ويحرقون ممتلكاتهم بشكل مستمر. فهل يمثل الاخوان جهة، أو حزب، يؤمن بالديمقراطية التي تسفح "كارنيغي" دموع التماسيح على ضياعها في مصر؟
رغم ذلك تقف "كارنيغي" بكل ثقلها إلى جانب هذه الجماعة في الانتخابات، ويقول المتحدث باسم الخارجية الامريكية فيليب كراولي الاثنين15 وفمبر، وهو يستجيب لدعاوى (كارنيغي): "إن الولايات المتحدة حريصة على إجراء انتخابات حرة ونزيهة في مصر"
ترد مصر على هذا الكلام بالقول:
"إن المواقف الأخيرة للإدارة الأمريكية تجاه الشؤون الداخلية المصرية مرفوضة بشكل قاطع من قبل مصر" وهي تغمز من جانب مسألة أخرى، إذ يتضح من هذا الخصام العلني أن أحد أطراف الاخطبوط ، وهي "كارنيغي"، نجحت في حمل الرئيس باراك أوباما على تشكليل مجموعة عمل لمراقبة الانتخابات في مصر، جميعهم من المؤسسة ذاتها، إثر لقائه بهم في البيت الأبيض، فهل تلح الإدارة الأمريكية بعد خسارتها الفادحة أمام الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة على تكريس الفوضى في مصر؟
لا شك أن الإدارة الأمريكية تحتاج خصم عنيد تقاتله لفترة طويلة، حتى لو كان من طراز القاعدة، وبما أن الجذور التي تمد القاعدة بالمتطوعين هي جماعات الإخوان المسلمين، فلا شك أن امريكا تأمل وتبذل الجهود لمساعدة الاخوان في السيطرة على جميع بلدان الشرق الأوسط، وهذه ما ندعوها بالفوضى الأمريكية، وتخشاها شعوب المنطقة التي تحتاج إلى الاستقرار، وتتطلع لبناء بلدانها!

الخميس، 4 نوفمبر 2010

العرب أخفوا حقيقة الديانة السائدة قبل الإسلام

الاعتداء على كنيسة سيدة النجاة في بغداد

لم يسبق لأمة أن زورت تاريخها المكتوب عن قصد، وعبثت بمجرياته كما فعل العرب! ورغم ظهور كتابات قديمة وحديثة ناقشت الحقائق، وصححت مكامن التزوير، الذي جاء لصالح إمبراطوريات أو حكومات اعتبرت مستقرة لكنها ذات طابع دكتاتوري، إلا أن العرب وضعوا هذا التصحيح العلمي في خانة المؤامرة، وتجاهلوه، لأنهم اعتبروه يستهدف الإسلام الذي أرادت تلك الحكومات أن تظهر إخلاصها له، أولاً لأنه يعمل على الاستقرار، وثانياً ظل يشجع المستفيدون، ممن بنوا عليه كم هائل من الأكاذيب، لاهوتية وقومية!
الحكومات المذكورة تشمل الإمبراطوريات التوسعية كالإمبراطورية العثمانية، ثم الإدارات، فالحكومات في الوقت الراهن.
إذا اعتمدنا ما أرخ له تباعاً هيرودت، المؤرخ الروماني فلينيوس الأكبر، ويوسفوس قبل الإسلام، ثم الطبري وعلي جواد والمؤرخون الغربيون الحديثون بعدهما، وجميعهم امتازوا بالحياد، فإن التركيب السكاني للجزيرة العربية وما حولها في العهود القديمة كانوا قبائلَ يختلف تحضرها بالنسبة لقربها أو بعدها عن الإمبراطوريات المحيطة بها، ففي حين ظل بدو الصحراء في الوسط يعيشون حالة من البداوة والوحشية أبعدتهم عن تأثير سكان المدن الذين اختلطوا بالإمبراطوريات المحيطة بهم، يشير المؤرخون المذكورون أعلاه إلى تحضر القبائل العربية الأخرى، الذين أبدوا استعداداً للتأثر بما جلبه السومريون والبابليون واليونانيون والرومان والفرس والبطالمة من عادات وأديان جديدة!
فالحميريون في اليمن تحولوا إلى المسيحية بعد وصول المبشر ثيوفيلوس إليها، الذي أرسله الحاكم قسطنطيوس إلى المنطقة، وكان أمروء القيس بن عمر، الذي لقب بملك العرب، وحكم قبائل الازد ونزار في الشمال نصرانياً، بعد أن كان الحاكم بالنيابة عن الفرس على الأراضي الحدودية لعرب ربيعة ومضر (حسب الطبري)
والقبائل العربية التي أسست تدمر جنوب سوريا والبتراء في الأردن، قد تنصرت لدواعي أمنية بالنسبة للأولى، وعن رضا بالنسبة للثانية. أما بدو سيناء العرب فقد تأثروا بالبطالمة وشاهدوا الدين الجديد المسيحية فأولعوا بها، بينما ظلت غزة تابعة لحكومة يهودا والسامرة التي يغلب على سكانها التهود، إلى أن غزاها المسلمون في عهد أبي بكر ثم عمر بن الخطاب، فتبع الغزاة عدد كبير من سكان الاحساء شمال السعودية، واستولوا على الأراضي التي أخذ قادة المسلمون يوزعونها عليهم لكي يصبحوا أغلبية.
يوجد كتاب حديث جداً، يرسم بدقة انتشار المسيحية بين القبائل العربية، وهو "تاريخ العرب في جزيرة العرب" لمؤلفه روبرت هُيلند، ترجمه إلى العربية عدنان حسن، يذكر، بالاستناد إلى مؤرخين سابقين وعرب، أن نسبة المسيحيين بين القبائل العربية قد انتشر قبل الإسلام، بحيث يمكن للقارئ أن يقدر عددهم بحوالي 80%، بينما بقيت العشرين بالمائة مصرة على وثنيتها، خاصة القبائل داخل شبه الجزيرة، وهم البدو الذين يصفهم المؤرخ فلينيوس بأنهم "قطاع طرق ورعاة، ممن ينتقلون فوراً من مكان إلى آخر عندما تنقصهم المراعي والغنائم، وهم همجيون ومحبين للحرب يعيشون في الخيام، اشتهروا بخطف الرهائن وطلب فدية مقابل ذلك، يسمون ذئاب الجزيرة قبل تنصرهم، وانضمامهم إلى المسيحية لاتصالهم بالكهنة والرهبان، الذين سكنوا بينهم، ومارسوا حياة الزهد والتقشف في الصحارى المجاورة"
ويذكر الكتاب الحارث بن جبلة، ملك العرب المسيحيين كلهم. واتخذ سكان البتراء في الأردن، وتدمر (الحضر) جنوب شرق سوريا، المسيحية ديناً لهم، أما سورية البيزنطينية فقد تنصر جميع سكانها فور تحول الإمبراطورية الرومانية الشرقية إلى المسيحية، وكانوا من قبل يعبدون الأوثان والآلهة الرومانية واليونانية.
ويقول فلينيوس الذي عاش في القرن الثالث الميلادي " كانت ثمة شعوب كثيرة بين دجلة والفرات تسكن الخيام، وكانت بربرية ومولعة بالحروب، كانت خرافاتهم كثيرة، وكانوا الأكثر جهلاً من كل شعوب الأرض، قد تحولوا إلى المسيحية على يد (أحودمَّه) وأصبحو يحبون الصيام وحياة الزهد أكثر من المسيحيين الآخرين"
كما ذكرنا في مقال سابق في الحوار المتمدن، فإن محمداً كان نصرانياً، أراد إصلاح النصرانية ليكون زعيماً على عرب مكة، لكنه واجه صعوبات كثيرة من قبيلته قريش، وكانت قريش تريد أن يظهر زعيم منها يسود على العرب، فوجدت من غير المنطقي محاربة النصرانية باسم دينها، لذلك نصحه كبار السن من قريش بالتخلي عن النصرانية والتبشير بديانة جديدة، فيمكنهم والحالة هذه الوقوف إلى جانبه، ويقاتلوا القبائل الأخرى من مسيحية ويهودية باسم الدين الجديد (الإسلام) حتى يستطيعوا فرض زعامتهم على العرب!
وهكذا نرى التاريخ يعيد نفسه في شبه الجزيرة العربية، ولو بصورة مجتزئة، ففي حين امتشق محمد السيف لحمل العرب من المسيحيين والديانات الاخرى على الرضوخ وإعلان إسلامهم، تحاول الوهابية اليوم إشاعة ثم فرض نفسها على المسلمين باسم المذهب الوهابي، رغم محاولات الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز اجتثاث العنف المصاحب لدعوة الوهابيين!!

الأحد، 31 أكتوبر 2010

هل يستغفل الأسد السعودية؟

تتفاقم الأزمة الطائفية في لبنان بشكل متصاعد، وسريع، يخشى من ورائه أن يعد حزب الله، وعلى طريقته الدورانية، لانقلاب على السلطة وإقامة حكومة دينية على غرار حكومة حماس، ثم يطالب، وبشكل دوراني أيضاً، العالم على التسليم بها كأمر واقع بمرور الزمن؟
وتتجه الأنظار نحو التفاهم السعودي- السوري، حيث يبرز سؤال يتردد على ألسن وقلوب اللبنانيين، وهو: هل راحت السعودية ضحية لألاعيب النظام السوري، فهي تعمل على طمأنة السعوديين في الأقوال، بينما تقوي وتدعم بالأفعال حزب الله لتنفيذ انقلابه، ثم تتصرف في النهاية كما لو أن الخيار قد أفلت من يدها، ولا مفر من التعامل مع الواقع الجديد؟
عملياً تبدو السعودية ملتزمة الهدوء، ومستسلمة لتطمينات السوريين بأنهم يضبطون الوضع لصالح الاتفاق السعودي السوري، بيدَ أن تصاعد موقف حزب الله من المحكمة الدولية، ووضع لبنان أمام خيار واحد: تعطيل المحكمة أو الفتنة، إي إلغاء المحكمة رسمياً، أو إسقاط حكومة الحريري المؤيدة سعودياً، والانتقال بلبنان إلى فراغ دستوري طويل، ينفذ خلاله حزب الله وحلفاؤه انقلابهم التدريجي والمخطط له؟
هناك اعتبارات ومواقف دولية تلوم السعودية على صمتها، ولو من دون إشارة إليها، وتحمل صراحة النظام السوري ما يقوم به حليفه الإستراتيجي حزب الله من تصعيد داخلي، قد ينتهي بانفجار يهدد استقرار المنطقة، وهذا ما تسعى إليه إيران منذ فترة، لأنه سيحول الأنظار عنها وعن برنامجها النووي، ويخلط الأوراق على الغرب فلا يعود بمقدوره التركيز على مسألة بعينها!
تقديرات أمريكا وحلفائها الأوربيين لها نصيب كبير من الجدية، ونظام دمشق هو نظام استخبارات قبل أي شيء آخر، السياسيون فيه يمدون يد ودودة إلى العرب، ويخفون وراء ظهرهم خنجراً مبيتاً ومسموماً، وقد أصبحوا بارعين في ذلك طوال تاريخهم مع المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالجارة لبنان، التي التاعت من اليد الممدودة والخنجر المسموم في اليد المخفية، إلا أن السعوديين ليسوا غافلين عن هذه الحقيقة، والصمت واحد من أساليبهم الهادئة في السياسة، لكن ماذا لو تدهورت الأمور فجأة على اللاعبين الخارجيين، السعودية وأمريكا ودول أوربا؟!
اللبنانيون، خاصة جماعة الأكثرية النيابية (14 آذار) كلهم يدور في أذهانهم هذا السؤال، والناس ملّت الحروب الطائفية، وآخرها الهجوم الذي استأسد فيه حزب الله وقلب الطاولة على جزء من جماعة 14 آذار في مايو 2008، ونجح فيه بمحاصرة جنبلاط وتهديده بالقتل، ونجح أيضاً في سحبه من الجماعة ليصبح بعدها نصيراً لحزب الله وسوريا، ورئيس الوزراء السوري ناجي عطري أعلن قبل ثلاثة أيام "أن جماعة 14 آذار جماعة كارتونية" وعبّر عما يضمره النظام السوري منذ فترة طويلة، وكلام عطري يعني أن من يقرر مصير لبنان ليست جماعة (كارتونية)، بل الأحزاب التي غدت مدججة بالسلاح مثل حزب الله والجماعات الفلسطينية التي تديرها دمشق عن بعد، وأن هؤلاء يمثلون الخيار الوحيد للبنان وسوريا، ومن خلفهما، أو أمامهما، إيران؟
في آخر إطلاله له يوم الخميس الماضي أعلن حسن نصر الله "التحريم" على أي تعاون مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه الشهداء، ويأتي الموقف الجديد بعد أن حرّم على اللجنة الدخول والتحقيق في المنطقة الجنوبية من بيروت التي تسيطر عليها ميليشيات الحزب المسلحة، فهل ستحمل الإطلالة التالية دعوة عامة إلى تحريم التعاون من اللجنة، ومقاتلة كل من يتجاوز هذا التحريم بقوة السلاح؟
لعل الدوران الذكي الذي يقوم به حزب الله يعبّر عن ديمقراطية الطائفة الأقوى، وهذا يناسب النظام السوري تماماً، وحزب الله لن يخرج عن هذه الديمقراطية في الدوران حول المحكمة الدولية، فهو يقضم من اليمين، ثم يذهب إلى اليسار، ويعود إلى الخلف، وحين ينتهي يلتف إلى الأمام، فيقضم من كل الاتجاهات، وبحوزته أكبر قوة تدميرية تفوق ما يمتلكه الجيش اللبناني، الذي يعد هو الآخر مخترق من قبل حزب الله!
فهل يدرك السعوديون مغبة التزامهم الصمت والهدوء حيال مخططات سورية-إيرانية على هذا المستوى الرفيع من التخطيط؟
أمامنا وقت ضيق، وضيق جداًً، لنتذكر أن احتلال المنطقة الغربية من قبل حزب الله صيف 2008 ، قد فوجئ الدول المناصرة لحماية لبنان، بما في ذلك أمريكا وفرنسا، لذلك وقفت مشلولة وعاجزة عن أي ردّ فعل عملي، بينما قتل الحزب وأحرق وعبث بالممتلكات، ونجح في حمل حكومة السنيورة على التراجع عن قرار وضع خطوط اتصالاته تحت إشراف الدولة، فهل سيكرر حسن نصر الله تهديده للبنانين بتفجير حرب أهلية جديدة إذا لم ينصع الحريري ويلغي المحكمة الدولية؟
وهل السعودية مستعدة لمواجهة خيبة اللبنانيين من العرب جراء ذلك؟

السبت، 23 أكتوبر 2010

انتهى العهد الجميل لأوربا المتسامحة

في بداية الشهر الجاري، ألزمت إحدى المدارس الإسلامية في إنكلترا (...!!) طالباتها الصغيرات باستخدام حجاب يغطي وجوههن باستثناء العينين!
وفي 16 أكتوبر صرخت إنجيلا ميركل المسشارة الألمانية بأن فكرة تعدد الثقافات أخفقت، وأضافت: أخفت تماماً!
وقد سارعت الأحزاب والمؤسسات الرسمية في أوربا إلى تلقف صرخة ميركل، وراحت تناقش بصوت عال موضوع الهجرة، وتقول، بصوت واحد: لا نريد هجرة تلقي بظلها على نظامنا الاجتماعي!
أوربا كلها، بمحطات التلفزيون، الإذاعات، الصحف، راحت تناقش الهجرة غير المرغوب فيها، وبالتحديد الهجرة الإسلامية، فهل انتهى العهد الجميل لأوربا المتسامحة؟ ومن يلوم أوربا إذا نادت بصوت واحد، رافضة المسلمين، الذي جاءوا إليها هرباً من الاضطهاد في البداية، ثم بدأوا ما يشبه الغزو الإسلامي بالجوامع والمؤسسات الدينية والحركات الأصولية، وكأنهم في ديارهم التي شردتهم!!
منذ عشرين سنة وأنا أكتب وأحذر، مع قلة من الكتاب، من أن يكون سلوك المسلمين في دول أوربا يعتمد مفهوماً خاطئاً في التعامل مع المجتمعات الذين يعيشون فيها، وإن التسامح الأوربي له حدود لا يمكنه تجاوزها، بيدَ أن أحداً لم يكن يسمع!
لقد أصيبوا بالصمم، وأكثر من ذلك بالبطر على دول الغرب، لأن بعض ما يسمى بحقوق الإنسان وقفت إلى جانبهم، هللت وطبلت لكل شاذ وغير مقبول في سلوكهم، فاحتضن المسلمون الجماعات الإرهابية الخطيرة، فتحوا لهم جوامعهم، وبعض بيوتهم، وكانوا يخرجون في مظاهرات يدعو فيها "الملثمون" إلى قتل المسيحيين الأوربيين، لأنهم يحتلون أفغانستان والعراق، وبالفعل فجروا وسائط النقل، فقتلوا الأبرياء في لندن، وأسبانيا، وألمانيا، وفرنسا، وأخيراً حلّ اليوم الذي قال فيه الغرب كفى، ولم يكونوا يفهمون كلمة كفى إذا جاءت في النهاية من دول الغرب!
لقد عضوا اليد التي أطعمتم، هذا ملخص ما فعله المسلمون في دول أوربا، والتزموا الغباء في فهم مصيرهم. أين سيقودهم هذا الغباء، لا أحد يعرف!!
لقد أراد المسلمون، وأنا اسمي كل من ينظر إلى التسامح الغربي بعين غبية، غشيمة، أرادوا تفجير فقاعة صغيرة في الجدار الغربي، وهم واهمون إذا صدقوا الأصوليين، ونبيهم بن لادن، فالغرب حضارة قوية، شيدها أبناؤه على مدى أربعمائة عام، وكان عليهم أن يخوضوا حربهم الغبية في الدول المتخلفة التي جاءوا منها، لا أن ينطحوا الصخر بقرون كارتونية! كان يجب أن تكون معاركهم مع الفقر، والفساد، والأمية، والمرض، في بلدانهم، لا أن يأتوا إلى دول أوربا وأمريكا بأوهامهم وأحقادهم المريضة!
تقول إحدى الناشطات في مجال حقوق الإنسان لفضائية الروس الإنكليزية RT: ليس من العدل الطلب من اللاجئين تغيير ثقافتهم وعاداتهم!
هذا صحيح، لكنه ينطبق على الجيل الأول من اللاجئين، ما داموا بقوا في المهجر، أما الجيل الثاني والثالث والرابع، فكيف نفسر العودة إلى الحجاب بالنسبة لطالبات المدارس، والحقد على المسيحيين الذي يعيشون معهم في المدارس والجامعات والحياة؟
كيف سيتخرج التلميذات والتلاميذ في مدرسة كهذه؟ وكم من المدارس الإسلامية تعزل تلاميذها منذ الصغر ليعيشوا متقوقعين على أنفسهم؟
كيف نفهم المنطق في ارتداء النقاب، أو الحجاب، داخل مدرسة أوربية واحدة؟ وكيف تتحول الجوامع والمؤسسات الدينية إلى تعليم منهج الإسلام الأصولي، ولا تخصص درساً واحداً للغة البلد الذي تعيش فيه وتتلقى المساعدات منه؟
لماذا يرفض المسلمون الأتراك، وهم يعيشون أربعة أجيال متعاقبة في ألمانيا، تعلم لغة البلد الذي ولدوا فيه، وبدل ذلك تمشي الفتيات التركيات في ألمانيا والحجاب على رأسهن وكأنهن في استنبول، التي تحمل وصمة تحويل كنيسة أيا صوفيا الضخمة إلى جامع، مكتوب على جدرانه وبخط عريض "الله، محمد، علي"
ولماذا تسكت منظمات حقوق الإنسان عن دق الطبول، كما تفعل في مجالات أخرى، فيما يتعلق بفرض الانعزال على تلاميذ قصر، عاجزون، بسبب قصر سنهم، عن إدراك نوايا آبائهم المتعصبة والخبيثة، وإجبارهم على دراسة ثقافة واحدة، أصولية، بدل انفتاحهم على المجتمع الذي يعيشون فيه؟

تعدد الثقافات لا تنطبق على المسلمين من بعيد أو قريب، ففي إنكلترا، عدا المظاهرات المعادية لدول الغرب، التي يقوم بها المسلمون باسم أفغانستان والعراق، وكأنهم جاءوا إلى هذه الدول لتكريس أصوليتهم والتلويح بجذورهم، عجز عموم المسلمين، بل امتنعوا عن القيام بنشاط ثقافي واحد، كما يفعل الكاريبيون، والصينيون، والهنود، ولم يشتركوا في المجالات الثقافية التي تجريها التلفزيونات في المسرح والرقص والأدب والرسم وفنون الحياكة، بل يتصرفون وكأنهم فوق هذا المستوى من النشاط، منذورون لوحل الجوامع، ومهتمون فقط بتخريج القتلة، الذي يتربصون بوسائط النقل الأوربية لتفجيرها بركابها!!
اتركوا الحجاب والتعصب لآبائكم وأمهاتكم، كلمة أخيرة أقولها للفتيات والشباب، اجعلوا خياراتكم بمقتضى ميولكم وطبيعتكم الحرة، لأنكم جزء من عالم حرّ، يعطي الفرص للجميع في التعلم وبناء الحياة، أما التسامح الذي حظي به من جاء قبلكم، فلن يأتي منذ الآن من جهة واحدة. أعطوه وخذوا ما يقابله، هذا هو العدل، وكل ما عداه تفسيرات تبرر الوحل الذي خاض به الأصوليون والقتلة!

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

جورج كلوني، والممثل الرديء عمر البشير!

أطوف بأنظاري على المنطقة، من المحيط إلى الخليج كما يقال، فلا أرَ من يهتم بقضايا الضمير العالمي!
صحيح أن بعض الدول فيها بدأ يهتم بقضايا الضمير، لكنها تبقى محلية، أي مقتصرة على عذاب الإنسان في نفس البلد، بيدَ أنها لا تتجاوز إلى البلد المجاور، وهذا بسبب الحصار المفروض عليها!
جورج كلوني ممثل أمريكي منخرط في قضايا الضمير في كل مكان من العالم، وهو ليس الأول في هذا المجال، إذ عرف عن مغنين كبار في أمريكا وأوربا انخرطوا في مشاكل الإنسان في العالم، الفقر، الحروب، المجاعات، والمجازر، رفعوا أصواتهم عالياً ضد مساوئ الظلم، وعمليات الإبادة، وكان مارلون براندو أبرز من احتج في أمريكا ضد اضطهاد الهنود الحمر، ورفض الخدمة في الجيش أثناء حرب فيتنام، وطالب بالحقوق المدنية للسود.
كان بارعاً ليس بتمثيله فقط، إنما بمساندته الفذة لقضايا الضمير!
الممثلات أيضاً، مثل جين فوندا، وماي فارو، وأودي هيبورن، رفعن أصواتهن ضد مجازر الإبادة، وقمن بزيارة الأماكن التي حدثت فيها، وحملت هيبورن في أحضانها الأطفال الضحايا، لتنبه العالم أن الشر ليس له مكان واحد في عالمنا، وهو في الدول المتخلفة أكثر من غيرها، ويحصد الملايين.
هل سمعتم يوماً عن ممثل أو ممثلة عربية وقفوا ضد الإبادة؟
اعذروني إذا كنت وضعت عمر البشير إلى جانب جورج كلوني في العنوان، فالفرق شاسع بينهما، إنه مثل الفرق بين الثور الهائج والوجه الإنساني الهادئ، الذي يراقب الهياج الحيواني ويريد منعه عن المزيد من النطح والتدمير!
عمر البشير، الذي استولى على السلطة عام 1989 بانقلاب عسكري، قضى شبابه في صفوف الإخوان المسلمين فرع السودان، ومنهم تلقن البطش بالمسيحيين والمسلمين والأثنيين حين يعارضون حكمه، أو يخالفون أوامره!
البشير صورة أصولية يخالجها الشعور بأن الله يساندها في الخطأ، فلا تعترف أو تتراجع عنه!
وهذا سبب الفشل الذريع الذي يصادفه الأخوان المسلمون حين يستلمون السلطة، فيجدون أنفسهم أمام طريق مسدود، لكنهم يتابعونه لأنهم لا يعرفون غيره، كما حدث في السودان وغزة!
وهم يتعلمون منذ الصغر، والقرآن على يمينهم، الحقد ضد المسيحيين واليهود، وعلى المسلمين ممن لا ينتمون إليهم، ويشبون، ضمن منهج أحادي التشخيص، وهو الرغبة الجامحة في إفنائهم بكل السبل، لتصورهم الآخرين شبح يقف بوجههم!
ولا يكاد عمر البشير أن يخرج عن هذه الأيديولوجية التدميرية المغلقة في تعامله مع مشاكل السودان! وهي التي حفزته على تسليح قبائل الجنجويد، وبمساعدة الجيش البري والطيران، على ذبح سكان دارفور وحرق قراهم المتهاوية وتشريدهم عبر الحدود!
وإذا كانت أعمال دارفور قد أدت إلى إصدار حكم الإبادة ضد البشير، فإن الحرب ضد سكان الجنوب سينتج الدماء الغزيرة، ويقود البلد إلى الخراب، وينتهي بالانفصال!
لقد ادعى البشير أنه يرحب بالاستفتاء في الجنوب، لكن لهجة الحرب بدأت تتصاعد ضد الانفصال، والبشير يسمي الاستفتاء بـ "حماية الوحدة" وهو لم يعمل أي شيء لحماية الوحدة!
يقول جورج كلوني، الذي زار الجنوب واطلع على الأحوال هناك: إنه يعرب عن أمله في أن يرى مزيداً من الالتزام من الدول العربية تجاه القضايا التي يواجهها السودان!
وهذا غير وارد، لأن الدول العربية لا تتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأعضاء، حتى إذا أدت لدمارها، وإن رئيس الجامعة العربية السيد عامر موسى يتستر على أخطاء البشير وجرائمه وأكاذيبه، ويعيق قرار المحكمة الدولية الداعي إلى محاكمته بتهمة ارتكاب مجازر إبادة جماعية، ثم، لم يحدث طوال حكم البشير أن ارتفع صوت للضمير من العرب يقول له كفى ما تفعل بالسودان!

السبت، 16 أكتوبر 2010

هجرة المسيحيين العرب في ازدياد

نبه مسؤول كاثوليكي رفيع من أن صعود الإسلام السياسي في الشرق الأوسط وتصاعد التيارات المتطرفة قد أديا إلى ازدياد هجرة المسيحيين العرب من ديارهم!
وأضاف انطونيوس نجيب بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك أن صعود الإسلام السياسي منذ عام 1970 أثر على المسيحيين في العالم العربي، وأن هذه الظاهرة تسعى لفرض نمط المعيشة الإسلامي على جميع المواطنين وتستخدم أحياناً أساليب عنيفة مما يستدعي التصدي له.
ويمثل كلام البطريرك صرخة جديدة تطلقها الكنيسة عن تدهور أحوال المسيحيين في المنطقة، وتحذير آخر من تنامي الهجرة بينهم بسبب عنف الإسلام السياسي، لكنها هذه المرة تأتي من تجمع كنسي كبير، وفي مؤتمر للأساقفة الكاثوليك في الشرق الأوسط (سنودس الشرق الأوسط)
في الواقع، لم تشهد المنطقة من قبل هجرة كبيرة للمواطنين المسيحيين مصحوبة، كما في العراق، بالهلع، وفي مصر بالضغوط النفسية، وفي فلسطين بالقتل والتهديد بالقتل، وفي لبنان بالقلق، وفي أماكن عربية أخرى بكل هذه الأسباب وغيرها، بحيث انخفض عدد المسيحيين إلى خمسة بالمائة، بينما كانوا يشكلون نسبة 20 بالمائة، والنسبة في تناقص مستمر كما تشير البي بي سي!
سبق أن كتبنا عن هذه الظاهرة المقلقة، التي يقف وراءها الإخوان المسلمون، والفروع الجهادية المنبثقة عنهم، التي تستهدف مواطنين عرب، قبل أن يكونوا أصحاب مذهب آخر، مواطنين يمتازون بالمهنية العالية، والذكاء، إضافة إلى الإخلاص للأوطان التي يعيشون فيها منذ ألفين سنة، ولا أراني بمستطيع إضافة تحذير جديد، فالمسبب الأول ما زال يمرح، وينتخب، ويعارض الحكومة، ويقدم مرشحين للبرلمان، ويزداد انتشاراً بين الأميين والمتعصبين، ويتقدم في كل المجالات السياسية حتى اليوم الذي يقفز فيه إلى السلطة، وحينها يصبح لعنة مجسدة، ليس على المواطنين المسيحيين فقط، بل وعلى المواطنين المسلمين أيضا ممن يخالفونه الرأي!
لكنني أستطيع مناشدة المسلمين المعتدلين، وهم الأغلبية الصامتة، أن لا يتركوا الشر، الذي يعمل باسم الإسلام، بالتغلب على العقل والخير، لأن فكرة سيطرة المسلمين على العالم ما هي إلا حلم وجبة فول، أتخمت قادة الإخوان فاضطربت الرؤى في أدمغتهم، ولم يفكروا في الواقع الدولي المحيط بهم، ولا في الواقع العربي المهدد اليوم بأطماع التوسع الإيراني والتركي، الذي يريد استعباد الجميع، مسلمين ومسيحيين، وبمباركة الإخوان ذاتهم!
لا أقول إن الوضع لم يعد يحتمل، بل ما زال يحتمل، ولكن المزيد من تنامي قوة الإخوان المسلمين، وتنامي قوة الشيعة المرتبطة بإيران، وعندما يؤجل الطرفان، مؤقتاً، النزاع فيما بينهما، ويتحالفان تحت أي شعار كان، فسوف يطبق الظلام على المنطقة، ويتعذب الكثيرون، ويشمل السوء الجميع، ويهاجر كل أبنائكم من بلدانهم، وستنقضي فترة طويلة، ومريرة، قبل أن يعود الضوء من جديد!
في الفترة الحالية، وهم يحاولون اشغال الحكومات بأنواع مختلفة من المناوشات، لكي تضعف، وتعجز عن اتخاذ إجراءات صارمة، ومرة واحدة، فتستسلم لإرادتهم، وهذا أسوء ما في الأمر على المدى المنظور!
لن أنصح بشيء، فالإسلاميون يعيشون بينكم، ويستخدمون دعاية خبيثة لاستغلال الدين، وقلب الحقائق فيه، لجعله النشاط الأول في الحياة!
أعطوهم العين الحمراء، يبّسوهم في أماكنهم، واسخروا من دعاواهم، وأكاذيبهم، وارفضوا قتلهم للناس الأبرياء باسم الخلافة الإسلامية الموعودة!
فلن يكون ابنك، وقد ألبسته لحية باسم الدين، جلاداً ومهجّراً لابني من وطنه!!

الجمعة، 8 أكتوبر 2010

خطوة ثقافية جريئة ضد الغزو العثماني لمصر

في خطوة جريئة أقدمت الحكومة المصرية على إجراء تعديل شامل في مناهج التعليم قبل الجامعي، ومن ضمن المفاهيم الجديدة التي تشهدها الكتب الدراسية تغيير كلمة "فتح" التي أطلقت على دخول العثمانيين، إلى "غزو" مصر لخدمة أهداف الإمبراطورية التوسعية.
ويعد هذا التعديل تصحيحاً لمفاهيم خاطئة استمرت طوال فترة الاستعمار العثماني لمصر، واستمرت عليه مناهج التعليم فيما بعد.
ويبدو أن الإخوان المسلمين قد استشاطوا غضباً، فكلمة "الفتح الإسلامي" كانت بضاعتهم منذ تأسيس الجماعة عام 1928 على يد حسن البنا، وعلى أساسها بنوا توجههم السياسي العنيف ضد الشعب المصري، ثم امتد ليشمل المنطقة العربية، مخلفين الاغتيالات والقتل ومحاولات تخريب الاقتصاد وإشاعة الفوضى في البلدان، من أجل إعادة الهيمنة الإسلامية التركية التي دفنها التاريخ، ولم يبك عليها إلا هم!
ويقول المشرفون على التعديل الجديد إن الحكم العثماني، الذي استمر في مصر والعالم العربي لمدة بين ثلاثة وأربعة قرون، كان جامداً، راكداً، أغرق مصر والعالم العربي في التخلف!
يقولون أيضاً، إن العثمانيين لجأوا إلى الدين واستخدموه لفرض سيطرتهم على العالم العربي، وإنهم غزو مصر لأن أهدافهم كانت توسعية!
ولا شك أن الإخوان المصريين ليسوا بعيدين عن التأثير على المسلمين في تركيا لتأسيس أحزابهم، والعمل على ضرب الأتاتوركية، التي أسست نهضة تركيا الحديثة، وأنقذتها من جمود الامبراطوية وتخلفها الذي أوقعها في الشلل التام، لأن إعادة الخلافة إلى اسطنبول يدعم جهود الإخوان المسلمين في مصر والعالم العربي، ويبعث إلى الوجود رمزاً مندثراً يقاتل الجهاديون باسمه.
ويعتبر إخوان مصر أن تجربتهم أطول في هذا المجال، بينما يعود تاريخ الأحزاب الإسلامية التركية إلى الستينات من القرن الماضي.
وربما تكشف الأيام المقبلة اللقاءات السرية بين المسلمين الأتراك وبين الإخوان، لأن اندفاع حزب العدالة والتنمية في التخطيط للسيطرة من جديد على الدول العربية، يضع هذه الدول بين كماشة من الأطماع التوسعية الإيرانية – التركية، ورغم أن جهود الإسلاميين الأتراك تأتي متخلفة عما قطعته إيران من خلال الشيعة العرب، إلا أن الإسلاميين الأتراك يعتمدون على قاعدة واسعة من المؤيدين السنّة، تمثل مصر رأس الحربة فيها، يتبعها الأصوليون والجهاديون والسلفيون الذي ينشطون في أكثر من مكان، وتجمعهم الدعوة إلى إقامة الخلافة الإسلامية العلنية!
وربما يلتقي الإسلاميون، السنة والشيعة، في أطماعهم على تفكير سياسي ساذج، لأن ظهور صراع امبراطوري تقليدي على المنطقة العربية يحدث بمعزل عن موازين القوى الدولية الحالية، إلا أن تسليم العراق للنفوذ الإيراني من قبل أمريكا مؤخراً، شجع تركيا على النفاذ عبر نفس النقطة، وهي القضية الفلسطينية، لإدارة الصرع، لكن هذا سيلحق بالمنطقة المزيد من أعمال العنف والفوضى السياسية، ويحرمها الاستقرار لفترة أطول!

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

لماذا يؤيد الإخوان المسلمون شعارات إيران في المنطقة؟!

مشكلة مصر الحقيقية لا تكمن في ارتفاع الأسعار، ولا البطالة المتفشية، ولا حتى فيما يشاع عن التوريث، إنما فيما يسمى بالإخوان.
هذا الحزب السياسي الذي يعمل باسم الدين، ويرفع القرآن في مسيراته، ويعتبر الأقباط أهل ذمة لا تحق لهم المناصب السيادية، هو المشكلة الحقيقية التي تهدد مستقبل مصر، وقبل ذلك حاضرها السياسي!
يعمل الإخوان تحت ذريعة "جمعية خيرية" لكنهم يملكون المليارات من الجنيهات، ويدخلون عمليات ضخمة لغسيل الأموال، ولهم فروع في كل مدينة، وقرية، وللفروع فروع أخرى في كل حيّ من المدن، وقد ضيعت السلطة كل الفرص للقضاء عليهم، وهي تخشاهم الآن، رغم أنهم يسببون صداعاً مستديماً، لأنهم يقتحمون السياسة علناً، وأصبحوا مثل العلق في الجسد المصري، يتدخلون في حياة المصريين، ويمنعون بعض الأعياد، ويصدرون الفتاوى على الكتب والقنوات الفضائية، ويقررون من يصلح ومن لا يصلح من النشاطات الثقافية، ويخرجون في مظاهرات يبرزون فيها (الطرات) على جباههم ليقولوا إن سيمائنا على وجوهنا من أثر السجود، ولا يخجلون أن العالم يبدع الاختراعات المفيدة للبشرية في مجال الطب والميكانيك والفلك، بينما يعكفون مع جزء من المجتمع المصري في حفظ القرآن وتفسيراته، ليبتعدوا به قدر الإمكان عن العصر الذي يعيشون فيه!
أمس الأول هاجم المرشد العام للإخوان، محمد بديع، السلطة الفلسطينية، وقال إنها توشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة على طاولة المفاوضات!
قال أيضاً إن الشعب الفلسطيني يتأهب لانتفاضة ثالثة، ونراه يغلي كالمرجل في الضفة وغزة وضد الصهاينة ومن يدعمونهم!
هذا تصريح سياسي يعبر عن موقف سياسي، وليس جزء من نشاط جمعية خيرية توزع الإحسان على المحتاجين في مصر، وسوف نمسك بهذا التوجه إلى نهايته، ونترك الباقي!
فإخوان مصر، أو بالأحرى أصحاب المليارات في قياداتهم، يعملون على تعزيز حكومة حماس التي شقت الشعب الفلسطيني، وأضعفت محمود عباس، أو أي زعيم آخر، في المفاوضات، لأن حجج إسرائيل أمنية، ورغم الصواريخ البسيطة التي تُطلق على الصحراء بين فترة وأخرى، فهي تعتبر الحكومة الحالية في غزة عقبة كبيرة تظل تهدد إسرائيل وأمنها، ولا تأثير أو سيطرة للسلطة عليها، وبالتالي فإن انتفاضة ثالثة، وهو ما تعمل له حماس والإخوان في مصر، وقيام سلطة دينية في الضفة الغربية إضافة إلى غزة، يعني عدم قيام دولة فلسطينية إلى مائة عام أخرى، وهذا ما يريده الإخوان في مصر!
لكن لماذا يؤيد الإخوان هذا الافتراض ويسعون إليه؟!
منذ تأسيسها عام 1928 على يد حسن البنا، يهيمن على عقول الإخوان ما يمكن أن نطلق عليه بالوعي السياسي المفكك، فهم في حالة وسط بين الدين، وجميعهم مصلّون منافقون لم يدرس أي منهم الشريعة، وبين السياسة التي كلما اقتربوا منها تصرفوا بخفة وطيش كثيراً ما جرتهما إلى أخطاء مهلكة!
ولعل تخرج قيادات القاعدة من بين صفوفهم، وقبلهم الجهاديين الذي قاموا بعمليات القتل والتفجيرات داخل مصر، هو دليل تشرذم يبشر بالعنف سراً، والسلم الأهلي علناً، لن ينتج لمصر غير الاضطرابات العنيفة التي عانت منها على مدى ثمانين عاماً.
كانت بدايات الإخوان سيئة منذ همست بريطانيا بأذن حسن البنا لتكوين جماعة دينية لكن على غرار "البوكسر" في الصين، تدافع عن مصر من تأثير الضباط والسياسيين الذين يريدون لها الابتعاد عن سياسات لندن، بيدَ أن حلم البنا آنذاك كان إنقاذ الخلافة الإسلامية، التي تفككت وانتهت تحت أنظار الجميع.
وإذا كان حسن البنا يكيد للملك الذي انشقت عائلته عن العثمانيين وأسست دولة مستقلة، فإن قيادات الإخوان ظلت تكيد لشبح الملك في القصر الجمهوري حتى هذه اللحظة!
لذلك، دخل الإخوان الآن في لعبة إقليمية أكبر من عقولهم التي تمتاز بالخفة، ما إن فاز الحزب الإسلامي في تركيا.
لقد اقنعت اسطنبول إيران بأنها على استعداد للانسلاخ عن حلف الأطلسي، مقابل توحيد المسلمين حول كيان "خلافي" يذوب في ظله التناحر الطائفي بين السنة والشيعة، ويكون الانطلاق للسيطرة على الكيانات الإسلامية الأصغر، ثم العالم مع الزمن!
هذا الحلم الخرافي، الذي لن ندخل في تفاصيله الآن، هلل له الإخوان، ولم يكونوا يوماً بعيداً عن التشاور مع الأتراك حوله، لذلك فإن الوضع المتفجر في لبنان وتهديد حزب الله بالانقلاب على الحكومة، والتوتر الطائفي في البحرين، وإحكام السيطرة الإيرانية على العراق، لم تجذب انتباه الإخوان إلى التوسع الإيراني في المنطقة، بل أنهم راضون عنه ومباركون له، ما دامت طهران تزود إمارتهم الإسلامية في غزة بالسلاح والمال، وتدعو لانتفاضة شعبية تطيح بالسلطة الفلسطينية، وهم يرددون نفس الشعارات الإيرانية، وينخرطون فيها من دون أن يفهموا عواقب ذلك!

الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

2016 يبدأ الاستغناء عن البترول العربي الممول للإرهاب




ينشغل الإسرائيليون منذ عام 2007 في بناء محطات لشحن وتبديل البطاريات لسيارة إلكترونية جديدة تسير بالكهرباء بدل البترول، أطلقوا عليها فليونس “Fluence” من اختراع شاي اجاسي (42 سنة) لتكون جاهزة للخدمة في أنحاء البلد، ولن تستغرق عملية الشحن الكهربائي أكثر من 59 ثانية.
شاي اجاسي من مواليد تل ابيب عمل في مجال الكومبيوتر في الولايات المتحدة، ثم عاد إلى وطنه ليؤسس شركة سميت "المكان الأفضل – Better Place" تعاقدت مع شركة رينو الفرنسية لصناعة الهيكل للسيارة المذكورة والتي ستزود كلاً من إسرائيل والدانمارك في العام 2016 بحوالي مائة ألف سيارة، ثم تقوم بتجهيز السوق الغربية، بعد بناء محطات الشحن الكهربائي فيها.
يقول شاي اجاسي لمجلة الفايننشال تايمز الأسبوعية التي كتبت تحقيقاً مطولاً عن هذا الإنجاز الذي يخدم البيئة، إن الفكرة مدعومة من قبل الرئيس شمعون بيريز، الذي قال في عدد سابق من نفس المجلة، إننا ندعم هذه المشاريع لخدمة البيئة، وللتخلص من الاعتماد على البترول العربي الذي يمول الإرهاب.
وكانت الحكومات الغربية خصصت المليارات من الدولارات لدعم المواطنين الراغبين بشراء سيارات صديقة للبيئة، فبريطانيا تمنح 5000 جنيه لكل من يرغب في شراء سيارة من هذا النوع، وأمريكا تمنح 7500 دولار، وتدفع الدول الغربية الأخرى مبالغ مشابهة.
بنك HSBC استثمر في المشروع فاصبح يملك 10% من شركة "المكان الأفضل" التي ستكون إسرائيل والدانمارك أول مستخدم لسياراتها "فليونس" في العام 2016، ويقدم الناس بأعداد كبيرة في اقتناء هذا النوع من السيارات التي تسير بسرعة 135 كيلومتر في الساعة، ولن يسمع إلا صوت بسيط ينبعث منها، فهي ضد كل أنواع التلوث، الكاربون والضجيج.
هذا الاختراع الرائع يُضم إلى الاختراعات الأخرى في مجال السيارات التي لا تضر بالبيئة، وكان مخترع أمريكي (شارلس كرينوود) قد نجح في تصميم سيارة تعتمد على طاقة البشر الأربعة الموجودين في داخلها، وتلقى 800 طلب سلفاً لشراء السيارة التي ستدخل السوق 2011.
في ذات الوقت، ونتيجة لعقم خيالهم، وبدل أن يخدموا العالم باختراعات بيئية، ينشغل العرب بتصدير الإرهاب للعالم، خاصة الدول الحديثة الاستقلال، فقبل أمس الأول اشتكى وزير الأمن البوسني صادق أحمدوفيتش لوكالة الصحافة الفرنسية من تفشي التيار السلفي الجهادي في البوسنة والهرسك، حيث تتمركز جماعات سلفية هناك منذ حرب 1992-1995، حين اشترك العرب في تلك الحرب وجلبوا معهم قراءة أصولية للإسلام وأصبح لهم أتباع في البلد، وقال الأستاذ أحمد عليباسيتش من كلية العلوم، بأن في البوسنة اليوم عشرون مجموعة من المسلمين السلفيين، وهم يجتمعون في مساجد ومنازل وأماكن العبادة!
التعليق على الصور: الأولى،Pictures and information from FT weekend magazine
الثانية، شاي اجاسي الثاني من اليمين مع أعضاء شركته.

الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

ساركوزي الذي خذلته أوربا، وقف ضد الميوعة

توجد قوانين تحكم المجتمعات، تجعلها تميل إلى الدفاع عن نفسها لتحمي ما توصلت إليه من تطور بطئ، وتتنافس مع مثيلاتها للترقي به إلى مستوى واحد من التحضر، ويحدث هذا من دون وعي ولا مقصودية إلا لدى النخب التي تدرس الظاهرة، التي تخرج بالتوصيات الداعمة للمؤشرات!
كان التحضر واحداً من السمات العامة لدول أوربا، وبدت الستون سنة الأخيرة تدفع بهذا الاتجاه حثيثاً، بينما ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم التطور الأوربي بصفتها الراعية له، لاستخدامه في حربها الباردة مع الروس (الاتحاد السوفييتي آنذاك) فظهرت منظمات حقوق الإنسان، كجزء من تلك الحرب، وجزء من المجتمع المدني، لحماية ذلك التطور وعدم الإخلال بمقوماته، وكان التطوع أساس العمل فيها.
بعد انتهاء الحرب الباردة، كثرت وتشعبت منظمات حقوق الإنسان وبدأت نفسها الإخلال بمفهوم التحضر. أصبحت مؤسسات ضخمة تدفع الرواتب الكبيرة لمستخدميها، وراحت تختلق الأسباب لأداء واجباتها.
الآن، وفي ظل تشعب منظمات حقوق الإنسان وانقلابها على مبادئها الأساسية، وتزاحمها على قضايا لا تعنيها، ظهرت مشكلتان انقسم العالم حولهما، وبدأ النظر إليهما بعين تفتقر الموضوعية والإنصاف، هما الإرهاب الإسلامي، ثم برزت قضية الغجر الرومان، فقد أساءت منظمات حقوق الإنسان إلى مفهوم الدين ومفهوم المواطنة في بحثها عن قضايا جانبية تعطي الحق لنفسها في تولي الدفاع عنها، فأخفقت في ذلك، وأعطت مردوداً سلبياً انعكس على الأصول القانونية لتلك القضايا، ووجهت الرأي العام في أوربا وأمريكا ليغدو ضدها.
لعل انبعاث الأحزاب اليمينية، التي كانت مجرد أفكار تدور في أذهان الأفراد لا يجرؤن البوح بها منذ اندحار النازية والفاشية في الحرب الثانية هي واحدة من تلك السلبيات الخطيرة التي قادت إليها تصرفات منظمات حقوق الإنسان غير المسؤولة، والمستفزة لمشاعر أعداد كبيرة من الناس، تراكمت لديهم الانفعالات والمخاوف على حقوقهم ولفترة طويلة، ثم تبلورت في أصوات واحدة عبّر عنها اليمين، ثم اليمين المتشدد، كما هي الحال في هولندا، وبلجيكا، والسويد وبريطانيا، ودول أخرى سيظهر فيها الصوت الواحد الجديد، ليكتسح في طريقه التساهل والتسامح الذي اتسم به الغرب!
ربما تكون للغجر طبيعة متشردة، بكل ما يلحق بالتشرد من عادات قبيحة تمجها المجتمعات المتحضرة، حمل في النهاية الرئيس الفرنسي ساركوزي على اتخاذ قرار بإعادتهم إلى بلدانهم لأنهم يرفضون الانخراط في هيئات مدنية منضبطة، فتكون بذلك قضيتهم قابلة لنقاش يشترط فيه أن يكون متوازناً، إلا أن دفاع منظمات حقوق الإنسان عن سجناء الإرهاب الإسلامي، والمطالبة لهم بحقوق متساوية مع المواطنين في الغرب، رغم أنهم خارجين على القانون، ويهددون الناس بحياتهم، هو الأمر الذي جعل الغربيين يتساءلون في النهاية: كيف أرفع من يهدد حياتي بالخطر ويختبئ في بلدي، الذي استضافه، يتحين الفرص، إلى مستوى المظلومية؟
لقد طالبت المنظمات المذكورة بمعاملة سجناء كوانتانامو كسجناء رأي، ومحاكمتهم في دوائر قضاء مدنية، ثم راحت تعارض نقلهم إلى سجون في أوربا، وتدعو لهم بالحقوق التي تضمنها العدالة للسجناء المدنيين، وهي تعرف أن البعض ممن أطلق سراحه عاد إلى ساحات الإرهاب من جديد، وإنهم يمثلون خطراً حتى على الدول الإسلامية ويرفضون الرأي الآخر، ويهتفون من وراء القضبان، وهم يحملون القرآن، الله أكبر، الله أكبر!
ولم تكتف بهذا، بل وقفت مع الإرهابيين الذين قاموا، أو قبض عليهم يقومون بتفجيرات شنيعة في قطارات الأنفاق ببعض دول أوربا، وراحت تدقق في الإجراءات القانونية التي أحيل بموجبها ممن قبض عليهم متلبسون بالإرهاب، وطالبت لهم بمحاميين غير حكوميين باعتبار صوت هؤلاء المجرمين غير مسموع! بينما كانت الجماعات المؤيدة لهم تعلن فيما يشبه الصراخ في الإذاعات والصحف الأوربية
أنهم يردون بالتفجيرات على احتلال أفغانستان والعراق من قبل الغرب، وظل الأوربيين يسمعون هذا الهراء غير مصدقين، ولكنه أصبح يقترب من حياتهم، ويهدد الحرية الفردية التي اعتادوا عليها، لأن الحكومات بدأت تحاصر الناس بقوانين المراقبة (الفيديو) وتسمح لنفسها بالتدخل في شؤونهم الخاصة تحت ذريعة وجود الإرهاب!
أكثر من هذا، سمعنا عن منظمات منضوية تحت لافتة السلام في الشرق الأوسط، (كارنيجي)* على سبيل المثال لا الحصر، تتدخل باسم الديمقراطية للدفاع عن الجماعات الإسلامية، وهي المصدر الرئيسي للإرهاب، وتطالب بمساواتهم بالمواطنين العاديين في حق المعارضة وخوض الانتخابات البرلمانية، وتراهن، بعد تجربة حماس السيئة الصيت في غزة، على ديمقراطية الإخوان المسلمين في مصر، وبذلك تهدد استقرار بعض الدول الكبيرة!
هناك حقيقة تعرفها الأحزاب الاشتراكية في أوربا، وتعظ إصبعها ندماً، وهي أنها استمالت الإسلاميين وبنت لهم الجوامع والجمعيات بأموال دافعي الضرائب، وتجاهلت ردود أفعال المواطنين الأصليين وشكاواهم عن وجود أغراب يهددون بإشاعة تقاليدهم وعاداتهم المتخلفة في مجمعات منفتحة، ولم ينتبه الاشتراكيون إلا بعد فوات الأوان، وفقط حين تساقطت بعض قوائمهم في الانتخابات، وفي الواقع تمثل هذه النتائج التحولات المنتظرة الأولى، وهي مقدمة للأسوأ!!
إن غالبية المسلمين المقيمين في أوربا وأمريكا واستراليا لا ينتبهون إلى التطورات السابقة، فهي تمر عليهم وهم في غفلة من أمرهم، منشغلون بأمور الحجاب والنقاب والمساجد ليبقوا في قلب الأوطان الأصلية التي تركوها وجاءوا يبحثون عن العيش الكريم في دول الغرب، من دون أن يعطوا هذه الدول حقها في المواطنة، أكثر من ذلك جهلهم بالدوافع السياسية التي تقف وراء شعارات مثل حق المرأة في ارتداء النقاب والحجاب، وزيادة أعداد الجوامع لتساوي الكنائس في بلدان مسيحية يمثل مواطنوها الأغلبية، لكن ما إن تضجر تلك الدول من البالغة في البطر الإسلامي المتخلف، ويشددون الخناق عليهم حتى يبدأ الصراخ والعويل، ويومها لن يجدوا المدافعين التقليدين عنهم، لا الاشتراكيين ولا منظمات حقوق الإنسان، لأن الزمن سيتجاوزهما وبلا عودة!

السبت، 18 سبتمبر 2010

محمد سعيد ناود، الصامت الذي حفزني على كتابة الرواية

محمد سعيد ناود شخصية إرترية فذة، تعرفت عليه في في بيروت حين كنت أعمل في تصميم الكتب والمجلات بمطبعة الخليل.
شاب وجودي متمرد، وثائر في حركة تحرير، جمعت بينهما سنوات الحرية في لبنان 1973، والغربة عن الوطن، وهدف مضمر، إقامة العدالة! ولم تنقطع الصداقة بيننا يوماً رغم أن الزمن عاد ليبعد المسافات بينهما، إذ بقينا نتواصل بالرسائل، وكان آخر اتصال هاتفي بيننا أواسط هذا العام، هو في بلده المغمور إرتريا حيث ينصرف للكتابة، وأنا في موطني الجديد والقلق، أنكلترا، فاكتشفنا، بعد ذاك الشوط الزمني الطويل، أن العدالة في دول العالم الثالث مجرد هراء، وأن التمرد والثورات التي قامت في أواسط القرن العشرين انتهت، جميعها، بيد اللصوص!
محمد سعيد ناود هادئ، رزين، دمث، وقنوع، لم أر مثيلاً له في الزهد، وفر له القهوة "الجَبنة" والسجائر وسيعتكف للكتابة.
عملت معه حين كان مسؤولاً للإعلام في جبهة التحرير الإرترية (قوات التحرير الشعبية) فكان أحياناً يتسلل إلى الداخل الإرتري، وعندما يعود يجمعنا الحديث الطويل عن إريتريا لساعات طوال، لأنه يلتقط بعين الكاتب الشاردة والواردة في حياة المجتمع الذي يعشقه، سكان المدن والقرى والرحل، ثم يخرج بمؤلف صغير أو كبير، يتناول عادات أو تاريخ أو جغرافية البلد، حتى أنه أسس بمؤلفاته العديدة، إلى جانب الشهيد عثمان صالح سبي، الرف الأول في المكتبة الإرترية.
ورغم أنني كنت أجمع بين الجد والهزل في تلك المرحلة من حياتي للتعويض عن فترة معتمة في تاريخ العراق، غير أن محمد سعيد ناود قدم إلى بيروت يحمل على عاتقيه تأسيس أول حركة وطنية لتحرير إرتريا بمنهج تنظيمي ورؤية واضحة، لذلك ظل الجد والمثابرة يلازمانه حتى آخر يوم من حياته.
لم تكن من عادات ناود البوح عمّا يكتب. كان يفاجئنا بمؤلف جديد فنذهب به إلى المطبعة. كان يغيب مدة طويلة داخل البيت ليخرج علينا بانتاجه.
في إحدى المرات سلمني نص طويل، قال إنها رواية، أضاف: قبل إرسالها للطبع أود أن تقرأ النص لأنها المرة الأولى التي أخوض في هذا المجال.
كان "صالح، أو رحلة الشتاء" أول عمل أدبي إرتري، وهو سيرة ذاتية ابتعدت كثيراً عن صاحبها، تسرد قصة عائلة تنتقل بين شمال إرتريا والسودان لجناية القطن أو حصاد الحبوب، ثم تعود إلى وطنها محملة بالذكريات الدرامية التي ينقلها إلى القارئ الصبي "صالح".
فرحت بالرواية كون ناود يطرق هذا الباب، وتواتيه الجرأة على الذهاب إلى الأدب للمرة الأولى. ثانيا، كون إرتريا لم تشهد من قبل الرواية بمفهومها القائم على الأحداث المصنفة والمتسلسلة ضمن سرد جزل، يتخلله ذكر العادات والتقاليد الشعبية. ثالثاً، حفزني العمل على التخطيط للرواية لأنني انشغلت بالمسرح والقصة القصيرة آنذاك.
عندما نقول إن محمد سعيد ناود شخصية فذة، فهو حقاً كذلك، ونضيف إنها شخصية نادرة، قلما يحضى بها شعب!
بوم أمس الأول، الخميس، رحل محمد سعيد ناود عن دنيانا، بعد أن خلف ذخيرة ثقافية مهمة لشعبه، ونشاط سياسي طويل اتسم بالجد والمثابرة والصمت، وهما أثمن ما يقدمه الإنسان الناجح.

(فيما يلي سيرة ذاتية بسيطة لناود نشرت في الموقع الإلكتروني للمركز الإرتري للخدمات الإعلامية)
- من مواليد عام 1926 .
- درس الأولية والوسطي بمدينة بورسودان وتم قبوله بمعهد (بخت الرضا) عام 1952 ليصبح معلّماً لكنه أتجه الي العمل الوظيفي حيث عمل بشركة التلغراف الشرقية (الإيسترن) ببورتسودان.
- شارك في الحركة الوطنية السودانية من أجل الإستقلال في فترة الدراسة ضمن الأحزاب السياسية حتي نال السودان إستقلاله.
- في الفترة من 1954 - 1958 كان يقوم بجولات سنوية في بعض المدن الأرترية ليتقصي أوضاع ارتريا وشعبها تمهيدا لتأسيس الحركة السرية.
- قام بتأسيس وقيادة حركة تحرير أرتريا في نوفمبر عام 1958. وترأس بعد ذلك مؤتمرها السري بالعاصمة الأرترية أسمرا.
- استقال من عمله الوظيفي في عام 1965 ليتفرغ كلياً للقضية الأرترية.
- بعد عام 1970 ناضل في صفوف قوات التحرير الشعبية وكان رئيس المكتب السياسي لفترة طويلة.
- ترأس التنظيم الموحد قبل الفترة التي سبقت تحرير ارتريا.
- عاد الي البلاد بعد الإستقلال وأصبح حاكماً لأقليم الساحل لفترة وجيزة.
- تفرغ بعد ذلك الي الكتابة والتأليف ويعتبر من أكثر الأقلام الأرترية إثراءً للمكتبة حيث لديه مؤلفات عديدة ومقالات لا حصر لها عن القضية والثورة الأرترية ومن مؤلفاته:
- قصة الإستعمار الإيطالي لأرتريا.
- رواية رحلة الشتاء وهي أول رواية ارترية مكتوبة باللغة العربية.
- رواية (المغترب) التي فقدت قبل طباعتها في بيروت.
- العروبة والإسلام بالقرن الأفريقي.
- حركة تحرير أرتريا.
ـ الحقيقة والتأريخ.
- عمق العلاقات العربية الأرترية.
- أرتريا طريق الهجرات والديانات ومدخل الإسلام الي أفريقيا.
- شخصيات ورموز أرترية.
- تأريخ الطريقة الختمية في أرتريا.
- متزوج ولديه ثلاثة أبناء وبنت.

الجمعة، 17 سبتمبر 2010

عبد الرحمن الراشد، الشخصية المنفتحة التي ضاقت بها الوهابية

يستحيل صنع إعلام عقلاني إذا تربصت به أيديولوجية منغلقة ترفع نفسها إلى منزلة التقديس!
في المملكة السعودية، تخرج أعداد كبيرة من الشباب المنفح على العالم، الذي يميّز بين ما يقوله العقل، وبين ما يتمسك به الآباء من أفكار مقولبة، جامدة، يتجاوزها العصر، فيختاروا المنطق البسيط الذي يسود العصر، ويأملوا أن يصبح لهم دور في مستقبل بلدهم، بيدّ أن الوهابية، وهي اجتهاد شخصي واحد يعود إلى القرن السادس عشر، أحكمت ربط الصحراء بالتخلف، تظل تقيدهم، تحفر لهم وتعمق الحفر، إلى أن تطيح بآمالهم وتزيلهم عن المشهد!
عبد الرحمن الراشد كان واحداً من هؤلاء الشباب، كشف حيل فضائية "الجزيرة" في التلاعب بالحقائق، وفند أطماع إيران وطرق تسللها إلى المنطقة العربية، وبيّن ما يشكله حزب الله من أخطار على لبنان، وتابع سياسات حماس وتأثيرها السلبي على القضية الفلسطينية، ووقف ضد إقامة مسجد في الكراند زيرو كونه يثري أفراداً محدودين بينما يخلف أزمة بين الأمريكان والمسلمين، وخاض في أكثر من موضوع حساس ترددت الصحافة العربية عن التطرق إليها، وأظهر في كل ذلك روحاً موضوعية لا تثير العداء، محاججة، تسكت الآخر، لأن هدفها استقرار المنطقة.
إزاحة، أو تنحي الراشد عن فضائية العربية لا يحرك نأمة في المملكة، لأن الوهابية حولتها إلى بركة ما برحت تجف على الدوام، لكن السلفين والأصوليين والأيديولوجيات التي تخنق المنطقة بتكرار الأقوال البالية، سيجدون الراحة الكبيرة في التخلص منه، لأنه مناقش جيد ضد التحجر الذي يراد به عزل البلدان العربية عن العالم، كي توصم مجتمعاتها بالعجز عن النهوض، فتفر العقول الوثابة الشابة للخارج، ويبقى المستكينون ليتكيفوا مع الركود المميت!
لا تربطني أية صلة بالراشد، لكنني حين كنت أقرأ بعض مقالاته في جريدة "الشرق الأوسط" أشعر بأن السعودي عندما يغدو في الخارج يتحرر من شبح كبير اسمه الوهابية المخيمة على الأذهان الضعيفة، ويحيلني هذا إلى بن لادن، فقد عاد إلى السعودية من الدراسة في أمريكا بالبنطلون الجِنز، لكن سرعان ما أظلم عقله وبدأ يتخاطر مع الوهابية، ثم أعلن الجهاد، ولم يفهم أحد سبباً وجيهاً لذلك، إلا أنه آذى العالم، ثم آذى المسلمين، وانقلب ليؤذي السعوديين، رغم أنه تلقى منهم الدعم المالي أكثر من غيرهم!

الأحد، 12 سبتمبر 2010

تيري جونز والتهديد بحرق القرآن!

يبدو أن العيش في الصحراء أو الأدغال يؤديان إلى التخلف الطويل، ولم يحدث أن استثني شعب أو جماعة عن ذلك، والإسلام، الذي نشأ في الصحراء لم يعرف التسامح إلا حين اختلطت القبائل العربية بالحضارات في شرق وشمال الجزيرة العربية، والقرآن في الأصل لم يشر إلى كلمة التسامح، فهو مرة يدعو إلى العفو ويعود في أحيان كثيرة إلى البطش بالأعداء، بيدَ أن القبائل العربية التي اتجهت إلى سوريا وفلسطين، بلاد البيزنطيين واليهود، والشرق حيث امتدت الحضارات السومرية والبابلية حتى بلغت شواطئ البحرين وعُمان، عرفت هناك معنى التسامح والعفو، بينما بقيت الجزيرة العربية على تمسكها العنيد والطويل بتعاليم الإسلام.
وتوجد شعوب وجماعات ليست صحراوية ولا تمت للغابات الحارة بصلة، إلا أن طبيعتها تميل إلى التخلف وترتاح إلى ما فيه من ركود ويقينيات باتة لا يمسها الزمن.
عندما أعلن القس تيري جونز، التي وصفت كنيسته بالصغيرة لا يدخلها غير خمسين عضواً، بأنه ينوي إقامة مراسم لحرق القرآن، هبت جماعات إسلامية منددة ومنذرة، وأحرقت العلم الأمريكي لتبيان موقفها الصاخب، كالعادة، من نية جونز، ورغم أنه تراجع عن الحرق، بيدَ أنه اشترط لذلك تراجع المسلمين عن إقامة مسجد في كراوند زيرو، فلعب على وتر حساس للأمريكيين المعارضين لمشروع المسجد، وهم يقدرون بنسبة 75%، الذين يجدون فيه تحدياً فجاً من المسلمين لمشاعرهم.
لنتلافى أصحاب اللحى الكثة، ممن يسارعون إلى احراق الأعلام، ونحصر المسألة بالأمريكيين وحدهم، مثلاً:
- لماذا يصر المسلمون الأمريكيون على إقامة المسجد، وهو يحمل أكثر من معنى لاستفزاز مشاعر الأغلبية من الأمريكيين، إذ سيقول لهم، مع كل آذان، نحن هنا لتدمير حضارتكم من عقر داركم!
- ماذا ينفع المسلمون الأمريكيون إبقاء جذوة الأحقاد ملتهبة؟
- وهل نهضت في نفسياتهم، وقد عاشوا فترات طويلة في أمريكا، نزعة التخلف الذي يعود بأصوله الأولى إلى الصحراء المغلقة على ذاتها؟
- هل خلت نيويورك من مساجد ضخمة للمسلمين، وضاقت بهم الأرض، فلم يجدوا غير كراوند زيرو، أرض الكارثة، ليقيموا فيها مسجداً لهم؟ إن نيويورك تحتوي على 95 مسجدًا، منها 28 في حي كوينز، و27 في بروكلين، و22 في مانهاتن، و18 مسجدًا في جزيرة ستايتن، فهل يبغي المسلمون إضافة منارة جديدة في الكراوند زيرو، أم إنها خطوة أخرى نحو أسلمة نيويورك؟
يقول محمد مهدي عاكف، المرشد العام السابق للإخوان المسلمين، وهو يشير إلى مكتب الجماعة في مصر: من هذه الغرفة سوف نغزو العالم أجمع إنشاء الله!
إن تيري جونز ليس متعصباً إلا بما تقتضيه الحال، وفي البلدات الأمريكية توجد جوامع لا يؤمها أكثر من عشرين شخصاً، ولعل المتحمسين لإقامة المسجد، إضافة إلى أصحاب المشروع من التجار، وذوي المطامع بالثراء السريع، هم نوع من الرعاع الذي لا يفهمون وضعهم كمواطنين أمريكيين بالدرجة الأولى، ولا يقدرون معنى الاستفزاز لغيرهم، وهم يتصورون أنهم رعايا لدول إسلامية لا حق لأمريكا عليهم، وأن أغلب المتطرفين يلجأون إلى المساجد ليتعلموا فيها الأرهاب، وإن بن لادن فجر طائراته فوق برجي مركز التجارة العالمي باسم الإسلام المتعصب، وهو ما زال يخاطب بأعماله الإجرامية الرعاع وحدهم، فلماذا يصر بقية مسلمي أمريكا على استتفزاز الأكثرية من الأمريكيين، الذين ما زالوا يخشون المسلميين المتعصبين من تدمير حضارتهم!

السبت، 4 سبتمبر 2010

المنَقَبون العرب، وأصحاب الجدائل اليهود، رفضوا السلام!

المفاوضات المباشرة بدأت يوم الأربعاء في واشنطن برعاية أوباما، أفتتحتها وزير الخارجية كلينتون، ثم توالى على الكلام بنيامين نتينياهو بكلمة ذكّر العرب فيها بأنهم أولاد جدّ واحد: "جدنا إبراهيم حين واتته المنية أجتمع حوله ابناه اسحق واسماعيل ليدفنوه في الخليل " يريد القول إننا انحدرنا من جدّ واحد في المنطقة، وإن أمن إسرائيل تعتبر أولوية.
وردّ محمود عباس بأن إيقاف المستوطنات هي المهم بالنسبة للفلسطينيين، وباشر الطرفان جولة من المفاوضات استمرت ثلاث ساعات أعتبرها جورج ميتشيل، المندوب الأمريكي للمنطقة، بأنها بناءة!
باستثناء إيران، لا يوجد من يعارض السلام، لأن فلسطين هي الذريعة الكبرى لمليشاتها (حزب الله) التي أصبحت تقاتل اللبنانيين وتصلي بالنار بيوتهم ودكاكينهم وجوامعهم، وفلسطين التي ملّ شعبها من حكاية "النضال" يرغب في السلام لكي يعمل ويعيش مثل بقية البشر، فينتهي فصل مريع قوامه ستون عاماً، أمضاها في حمل كل راية لطامع يريد الزعامة من داخل المنطقة، أو يسعى للتسلل إليها من خارجها، أما شعوب الدول العربية فقد تخلت، بعد أن اكتشفت أن فلسطين هي لعبة يتعارك حولها العرب والأجانب، من أن تكون ضحية أبدية لهذه المعادلة الكريهة، التي أريد لها أن لا تنتهي، ودفعت المجتمعات العربية ثمناً باهضاً لفلسطين، من دون أن يستفيد الفلسطينيون شيئاً!
إذن، على نتينياهو، الذي وصف باليميني المتشدد، وليس غير المتشددين في إسرائيل من يوقعون على عمليات السلام، عليه أن يعرف ويتصرف على أساس أن المستوطنات، إذا حُفظ الأمن، ليست سوى بناء يمكن هدمه من أجل السلام، وأن الفلسطينيين الذين ظهروا وهم منَقبون ليرفضوا السلام، إنما ينطقون باسم حكومات أخرى لا تريد للاستقرار أن يعم فلسطين لتواصل تدخلها السمج من مسافات بعيدة.
أما عباس، فعليه أن لا يعود إلى التاريخ لضمان حقوق الفلسطينيين، لأن التاريخ لصالح إسرائيل في النهاية، وما كلام نتينياهو إلا لتذكير العرب بأن اليهود والعرب أبناء منطقة واحدة، وأن القصة تقول بأن إسماعيل ذهب إلى الجزيرة العربية بعد الدفن، بينما أسس أبناء اسحق دولتين لليهود (يهودا والسامرة) قبل ولادة المسيح، ولعل أسماء المدن والقرى العبرية شاهد قوي على وجودهم، وليس كما يدعي الخياليون عرب الحاضر، بأن اليهود جاءوا إلى فلسطين من الخارج ليحتلوا أرض العرب، بل العكس هو الصحيح، وحتى كلمة فلطسين وفلسطينيين لا تنطبق على العرب الذين دخلوا إثر الغزو الإسلامي، بل تعود إلى أكثر من ذلك.
وتشير كلمة فلسطين إلى قوم جاءوا من جزيرة كريت اليونانية وأقاموا بضع آلاف من السنين جنوب صور حتى الزاوية السفلى لشرق البحر المتوسط، ثم انقرضوا كما انقرضت بلايين الأحياء من البشر والحيوانات والحشرات والنباتات لأسباب جينية لم تكن معروفة في ذلك الزمان، وكان الإمبراطور الروماني أدريان هو الذي أطلق على تلك الأرض أسم فلسطين (1) وغالبية العرب لا يعرفون أصل هذه الكلمة "فلسطين" لأنها غير موجودة في القرأن ولا في المعاجم اللغوية.
إن الرجلين، محمود عباس ونتينياهو، وهما صادقان في نواياهما وقلقهما حول أمن إسرائيل وحقوق عرب فلسطين، يمكنهما تحقيق السلام العميق، الذي ساد البلد في أواخر القرن الثامن عشر، حين كانت الإمبراطورية العثمانية في حالة يرثى لها من التفكك، بينما كان العرب واليهود يختلطون ويعملون ويتقاسمون نفس المصير في أرض فلسطين، بعيداً عن أنظار العالم وأنفاس الطامعين الكريهة، التي غذت الكراهية والأحقاد بين الشعبين، وقدمت لهم أوهاماً عن أرضين ودولتين في بقعة صغيرة واحدة، لا تستند الى الواقع، ويفندها التاريخ، إلا أنها نجحت في زرع شرخ كبير بينهما.
تلك هي الحصانة الفعلية لأمن إسرائيل من المنَقبين العرب، وحفظ الحقوق للعرب من أصحاب الجدائل اليهود، وكل منهما يعيش في دوامة من الأوهام الخاصة بكل واحد منهما!
إنظر: www.arifalwan.com/article20.htm

الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

هارت، وتقديم النصوص مجاناً على الإنترنت


مايكل هارت مبرمج أمريكي، بدأ حياته مع ظهور الكومبيوتر حين كانت طاقاته محدودة بالنسبة للتحميل والتخزين، أتته فكرة تقديم النصوص المكتوبة مجاناً للقراء، فبدأ مشواره الرائع بمساعدة عدد من زملائه ممن يجيدون تنضيد المواد، ثم ضمها إلى مكتبة إلكترونية أطلق عليها اسم كوتمبرغ، مخترع الطباعة، حتى أصبحت لديه مجموعة بدأت متواضعة، وأصبحت الآن تحتوي 33 ألف نص، معروضة للقراءة، أو الاستماع، أو التحميل والاحتفاظ بالنص.
هذه الخطوة الرفيعة في أغراضها، التي لا يجني منها صاحبها أي أرباح، تضع تحت تصرف القراء كم محترم من أقدم النصوص وأحدثها، حيث يملك حرية الدخول والتحميل على الجهاز الشخصي الإلكتروني والعودة إليها متى يشاء.
هارت أراد إشاعة توزيع الكتب مجاناً بين القراء، يتجمع حوله الآن عدد كبير من المتطوعين لاختيار النصوص التي مضى على وفاة كاتبها 28 سنة، وتنضيدها وتقديمها لمكتبة كوتمبرغ الإلكترونية، أو قراءة النصوص الموجودة بأصواتهم، لتصبح في عداد النصوص المتوفرة. ويدخل للمكتبة أعداد أكبر، أغلبهم من الأكاديميين والنقاد ومحبي الأدب والمطالعة بشكل عام، ليحمّلوا منا ما يشبع اختصاصاهم.
ويدعو هارت الجميع إلى تزويده بالنصوص لضمها إلى المكتبة، أو تسجيل نصوص موجوده بصوتهم، وخلال عشر سنوات أخرى سوف تكبر المكتبة، وهي بالمناسبة تتضمن النصوص باللغات الأخرى مع الإنكليزية، في خطوة رائعة لجمع التراث العلمي والفني والأدبي وكل أنواع الكتابة.
يدعو هارت أيضاً المؤلفين الأحياء، ممن يؤيدون فكرته، لضم نصوصهم إلى المكتبة.
وبعد عشرين سنة، ولن نستبق الزمن فندعو إلى موت الطباعة على الورق في المنطقة العربية، سوف يتطوع عدد من المؤلفين العرب لضم نصوصهم بالنسبة للإبداع الجيد إلى مكتبة كوتمبرغ المجانية، على الأقل ليحتلوا مكاناً بين اللغات في تعميم الثقافة عملياً، وليس في تنضيد أحلام التعميم بعضها فوق بعض، من دون التقدم خطوة واحدة في هذا المجال، ثم وضع اللوم على الآخر للتغطية على العجز!

الاثنين، 23 أغسطس 2010

سيارة تمشي بطاقة الإنسان الذي يؤكبها


دائماً أحب السيارات، وقد كتبت عنها مرات عديدة في أعمالي الأدبية ومنحتها مكانة مميزة، ودائماً أكره الدخان المنبعث منها، حتى أصبحت أعرف رائحة العواصم من غازات العوادم (درجة تصفية البترول الخام) وأتضايق منه!
في 21 أوغست حملت الياهوو خبراً عن الأمريكي شارلس كرينوود، الذي نجح بعد أربعين عاماً في صناعة سيارة يتغذى محركها من الطاقة الجسدية للركاب الأربعة الموجودين داخلها، وهي تسير بسرعة 60 ميلاً (96،50 كيلومتر) لكن إذا قل عدد الركاب عن أربعة قلت الطاقة اللازمة للتشغيل.
اختراع مدهش، يستحق الثناء بجدارة، وعلى كل من يكره غازات السيارات، أو يتنشقها بحبّ، وهذا مستبعد، أن يبارك لكرينوود اختراعه الفذ!
السيارات كانت نعمة حين ظهرت من مصانع فورد للمرة الأولى، كونها وعدتنا بتسهيل قطع المسافات من دون مشقة، وقل اعتماد الخيل والحمير، بيدَ أنها جلبت للمدن الإزعاج، ثم الضجيج والتلوث مع كثرتها وتنامي سرعتها، والموت أيضاً، لأن حوادثها قاتلة، أو معوقة للإنسان، ولن ننسى كلفتها الغالية في الوقت الحاضر!
تشارلس كرينوود في سبيله إلى حذف كل مساوئ السيارة، والإبقاء على منافعها، باستثناء حوادثها، وربما أوجد بداية جيدة للمستقبل حتى يصنع كل واحد سيارته، وسيقتصر الأمر على جهاز يباع في السوبرماركات بأسعار تنافسية تنخفض مع الأيام، وهيكل نصنعه في البيت أو نوصي به أحد المصانع، أما شرط ضرورة وجود الركاب الأربعة داخل السيارة فإن الزمن كفيل بتخفيض العدد ليذهب راكب واحد بسيارته للعمل!
دائماً يقال أن شركات البترول، وهي الآن تسيطر على الحكومات، مثل بريطانيا، وتوجه سياساتها بالرشاوي، كانت تحارب المخترعين، وتمنعهم من تطوير اخباراعاتهم منذ البداية، وأحياناً تغتالهم، وهذا غير صحيح، أو على الأفل ليس كله صحيحاً، إلا أن هذا الكلام تفاقم في الدول العربية على ضوء نظرية المؤامرة، حتى بدت كل السهام موجهة نحو العقل العربي المذهل، ليس في اختراعاته، بل في التآمر على سمعته الوهمية!
المثير للاهتمام أن كرينوود، وحسب ياهوو، تلقى حتى الآن 800 طلب مدفوعة سلفاً عن سيارته، التي تبلغ كلفتها 10 آلاف دولار، وهو مبلغ زهيد إذا ما طرحنا كلفة الوقود الذي تسعره الحكومة البريطانية، من دون حياء، بدولارين للتر، وكلفة الزيت، الذي يغيّر كل سنة أو سنة ونصف.

السبت، 21 أغسطس 2010

عن باكستان، قل الحقيقة كلها، أو اخرسْ



كيف تكتب عن باكستان دون أن يحتك أحد جوانبك بالنفق المكهرب المغمور بالظلام؟
من أين تدخل لتخرج بلا خدوش تقلق صحوك الذي سيشحن بالتأويلات؟
باكستان، الجزء المسلم الذي طرد الهندوس وشيد دولة مستقلة، ما برحت تتعبد للطائفية كغطاء لشرعيتها الدولية، وغطاء لكل أنواع القبلية والعرقية والفساد فيما بعد!
باكستان التي انسلخت عن الهند باسم الديمقراطية، وظلت سعيدة بالدكتاتوريات العسكرية، هي مثل شاحنة مَدروزة بالآيات والتعاويذ، تكدس فوقها عدد يفوق طاقتها، سلموا وجوههم للريح ويقودهم سائق مخمور في طرق جبلية شديدة الوعورة!
لنترك جانباً الطيبين من الباكستانيين، وهم قلة، ونركز على الطبيعة الشاذة لأغلبية 170 مليون ممن يشار إلى باكستان باسمهم، ونبدأ بالحوار الذي دار بين دول الحلفاء في يالطا، عندما قال تشرتشل، مازحاً، :"أريد قطعة صغيرة من الهند!" وسواء وافق الموجودون أم لا، فقد راحت بريطانيا تعمل لسلخ القطعة الصغيرة عن الهند، ونجحت في النهاية في إقامة الوليد الملفق المدعو باكستان!
من الطريف أن تتحدث البي بي سي عن المشاكل الحالية في باكستان، فتقول، بعد ستين عاماً، بأن المجتمع الباكستاني ظل يدور في دوائر مغلقة منذ ذلك التاريخ!
المشاكل الحالية التي تصفها الإذاعة البريطانية هي تلك المتعلقة بالفيضانات، إذ لم يهرع العالم لنجدة باكستان في محنتها، وكيف يهرع، والمتضررون يصرخون طلباً للعون، بينما تستبق الحكومة المحنة وتطالب بمبلغ 12.250 مليار دولار قيمة إعادة بناء ما دمرته الفيضانات! الناس يطالبون بالمعونات العينية، بينما الحكومة تقول نريد نقود (كاش) بدل المعونات الغذائية!
وزير الخارجية الباكستاني أضاف إلى قيمة الدمار، فرفعه إلى 43 مليار دولار، وهدد: إذا فشل المجتمع الدولي في المساعدة، فسوف تتقوض المكاسب التي حققتها بلاده ضد الإرهاب!
هل هناك محنة، أم جشع باكستاني تعلمت الدول التروي إزاءه لكي لا تخدع من جديد؟
الابتزاز صفة ملازمة للحكومات الباكستانية منذ تأسيسها عام 1947، والشعب على استعداد لأن يمد أذيال ثيابه مفروشة لتلقي المعونات، وحتى الآن لا يعرف أحد وجه اليقين حجم ما جرفته المياه من بيوت الطين وأراضي زراعية، وسوف يظهر مسؤول باكستاني قريباً ليزيد الأراضي المغمورة، وبالتالي زيادة التقديرات المالية بضعة مليارات!
العالم سيدير ظهره لما يسمى بالكارثة، لأنه تعلم من سوابق الماضي، بالكوارث أو بدونها، كيف يحرم جيوب الباكستانيين من الامتلاء بأموال دافعي الضرائب في الغرب!
تعود المشكلة إلى الفتوح الإسلامية في القرن السابع، حينما وجد الدين الفاتح ضالته في شعب جبلي يريد البقاء على حاله من التخلف، وعثر السكان على مبادئ قدرية تدعو للكسل والخمول، فاسترخت القبائل قاعدة على خلفياتها، وتعلمت الجشع، والرضا بما يصلها، لأنها وُعدتْ بالجنّة وحماية الإله، ومن هنا تجمعت القبائل على الدين الجديد، ثم أنشأوا بلدهم الذي اختاروا له في أواسط القرن العشرين اسم باكستان، والكلمة تعني الأرض الطاهرة، أو النقية!!
من الغريب أن الجماعات القبلية التي قطنت أراضي الباكستان وأفغانستان حافظوا على تخلفهم المزمن، بينما تخلصت الدول الأخرى، وهي أيضاً مسلمة، مثل كازاخستان، اوزبكستان، وجمهورية منغوليا، من الروح التواكلية، لأن الدكتاتورية السوفيتية أبعدتهم بالقوة عن الدين، وما الكلام عن "النضال" ضد الاستعمار إلا هراء كبير، لأن الباكستاني، وصنوه الأفغاني، ما إن يشب عن الطوق حتى يحمل السلاح ويقعد على أطراف القبيلة ينتظر إي دافع للمال ليقاتل تحت رايته الخفية أو المعلنة، وإذا لم يأت الاستعمار فإنه يقاتل نفسه وأبناء قبيلته وزوجاته المتعددات، ولا يعرف للحياة أية قيمة أخلاقية، فهو على يقين بليد أن الجنّة تنتظره!! وسواء فسر الدين على الوجه المقبول، أو شطّره ولواه حسب أغراضه التي تعود إلى ما قبل الإسلام، فإن الباكستاني مسلم حتى بأسمائه المبالغ في تدينها!
باكستان عرفت الخداع منذ نشأتها على يد حزب الرابطة الإسلامية بزعامة محمد علي جناح، حيث بدأ التلاعب بالوعود، حين أصدر مرسوما بإقالة حكومة إقليم الحدود الشمالية الغربية التي كان يتزعمها حزب المؤتمر، وبدلا من إجراء انتخابات جديدة، عين زعيماً من حزب الرابطة الإسلامية كرئيس وزراء للإقليم مانحا إياه تفويضا لحشد الدعم البرلماني له. أما الإجراء الثاني لجناح فقد أدى إلى تغريب السكان البنغال للجناح الشرقي من البلاد، وأرسى سابقة لحكام باكستان الغربية (باكستان الحالي) لتحييد الأغلبية العددية لباكستان الشرقية عبر إجراءات قانونية خادعة فضلا عن إجراءات أخرى مجحفة أفقدت سكان باكستان الشرقي تأثير الصوت الانتخابي. وفيما بعد قدم المجندون للعمل السياسي واجهة مدنية للحكومات العسكرية، بينما ساهم المتطرفون الدينيون أو العرقيون في زعزعة الحكومات التي تديرها قوى سياسية علمانية وتشتيت انتباهها، فسقطت الديمقراطية التي أرادت بها الأحزاب ستر الوجه القبلي لباكستان!
المسؤولون في باكستان ابتزوا العرب باسم القنبلة النووية الإسلامية، كل العرب جمعوا التبرعات السرية لباكستان لتحميهم من أعدائهم، وحين صنعت باكستان القنبلة النووية خزنتها في مكان ما، ثم أعطت المعادلة النووية لإيران لتصنع القنبلة تهدد بها الدول العربية!
بريطانيا غامرت بتبني باكستان التي أنشأتها، وظلت تزودها بالمعونات المالية باسم الكومنولث لتبتز بها العالم، لكن الباكستانيين يبتزون الإنكليز والعالم، والإنكليز يعرفون، ويسكتون، لأن الأموال التي يدفعونها تظل أقل مما دفعه الأمريكان والسوق الأوربية والبنك الدولي. ويبحث الإنكليز عن منافع تكتيكية لا يعرفها أحد، رغم المتاعب التي يسببه الباكستانيون للشعب البريطاني، من إرهاب، إلى وجودهم الثقيل في إنكلترا، بينما المطلوب أن يكشفوا الخداع الذي تمارسه باكستان مع الدول المانحة، حتى ترتدع من اللعب على النوايا الطيبة!
الآن تقف باكستان على أعتاب محنة لا يعرف أحد حجمها الحقيقي، وتتصاعد أرقام التقديرات الباكستانية، بينما يبتعد العالم عن المناشدات التي تطلقها بريطانيا، لأن للخداع وجه واحد، يزداد بشاعة كلما ازداد غموضاً، فإذا أردت الكتابة عن باكستان وشقيقتها أفغانستان، فعليك أن تلتزم الصراحة والوضوح، لكي لا يقع أحد في مقالب لا تسعى إليها!

الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

ماذا لو قام جهادي تركي بعملية إرهابية في الغرب!

تلعب الهفوات الساذجة للسياسيين دوراً كبيراً في هزّ مقامهم، وينجح ذلك ليظهر في الانتخابات بعد تصور الناس أن الجميع نساها، بيدَ أن الخصوم يجمعون النقاط الصغيرة ليضيفوها إلى الكبيرة في اللحظات الحاسمة!
أما هفوات الأحزاب فتظل عالقة في الأذهان، وخاصة بالنسبة للخط الأيديولوجي للحزب حين يتعرض للإضافات المنهجية، فهو يجذب نحوه أعداداً كبيرة من المؤيدين، ويبعد عنه أعداداً أكبر من المعارضين. ومشكلة الحزب الإسلامي في تركيا أنه ذهب أبعد مما ينبغي في سذاجته السياسة، وخيالاته عن إحياء الخلافة الإسلامية، بعد أن أطاح ببقاياها كمال أتاتورك وأقام الدولة العلمانية، لتكون بديلاً عن التخلف الذي اتسمت به تلك الخلافة، حيث جرّت عليها الكراهية ثم الهزال والتفكك داخل الدول العربية قبل الغرب!
أراد أتاتورك غسل وجه تركيا من مساوئ الماضي ووحشيته، وقد نجح بالفعل، ووقف الشعب التركي إلى جانب حلمه الكبير، وبدأت دول أوربا تنسى احتلال العثمانيين لجزء كبير منها، إذ لم يقترن الجيش العثماني الكبير في عهد الإمبراطورية بموقف متحضر من قضايا العالم، كما حصل لفرنسا نابليون، وإنكلترا كروميل، وبقية دول أوربا الشمالية، بل اتسم بالوحشية ومارس النهب والتدمير، وتناست شعوب أوربا تشييد الجوامع على أنقاض الكنائس، وسرعان ما فتح الأوربيون عواصمهم ومدنهم للمواطن التركي، يدرس ويعمل فيها، بانتظار اليوم الذي تنضم فيه تركيا إلى المشاريع الكبيرة، مثل السوق الأوربية، ثم الاتحاد الأوربي.
وفي غمرة التحول الذي رحب به الأتراك ظهر حزب إسلامي تركي صغير، راح ينبش ويبحث عن النفوس الحالمة، التي ظلت منشدة إلى أوهام الخلافة المندثرة، وبدأ يعزف أمامها أبواق الماضي، الذي لم تعرف عنه إلا القليل، إلى أن كبر الحزب ونجح في الانتخابات ليتولى الحكم باسم "الإسلام العلماني" ومجرد صفة الإسلام تجرّ إلى التخلف والانعزال عن التحضر السائد في العالم. ثم بدأ فصل خطير يلوح فوق رؤوس الأتراك، وهو التنافس مع دولة إيران الإسلامية على خرافاتها اللاهوتية!
لا يبدو أن حزب العدالة والتنمية فهم كوارث الماضي، وحساسيتها بالنسبة للذاكرة الأوربية، ولا فهم الحاضر المعقد، بتحالفاته ومنافعه الآنية، وبدل ذلك اعتمد تياراً سلفياً- أصولياً كريها من قبل أغلب الناس في الشرق الأوسط ليداعب عقليته العائدة إلى الماضي البعيد جداً، من أجل مخاطبته لكسب وده في قضايا ما زالت خلافية، تفتقر إلى الوعي السياسي العميق لحسمها، مثل وجود إسرائيل في المنطقة، وهل تعتمد إقامة الدولة الإسرائيلية الثالثة على دلائل تاريخية تؤكد، أو تنفي، حق اليهود في دولة شريطية صغيرة!
لقد عرضت تركيا الإسلامية على دول الشرق الأوسط أصولية إضافية، وهو الغارق في مشاكله مع الأصوليات، لترفع شعار الخلافة الإسلامية، وزايدت على دول عربية خاضت حروباً وقدمت تضحيات في المشكلة الإسرائيلية، بمجرد إرسال قوارب صدام لفك الحصار عن غزة، وغزة مشكلة عجزت الدبلوماسية المصرية والأردنية والسعودية ومنظمة التحرير عن حلها بسبب تعصب حماس الأصولية، وتجاهلت تركيا تحالفاتها الغربية التي بلغت مرحلة متقدمة قبل حرب العراق 2003.
في قمة الـ20 الأخيرة، قال اوباما لأردوغان إن تركيا فشلت كحليف عندما صوتت في الأمم المتحدة ضد قرار تشديد الحصار على إيران، كما دعا أنقرة إلى تخفيف التوتر مع إسرائيل. كان ذلك بداية لتنبه الغرب إلى حليفه القديم، تركيا!
وقبل يومين فقط، هددت أمريكا بعدم تزويد تركيا بالأسلحة التي طلبتها مؤخراً، لأن بعضها سوف يستخدم ضد الأكراد!!
إذن، ماذا ستربح إسطنبول من أصوليتها المزورة، أو غير المزورة، في حال خسرت الغرب وكسبت صفوف الأصوليين العرب، الذين يتعلقون بأي خداع يقدم لهم!
وهل ستحافظ على نموها الذي بلغ 6.8إذا أدارت أوربا ظهرها لتركيا نتيجة تهديد مدنها بالجهاديين والأصوليين؟ وماذا لو قام جهادي تركي، ولحسابه الخاص، بأول عملية إرهابية في إحدى مدن أوربا أو أمريكا؟
لننتظر ما تأتي به الصدف، ونرَ!

الأحد، 15 أغسطس 2010

التسامح والإرهاب

ينشغل الأمريكان هذه الأيام بمشروع بناء مسجد قرب المكان الذي فجرته طائرتان اختطفهما الإرهابيون، وصدموا بهما برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك.
العمل القبيح الذي أودى بحياة ثلاثة آلاف من الأبرياء جلسوا غافلين، ومنشغلين بوظائفهم، وينتمون إلى كل الأديان، بما في ذلك الإسلام!
بعض الأمريكان، بينهم أولياء وأقرباء الضحايا، خرجوا إلى الـ Ground Zero يحملون لافتات تندد، وترفض إقامة المسجد في المكان الذي يذكرهم، مع بقية الأمريكان، ببشاعة الإسلام وما ينص عليه من تعاليم تدعوا إلى القتل باسم الدين، البعض الآخر كانت شعاراته تدعو إلى التسامح مع المسلمين لعدم وجود ما يربطهم بالعمل ولا بدوافعه، ويطالبون بالتسامح معهم، وبناء المسجد ليكون رمزاً لفكرة جليلة، وعظيمة، تدعو إليها المسيحية، وهي التسامح، فعدا كل الخرافات اللاهوتية التي أحيطت بالدين الجديد أثناء ظهوره، فقد أكدت المسيحية "أدر خدك الأيمن لمن صفعك على خدك الأيسر" أو هكذا. لذلك لاقت المسيحية هوى لدى الغرب، العقل الذي سارع إلى الانفتاح، وكادت المسيحية أن تختفي من منبعها الأصلي الشرق، حيث أكدت اليهودية، وقلدها الإسلام، على العنف مقابل العنف "العين بالعين والسن بالسن"!
يقول المعارضون للبناء إن الصرح إذا ما قام سيذكرنا بأحبائنا الذين قتلوا من دون ذنب، ويؤيد الإسلام قتلهم بتعاليمه، ويرد عليهم المؤيدون أن المنفذين لعملية 11/9 خططوا ونفذوا للقتل هم قلة، ولأهداف غير دينية واضحة، والذين نفذوه قلة أيضاً مغرر بهم، أغروهم بالجنّة، التي لم ولن يشاهدها أحد من الأموات ولا الأحياء، وأن الضحايا وأقربائهم سيختفون من الحياة، ولن يتذكر الحادث من يأتي بعدهم، بينما يحمل الأثر الذي سيقام قيمة إنسانية ما بقيت فكرة التسامح تؤكد نفسها، في خضم قسوة الإنسان ورغباته الهوجاء بالقتل من أجل التحكم بالآخرين، ممن يمثلون الرعاع العاجزين عن وضوح الرؤية في أبسط القضايا!
في الحقيقة أن النقاش بين المؤيدين والمعارضين لإقامة المسجد يحمل دلالات فلسفية عميقة، فالمعروف أن جميع الإرهابيين خرجوا من الجامع، وفيه تعلموا الأفكار التي تشجع على القتل، وسيخرج غيرهم أيضاً، إلى أن تختفي ظاهرة الإرهاب الإسلامي، الذي استند في الجزء الأكبر منه على القرآن، المتناقض في تعاليمه حتى بالنسبة لقتل النفس، والذي يسميه أحد المفكرين العرب "سوبرماركت" تستطيع أن تجد فيه ما تشاء!
نضيف، أن البعض من الجيل الحالي من المسلين الأمريكان، ما زالوا يدينون بالولاء للأوطان التي جاءوا منها، بكل ما يروج فيها من أفكار مسمومة ومحرفة ومغرضة، ولن ينمحي ذكرهم وولاءهم إلا بعد ثلاثة أو أربعة أجيال قادمة.
من الناحية الثانية لعل المؤيدين لإقامة المسجد، سيؤكدون مرة أخرى أن فكرة التسامح ستبقى وإلى فترة طويلة، صالحة، ومقنعة في تغاضيها عن القتل ودوافعه، وليس من الإنصاف دمغ أمّة بأكملها بجريرة فرد شاذ، أو مجموعة مناصرة، لأن بين المسلمين من هم أخيار بطبيعتهم، لا تميل نفوسهم إلى إلحاق الأذى بأحد، بالإضافة إلى أن الأجيال القادمة منهم سيعثرون على طريقة فلسفية ثانية لحياتهم، يغدو الدين خلالها بلا أثر على بناء نفسيتهم، ويغدو أيديولوجية مندثرة مضى عليها الزمن!

الأحد، 8 أغسطس 2010

سوريا طلبت التخلص من الحريري، وحزب الله نفذ، وبدأ الخلاف باغتيال مغنية!!


أمس الأول (6 أوغست) نشرت جريدة الشرق الأوسط تقريراً ذكياً عن تسلسل الأحداث في لبنان منذ اغتيال الرئيس الحريري، وتناولت خلاف حزب الله مع 14 آذار حول المحكمة الدولية، وانزعاج حسن نصر الله من الكلام عن صدور القرار الظني، ومسارعته إلى تحويل التهمة إلى إسرائيل، المشجب الكبير الذي تعلّق عليه التهم!
لكن ما نساه التقرير، الذي كتبه يوسف دياب، أو لم يتسع له الحيز، هو بداية الخلاف بين سوريا وحزب الله حول المحكمة لدى اغتيال مغنية في دمشق (2008). وقتها أقدم حسن نصر، أو كاد، على اتهام سوريا بتفجير سيارة مغنية لطمس الجريمة، لأن مغنية ذراع خفي ومهم في مجال الاغتيالات بالنسبة لحسن نصر الله. لكن رواية أخرى تدعي أن حسن نصر الله وراء الاغتيال، لأن مغنية كان يدعو الإيرانيين إلى إقالة حسن نصر الله من منصبه ليحل محله. ولا يعلم أحد من كان يقف وراء هذه الرواية!!
صحيح أن حسن نصر الله بدأ حياته بالمخابرات الإيرانية ثم ترقى ليتولى الأمانة العامة للحزب، إلا أن مغنية يساوي في أهميته حسن نصر الله بالنسبة للحرس الثوري، فهو الشخص الذي يتحرك في الظلام، ويقوم بإيصال السلاح والمال إلى مناطق النزاعات في دول الشرق الأوسط وأفريقيا، وإيران هي دولة مخابرات بالدرجة الأولى!
كانت زوجة مغنية أول من اتهم سوريا بالاغتيال إذ قالت: "إن السوريين سهلوا قتل زوجي" بعدها أغلق الملف، ولزم حسن نصر الله الصمت بعد نقاش حاد بين إيران ودمشق!!
في الخطاب قبل الأخير 22 يوليو 2010 استغرب حسن نصر الله استبعاد سوريا من اغتيال الحريري، وتحويل التهمة باتجاه حزب الله، وهدد الحكومة وجماعة 14 آذار في حال صدور القرار الظني بإشاعة فتنة كبرى، لكن المحكمة لم تستبعد أحداً، فسوريا وحزب الله كلاهما متهمان بالاغتيال، وحزب الله يريد استباق الأمور بتحذير سوريا من لا جدوى تركيز الأضواء على الحزب، فإذا وقعت في الحفرة سأجر معي الجميع إلى القعر!
بيدَ أن السؤال الآن عن كيفية إخفاء جريمة اغتيال الحريري بعد انكشاف دور حزب الله فيها؟!
لنعد إلى الأحداث التي سبقت 2005 بأشهر قليلة، ونربطها بالحاضر المشحون بالترقب والتهديدات والخوف، ونرَ إن كانت ستزيد معرفتنا بالفاعل والمنفذ!
-في أكتوبر 2004 استقال الحريري بأمل العودة إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية في مايو 2005. وقد انضم إلى المعارضة للوجود السوري في لبنان.
- شنّ رئيس الحكومة آنذاك عمر كرامي هجوماً عنيفاً على المعارضة ودعوتها لخروج الجيش السوري، واتهمها بأنها تريد إدخال لبنان فيما وصفه بالزمن الإسرائيلي. وتركز هجوم كرامي على الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري.
- كانت سوريا ومن وراءها إيران تريد التمديد للرئيس اميل لحود، ووقفت معهما الأحزاب المؤيدة لها في لبنان، وقد عارض الحريري هذا التمديد لعدم قانونيته، ووقف بوجه فكرة تعديل الدستور لتمديد فترة رئاسة لحود ثلاث سنوات إضافية.
- استدعى بشار الأسد الحريري إلى دمشق، وفي نقاش حام لعب فيه الأسد دور الديك المتهور، قال للحريري إنه سيحرق لبنان فوق رؤوس المعارضين إذا لم يجر التمديد للحود.
- بعد أيام من هذه الزيارة، انفجرت شاحنة صغيرة محملة بالمتفجرات في موكب الرئيس الحريري وقتلته مع تسعة أشخاص على الفور، وجلب الانفجار استنكار العالم واستغرابه، وطالب الرئيس الفرنسي شيراك بإجراء تحقيق دولي في الجريمة، وفي نفس 24 آذار 2005 بدأت المحكمة نقل الاختصاص القضائي من السلطة الوطنية إلى جهات دولية عبر آليات الأمم المتحدة.
- نكبت جماعة 14 آذار بهذه الجريمة، وانزعجت الدول العربية مع دول العالم، وكان للرئيس الحريري أصدقاء كبار من بينهم جاك شيراك، وقفوا مذهولين وغير مصدقين لجرأة هذا العمل الإجرامي، وخرجت حشود شعبية تطالب بطرد الجيش السوري من لبنان، وقد خرج مطروداً بالفعل، وبدأ فصل من الاغتيالات للشخصيات الوطنية المعارضة، لكي تصبح جماعة 14 آذار التي فازت بأغلبية واضحة، بدون أكثرية في البرلمان وينتزع منها الحق في التصويت على القرارات المصيرية. لكن في نفس الوقت جدد للرئيس أميل لحود سنتين فوق ولايته المنتهية.
- في 24 آذار، قدم رئيس بعثة تقصي الحقائق في المحكمة الدولية بيتر فيتزجيرالد تقريره إلى الأمين العام للأمم المتحدة قال فيه: "إن أجهزة الأمن اللبنانية والاستخبارات العسكرية السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية في الإغتيال"
- يبدو أن طبيعة مرتكبي الجرائم العادية والسياسية من طبيعة واحدة، فهم يلجأون إلى التهديد بارتكاب العنف مرة أخرى إذا رفعت بوجوههم أصابع الاتهام!
بعد هذا الربط، من يستطيع إنكار الدور السوري والإيراني في الجريمة، ومن الجهة المؤهلة في لبنان للقيام بجريمة محبوكة الخيوط غير حزب الله؟!
لعل حزب الله يمثل أكبر مشكلة في لبنان والمنطقة العربية، وكما نعتناه سابقاً فهو بمثابة ورم سرطاني خبيث في الجسد اللبناني، الذي نزعت فيه جميع أسلحة الميليشيات السابقة وبقي وحده يحتفظ بالسلاح، تصله الصواريخ من إيران عبر سوريا، حتى غدا أكبر وأقوى من الجيش اللبناني الرسمي، بحيث أصبحت الدول العربية عاجزة عن التخلص منه خوفاً من اتهام سوريا لها بالتدخل في الشؤون اللبنانية، وإسرائيل فشلت في صيف 2006 في إنهاء بنيته التحتية وتشريد قياداته كما فعلت مع حركة التحرير الفلسطينية، لأنها اعتمدت على القوة الجوية وحدها في الحرب، ومن جهة ثانية فإن الحزب يحول أي دمار واسع في لبنان إلى نصر إلهي وتعيد إيران وسوريا تسليحه من جديد!
إذن، إذا لم توجه ضربة ساحقة للقوة الإيرانية، وتقطع جذور التمويل من أساسها، سيبقى حزب الله قوة إقليمية تهدد أمن لبنان وأمن المنطقة العربية كلما أرادت إيران أو سوريا ذلك!!

الثلاثاء، 3 أغسطس 2010

لا تقتربوا من الروح المعنوية في سوريا

هشة، ورقيقة مثل قبة من زجاج، تنكسر لأصغر حجر وتنهار فوق الرؤوس، تلك هي الروح المعنوية السورية.
صورة ورقية لا يقترب منها أحد، ولا يمسها مخلوق، وعلى الجميع أن يتعبد لها من بعيد، والمحامي مهند الحسني، رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان نفخ عليها فاهتز النظام كله، وصدر بحقه ثلاث سنوات سجن!
إنها مهزلة، هذه الروح المعنوية في سوريا، لشدة ضعفها يوضع المواطنون في السجون كلما تنفسوا قريباً منها!
لم تشفع للحسني، البالغ 44 عاما، فوزه بجائزة مارتن أنالز التي تحمل اسم أول رئيس لمنظمة العفو الدولية، ولا لكونه رئيسا لمنظمة حقوق الإنسان السورية، ولا لأنه مواطن سوري، الشيء المهم، بالنسبة للنظام، أنه تجرأ على الطلب بإلغاء قوانين الطوارئ التي اعتمدها حزب البعث منذ 1963 حين استولى على السلطة، وبقيت مسلطة على رؤوس المواطنين ما يقارب النصف قرن، تدفع إلى الاعتقال والسجون كل من يتفوه ضدها، فهل توجد في سوريا روح معنوية فعلاً لكي يُدافع عنها؟
يسميها القضاة الروح المعنوية، وآخرون الروح الوطنية، وبعضهم يطلق عليها نفسية الأمّة، والنظام في سوريا يبتز المواطنين باسمها، ويفرض عليهم الصمت لكي لا يشيروا إلى المحتالين واللصوص وجامعي الثروات والدكتاتوريين، وجوهر الموضوع هو في تلك القوانين التي تضع النظام وأتباعه في جانب، والمواطن في جانب آخر، والحصيلة النهائية لا تختلف عن الطريقة التي حكم بها صدام حسين، سوى أن الأمة مسالمة في سوريا تتكلم فقط، وعنيفة في العراق، بَيدَ أن المصير واحد، تضيق دائرة الملتفين والمنافقين حول السلطة إلى أن تغدو وحيدة، يسهل القضاء عليها، حين يصرخ الناس في صوت واحد، كفى استهزاءً بنا، وليأت من يأتي!
وقوانين الطوارئ التي تصون نفسية الأمة منوطة بأرض محتلة منذ أربعين عاماً، الجولان، الذي يقول الناس، للتنكيت، إنه مؤجر لإسرائيل، بينما يدعى النظام أنه قرر استرجاعه، وخلال هذه المدة الطويلة يلعب النظام لعبة خبيثة، يتاجر أفراده ويغتنون ويجمعون المال، وفي ذات الوقت يحافظون على الجولان محتلة، بينما الروح المعنوية مرتفعة، في الأعالي، لا يقترب منها أحد، وكلما طالت فترة الاحتلال، زاد مستوى الروح المعنوية المطلوبة، وهي ترتفع في تناسب طردي مطرد، إلى أن يثمر برتقال الجولان بلحاً!
الاتحاد الأوربي فهم اللعبة، قال على لسان كاترين اشتون مسؤولة العلاقات الخارجية "إن التهمة التي حوكم بموجبها مهند الحسني تنطوي على انتهاك لحقوقه وحرياته الأساسية، بينما يدعي الدستور في سوريا التزامه وحرصه عليها"!
الدساتير في دول الشرق الأوسط تُكتب لتقرأ في وسائل الإعلام، لا لتنفذ، ولا بأس أن تنص على كل أنواع الحقوق المتقدمة والتنويرية، ولا تُستثنى سوريا من ذلك، وحين يشير المواطن إلى واحد من حقوقه يعاقب مرتين، الأولى لأنه اتهم مالك الدستور، أي الدولة، بخرقه، والثانية أنه قرر لوحده متى تنتهي مدة قوانين الطوارئ!
البعد الثالث، والمثير للحزن في حكاية الطوارئ، إن هيثم المالح، الحائز على جائزة "خوزن" لحقوق الإنسان الهولندية، الذي وضع في السجن مع مهند الحسني بتهمة إضعاف الروح المعنوية، قد بلغ الـ 78، وهو العمر الذي يبلغ فيه الإنسان النضج، وجمال الكلمة، وهدوء المشورة، وحكمة العقل، ويعفي نفسه عن رمي الأحجار على قبة الزجاج الرقيق التي تقوم عائلة الأسد بحمايتها من انتقاد الخصوم!

الثلاثاء، 20 يوليو 2010

لماذا يبقى بلير مبعوثاً للجنة الرباعية بعد أن لطخت الشبهات اسمه

تثار من جديد، وهذه المرة بقوة، فضيحة حكومة العمال البريطانية الخاصة بإطلاق سراح عبد الباسط المقرحي قبل انتهاء حكمه، وبذريعة إصابته بالسرطان، حيث ادعت السلطات الاسكتلندية أن المرض لن يمهله أكثر من شهرين.
بلوغ "البعد الثالث" أشار في حينه (1مايو 2010) إلى ملابسات القضية، ونبه إلى أن السجين- الحر ما زال يتمتع بالحياة وبالامتيازات المغدقة عليه!
الجانب الإنساني حاضر وبقوة أيضاً في القضية، فالسجين- الحر معطوب بعلته المزمنة، لكن الضحايا قضوا في الحادث ولن تستعاد حياتهم ولا حريتهم. إن أشلاء 270 من القتلى مدفونة منذ عام 1989، والذي تبقى الآن على قيد الحياة المقراحي من جهة، والفضيحة التي ظلت ترفس ولا تريد الموت!
رئيس الوزراء الأسبق توني بلير يقف على رأس الفضيحة، وهو مثير ملابسات عديدة، تساعده زوجته شيري الباليستر (محامي مدعي العام) ترتب له التلاعب المدروس بالقوانين. لقد بعث بلير بأول رسالة إلى العقيد القذافي، كتبت نصها شركة شل، يهنئه بعيد الثورة ويقترح عليه إبرام صفقة التنقيب عن البترول على سواحل البحر الأبيض مقابل إطلاق سراح المقراحي! ولم ينتبه أحد إلى دور آخر ساهمت فيه شركة النفط البريطانية (BP) أيضاً!
قد يتساءل البعض عن سبب تقاتل رؤساء الأحزاب في الحكومات الديمقراطية على الفوز بالحكومة؟
إن ارتفاع أو انخفاض معدل النمو ونسبة البطالة هما الدليل على نجاح حكومة ما، أما ما يسمى بمصالح الشعب فتترك لحكومات الدول المتخلفة تلهو بها!
كان بلير يبحث منذ الأيام الأولى لتوليه منصب رئيس الوزراء عن مناصب استشارية. هنا يكمن السر الحقيقي في نيل منصب رئيس الوزراء!
تصف الجرائد البريطانية بلير بالجشع، والكذب، والتحايل، وتزييف الحقائق، وإفساد من حوله بالرشا، بيد أنه أيضاً عمل على تحسين الاقتصاد، وساهم في حل مشكلة الكوسوفو، ومشلكة ايرلندا الشمالية، ثم بدأت الانهيارات الكبيرة في سمعته بعد الحرب على العراق.
وتذكر نفس الجرائد أن ثروته بلغت الثلاثين مليون دولار أثناء توليه المنصب وبعده، ولم يكن حسابه البنكي يتضمن إلا على بضعة آلاف من الجنيهات قبل ذلك!
ما يهمنا الآن أن توني بلير الذي تهاوت سمعته، هو ممثل اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، التي تضم كل من الاتحاد الأوربي والاتحاد الروسي والولايات المتحدة والأمم المتحدة، عينه بوش في هذا المنصب في اليوم الثاني لخروجه من الحكومة، وبراتب تقدره الصحف بمليون دولار في السنة، فإذا تركنا المليون جانباً، لماذا ظل بلير في هذا المنصب بعد الفضائح التي علقت باسمه؟ وهل مشكلة الشرق الأوسط تسير بصورة جيدة نحو الحل في عهد بلير، لكي بيقى رجل تصفه جرائد بلده بالمحتال؟
عين الرئيس بوش حليفه في حرب العراق كممثل للجنة الشرق الأوسط، والوظيفة تتضمن التنسيق مع الحكومة الفلسطينية من أجل إعادة تأهيل الاقتصاد وتأمين القدرة للسلطة على تحقيق الأمن بقواتها في المدن الفلسطينية، أي أنها تتعلق بمشتريات وصفقات في الدرجة الأولى، فهل خلت بريطانيا وأوربا من شخصية نزيهة، وذات تاريخ لا تلطخها الشبهات حتى يختار توني بلير لهذه المهمة؟!

الجمعة، 16 يوليو 2010

دبي والفايننشال تايمز: بوابة إعادة التصدير لإيران

نشرت الفايننشال تايمز الإنكليزية تقريرين كبيرين، يتطرق الأول (13/تموز) إلى تطور البرنامج النووي الإيراني الذي بلغ مراحل متقدمة، ويبحث الثاني (14/تموز) في دور إمارة دبي في خرق العقوبات الاقتصادية القديمة والجديدة على إيران. هنا ترجمة لبعض الحقائق والأرقام التي يعتمدها التقرير الثاني:
تعتمد إمارة دبي على الاقتصاد الحر.
تعتبر أكبر مصدر لتمويل الإرهاب في العالم. بعد أحداث 11 سبتمبر حاولت أمريكا التضييق عليها، فنجحت بنسبة ما.
وهي مركز لإعادة الصادرات لأيران.
بلغت إعادة الصادرات 1.8 بليون دولار في عام 2002
ارتفعت عام 2008 إلى 13 بليون دولار.
تمثل صادرات دبي إلى إيران من مجمل صادراتها الكلية % 18
الحرس الثوري هو إمبراطورية مستقلة عن النظام، له أساليبه الخاصة في التحايل والابتزاز والرشوة، أصبح خبيراً في إنشاء الشركات والأعمال الوهمية في دبي لتأمين البضائع من دول الغرب وإعادة تصديرها لإيران.
في الشهر الماضي انخفضت الصادرات بنسبة %8 مع بداية الحصار مقارنة مع العام الماضي.
تعداد سكان دبي 1.8 مليون، يوجد بينهم 100 ألف – 400 ألف من أصل إيراني، يحمل بعضهم جنسية دولة الإمارات.
عام 2003 تم الكشف عن نشاطات شركات عالم الذرة الباكستاني (خان) كانت تعمل على تصدير المواد التي تدخل في صناعة القنبلة النووية لإيران.
سفير دولة الإمارات المتحدة في واشنطن أعلن في مؤتمر صحفي أن بلاده تؤيد عمل عسكري ضد المواقع النووية الإيرانية.
تنأى دولة الإمارات باستمرار عن سياسة دبي لأن لها جزر ثلاثة محتلة من قبل إيران. حين تعرض اقتصاد دبي إلى هزة في العام الحالي، ماطلت دولة الإمارات في سدّ العجز المالي، ثم انتزعت تعهدات بعدم استخدام الأموال في سياسات تسمح للحرس الثوري بغسيل الأموال وتغطية الائتمانات المصرفية لتسهيل إعادة الصادرات لإيران.
لا يمكن ضبط الأحوال الاقتصادية لدبي نتيجة السياسة الحرة المتبعة فيها. وهي سياسات تخلو من أي قدر من الضوابط، ووجود آلاف الإيرانيين فيها.
توجد قوانين اتحادية تلتزم بها دبي، ومن جهة أخرى توجد قوانين محلية تتمتع بها. تستخدم القوانين المحلية لتسهيل تنقل الإيرانيين من دبي إلى العالم، وبعد تشديد قوانين الاتحاد على دبي لجأ الكثير من الإيرانيين إلى الإمارات الصغيرة (الشارقة-رأس الخيمة- البحرين- قطر) حيث يمكنهم فتح الحسابات لصالح الحرس الثوري، وإعادة تصدير البضائع الغربية إلى إيران.
في حالة توجيه ضربة عسكرية غربية إلى المواقع النووية الإيرانية، تخشى دولة الإمارات والسعودية ومصر على الوضع في إمارة دبي، حيث يمثل وجود الإيرانيين حالة شاذة فيها، وللحرس الثوري نفوذ قوي!!
انتهت الترجمة.

الاثنين، 12 يوليو 2010

الحلّ الذي ينهي مشكلة حماس

من يعتقد أن الأكاذيب تنطلي على العالم ولفترة طويلة، فهذا دليل على قصر نظره السياسي، وفي القرن العشرين كان غوبلز أكبر الكذابين على الإطلاق، وأطول فترة لعمر كذبه لا يتجاوز العشر سنوات، ثم تعرى هو وكذبه!
وتعتمد ما تسمى بالقوى الإسلامية المتطرفة على الكذب، بيدً أن كذبها له روح جداً قصيرة، أقصر من عمر الذباب!
حين فازت حماس في الانتخابات، بعد أن صوت لها الفلسطينيون نكاية بفساد السلطة، طلب منها العرب انتهاج سياسة واقعية، بعيداً عن تأثير الدول المتطرفة، لأنها أصبحت معنية بمصير الشعب الفلسطيني كله، وعليها إثبات أهليتها بإدارة الصراع مع إسرائيل على ضوء العوامل الجديدة، والتزاماً بالاتفاقات الدولية وصولاً إلى حل يؤكد حقوقه، إلا أنها أدارت ظهرها لكل العرب، وراحت تنفذ السياسات الإيرانية والسورية، المعزولتين في الأصل عن العرب والعالم، ثم وضعت الحماسيين في جهة وبقية الشعب الفلسطيني في جهة ثانية، وتجاهلت مطالبه الخاصة بالقضاء على الفساد بإقامة صرح جديد للفساد وتربعت على عرشه!
المعروف عن إيران، التي وصفت موسكو ساستها بالغوغائية، أنهم يتعاملون مع الحليف كتابع ومتبوع، وهذا يعود إلى طبيعة نظام أحمدي نجاد، الذي يؤمن بالمهدي وبقوة، وقد تحلّق به الأوهام فيعتبر نفسه "المهدي" الذي ينتظره الشيعة. وحين نشب سوء تقدير للمواقف من البرنامج النووي الإيراني بين موسكو، ثم الصين، وصوتت الدولتان إلى جانب قرار مجلس الأمن الأخير القاضي بالعقوبات، شنّ أحمدي جاد هجوماً عنيفاً على موسكو، ثم سافر إلى الصين ليسمعهم نفس الكلام، لذلك جاء وصف الروس له بالغوغائية.
هذا على مستوى دول كبرى تحتاجها إيران، فكيف تجري الأمور مع جماعة إسلامية صغيرة؟
حماس ثعبان برأسين، الأول يتكئ على طهران، الممول الرئيس لها، حيث تزودها بالسلاح المهرب والأموال، والثاني وقع في أحضان دمشق، التي لا تدفع مليماً واحداً، لكنها تملي على قادة حماس المواقف، وواجبهم أن يطيعوا، والرأسان يلدغان كل من جهته بما يخدم مصالح الدولتين!
ما يزيد من عزلة حماس، إضافة إلى خطها المتشدد في الداخل، أن لإيران مطامع في المنطقة العربية، ولن يناقش غير الساذج في حقيقتها، بينما اتجهت دمشق إلى دفع المسلحين العرب على جبهة لبنان وغزة إلى استفزاز إسرائيل وأبقت على حدودها السورية في صمت القبور، مما أدى إلى انزعاج العرب، ثم الخلاف مع دمشق نتيجة خطها الكلامي المزدوج. ورغم تحسن العلاقات بينها وبين السعودية بسبب تخفيف تدخلها الفج في لبنان، إلا أن بقية العرب ظل ينظر بشك إلى جدوى سياستها ذي الوجهين، بينما هي لا توقف المزايدة على مواقفهم القومية!
مع هذين الاتجاهين اللذين يلعبان برؤوس القادة، تبقى حماس هي الجناح العسكري للإخوان المسلمين المصريين، وتمثل بالنسبة لهم البذرة الأولى للخلافة الإسلامية، التي ينام ويصحو الإخوان على النداء باسمها، وربما لأنهم لا يملكون فكراً جديداً غيرها، وهم بالتالي لا يمكنهم التخلي عن البذرة، والأقرب إلى التضحية بالقضية الفلسطينية نفسها!
الأسبوع الفائت نشب خلاف بين مصر وحماس، سببه المعلن امتناع الدولة المصرية عن السماح لقادة حماس باستخدام معبر رفح للخروج، رغم أن الخارج مغلق بوجه أولئك القادة، وسببه الخفي أن الحكومة المصرية رفضت اقتراحات حماس بتعديل وثيقة المصالحة الوطنية، أما سببه الأعمق أن حماس تريد وضع الوثيقة والتوقيع عليها بيد سوريا، وهذا يعني إشراك إيران، الغائب الحاضر في الأمر، بينما تعرف مصر أن إشراك هذين الشريكين سوف يؤدي إلى عدم التوقيع على الوثيقة والمماطلة حول بقية الشروط!
أثر تصريحات (الزهار) هبت أجهزة حماس للهجوم على الحكومة المصرية، وهي تعلم أن مصر أكثر الدول العربية إخلاصاً لما تبقى من القضية الفلسطينية، التي دفع بها قادة حماس إلى طريق مسدود لا مخرج له!
إذن، ما هي صورة الحل للمشكلة الفلسطينية التي أعلن نتينياهو استعداده للتفاوض حولها؟
هناك سلطة فلسطينية في الضفة، وإمارة إسلامية في غزة، ونتينياهو قد يتحجج بعدم البحث في أمور دولتين فلسطينيتين مقابل إسرائيل وأمنها!
الإمارة رهينة ثلاثة أطراف، كل طرف يريد استخدام القضية لأهدافه الخاصة، والأطراف الثلاثة لا تتفق مع أهداف الطرف الآخر، سوى أنها تقوم على الأوهام والخداع!
يوجد طيف حل، يلوح في الأفق ثم يختفي، بيدً أن نتينياهو قد يقدم عليه مضطراً، لينهي التوترات على حدود إسرائيل الشمالية والجنوبية ليسمح لها بالعيش ضمن أمن تختفي منه التهديدات، يقوم على توجيه ضربة قاصمة لحزب الله في لبنان، والمؤشرات على الأرض تشير إلى ذلك، يتبعها ، أو يسبقها، سحق حماس وقياداتها، وبهذه الطريقة يمكن أن تعيش المنطقة، تبعاً لذلك، في هدوء، بعد اختفاء الإمارة الإسلامية!
هناك خبر واحد وأخير ذكرته اليوم إذاعة بي بي سي العربية، يقول: إن أحد الأشخاص المدعو أبو نافذ ويبلغ من العمر 25 عاماً أقام إمبراطورية مالية تقدر بملايين الدولارات من تهريب السلع إلى قطاع غزة. هذا دليل على أن الفقراء في غزة ازدادوا فقراً في ظل حكومة حماس، بينما ظهرت طبقة جديدة من الأغنياء من ضمنهم أبو نافذ، الذي يدفع الضرائب المجزية لحركة حماس!!