الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

هارت، وتقديم النصوص مجاناً على الإنترنت


مايكل هارت مبرمج أمريكي، بدأ حياته مع ظهور الكومبيوتر حين كانت طاقاته محدودة بالنسبة للتحميل والتخزين، أتته فكرة تقديم النصوص المكتوبة مجاناً للقراء، فبدأ مشواره الرائع بمساعدة عدد من زملائه ممن يجيدون تنضيد المواد، ثم ضمها إلى مكتبة إلكترونية أطلق عليها اسم كوتمبرغ، مخترع الطباعة، حتى أصبحت لديه مجموعة بدأت متواضعة، وأصبحت الآن تحتوي 33 ألف نص، معروضة للقراءة، أو الاستماع، أو التحميل والاحتفاظ بالنص.
هذه الخطوة الرفيعة في أغراضها، التي لا يجني منها صاحبها أي أرباح، تضع تحت تصرف القراء كم محترم من أقدم النصوص وأحدثها، حيث يملك حرية الدخول والتحميل على الجهاز الشخصي الإلكتروني والعودة إليها متى يشاء.
هارت أراد إشاعة توزيع الكتب مجاناً بين القراء، يتجمع حوله الآن عدد كبير من المتطوعين لاختيار النصوص التي مضى على وفاة كاتبها 28 سنة، وتنضيدها وتقديمها لمكتبة كوتمبرغ الإلكترونية، أو قراءة النصوص الموجودة بأصواتهم، لتصبح في عداد النصوص المتوفرة. ويدخل للمكتبة أعداد أكبر، أغلبهم من الأكاديميين والنقاد ومحبي الأدب والمطالعة بشكل عام، ليحمّلوا منا ما يشبع اختصاصاهم.
ويدعو هارت الجميع إلى تزويده بالنصوص لضمها إلى المكتبة، أو تسجيل نصوص موجوده بصوتهم، وخلال عشر سنوات أخرى سوف تكبر المكتبة، وهي بالمناسبة تتضمن النصوص باللغات الأخرى مع الإنكليزية، في خطوة رائعة لجمع التراث العلمي والفني والأدبي وكل أنواع الكتابة.
يدعو هارت أيضاً المؤلفين الأحياء، ممن يؤيدون فكرته، لضم نصوصهم إلى المكتبة.
وبعد عشرين سنة، ولن نستبق الزمن فندعو إلى موت الطباعة على الورق في المنطقة العربية، سوف يتطوع عدد من المؤلفين العرب لضم نصوصهم بالنسبة للإبداع الجيد إلى مكتبة كوتمبرغ المجانية، على الأقل ليحتلوا مكاناً بين اللغات في تعميم الثقافة عملياً، وليس في تنضيد أحلام التعميم بعضها فوق بعض، من دون التقدم خطوة واحدة في هذا المجال، ثم وضع اللوم على الآخر للتغطية على العجز!

الاثنين، 23 أغسطس 2010

سيارة تمشي بطاقة الإنسان الذي يؤكبها


دائماً أحب السيارات، وقد كتبت عنها مرات عديدة في أعمالي الأدبية ومنحتها مكانة مميزة، ودائماً أكره الدخان المنبعث منها، حتى أصبحت أعرف رائحة العواصم من غازات العوادم (درجة تصفية البترول الخام) وأتضايق منه!
في 21 أوغست حملت الياهوو خبراً عن الأمريكي شارلس كرينوود، الذي نجح بعد أربعين عاماً في صناعة سيارة يتغذى محركها من الطاقة الجسدية للركاب الأربعة الموجودين داخلها، وهي تسير بسرعة 60 ميلاً (96،50 كيلومتر) لكن إذا قل عدد الركاب عن أربعة قلت الطاقة اللازمة للتشغيل.
اختراع مدهش، يستحق الثناء بجدارة، وعلى كل من يكره غازات السيارات، أو يتنشقها بحبّ، وهذا مستبعد، أن يبارك لكرينوود اختراعه الفذ!
السيارات كانت نعمة حين ظهرت من مصانع فورد للمرة الأولى، كونها وعدتنا بتسهيل قطع المسافات من دون مشقة، وقل اعتماد الخيل والحمير، بيدَ أنها جلبت للمدن الإزعاج، ثم الضجيج والتلوث مع كثرتها وتنامي سرعتها، والموت أيضاً، لأن حوادثها قاتلة، أو معوقة للإنسان، ولن ننسى كلفتها الغالية في الوقت الحاضر!
تشارلس كرينوود في سبيله إلى حذف كل مساوئ السيارة، والإبقاء على منافعها، باستثناء حوادثها، وربما أوجد بداية جيدة للمستقبل حتى يصنع كل واحد سيارته، وسيقتصر الأمر على جهاز يباع في السوبرماركات بأسعار تنافسية تنخفض مع الأيام، وهيكل نصنعه في البيت أو نوصي به أحد المصانع، أما شرط ضرورة وجود الركاب الأربعة داخل السيارة فإن الزمن كفيل بتخفيض العدد ليذهب راكب واحد بسيارته للعمل!
دائماً يقال أن شركات البترول، وهي الآن تسيطر على الحكومات، مثل بريطانيا، وتوجه سياساتها بالرشاوي، كانت تحارب المخترعين، وتمنعهم من تطوير اخباراعاتهم منذ البداية، وأحياناً تغتالهم، وهذا غير صحيح، أو على الأفل ليس كله صحيحاً، إلا أن هذا الكلام تفاقم في الدول العربية على ضوء نظرية المؤامرة، حتى بدت كل السهام موجهة نحو العقل العربي المذهل، ليس في اختراعاته، بل في التآمر على سمعته الوهمية!
المثير للاهتمام أن كرينوود، وحسب ياهوو، تلقى حتى الآن 800 طلب مدفوعة سلفاً عن سيارته، التي تبلغ كلفتها 10 آلاف دولار، وهو مبلغ زهيد إذا ما طرحنا كلفة الوقود الذي تسعره الحكومة البريطانية، من دون حياء، بدولارين للتر، وكلفة الزيت، الذي يغيّر كل سنة أو سنة ونصف.

السبت، 21 أغسطس 2010

عن باكستان، قل الحقيقة كلها، أو اخرسْ



كيف تكتب عن باكستان دون أن يحتك أحد جوانبك بالنفق المكهرب المغمور بالظلام؟
من أين تدخل لتخرج بلا خدوش تقلق صحوك الذي سيشحن بالتأويلات؟
باكستان، الجزء المسلم الذي طرد الهندوس وشيد دولة مستقلة، ما برحت تتعبد للطائفية كغطاء لشرعيتها الدولية، وغطاء لكل أنواع القبلية والعرقية والفساد فيما بعد!
باكستان التي انسلخت عن الهند باسم الديمقراطية، وظلت سعيدة بالدكتاتوريات العسكرية، هي مثل شاحنة مَدروزة بالآيات والتعاويذ، تكدس فوقها عدد يفوق طاقتها، سلموا وجوههم للريح ويقودهم سائق مخمور في طرق جبلية شديدة الوعورة!
لنترك جانباً الطيبين من الباكستانيين، وهم قلة، ونركز على الطبيعة الشاذة لأغلبية 170 مليون ممن يشار إلى باكستان باسمهم، ونبدأ بالحوار الذي دار بين دول الحلفاء في يالطا، عندما قال تشرتشل، مازحاً، :"أريد قطعة صغيرة من الهند!" وسواء وافق الموجودون أم لا، فقد راحت بريطانيا تعمل لسلخ القطعة الصغيرة عن الهند، ونجحت في النهاية في إقامة الوليد الملفق المدعو باكستان!
من الطريف أن تتحدث البي بي سي عن المشاكل الحالية في باكستان، فتقول، بعد ستين عاماً، بأن المجتمع الباكستاني ظل يدور في دوائر مغلقة منذ ذلك التاريخ!
المشاكل الحالية التي تصفها الإذاعة البريطانية هي تلك المتعلقة بالفيضانات، إذ لم يهرع العالم لنجدة باكستان في محنتها، وكيف يهرع، والمتضررون يصرخون طلباً للعون، بينما تستبق الحكومة المحنة وتطالب بمبلغ 12.250 مليار دولار قيمة إعادة بناء ما دمرته الفيضانات! الناس يطالبون بالمعونات العينية، بينما الحكومة تقول نريد نقود (كاش) بدل المعونات الغذائية!
وزير الخارجية الباكستاني أضاف إلى قيمة الدمار، فرفعه إلى 43 مليار دولار، وهدد: إذا فشل المجتمع الدولي في المساعدة، فسوف تتقوض المكاسب التي حققتها بلاده ضد الإرهاب!
هل هناك محنة، أم جشع باكستاني تعلمت الدول التروي إزاءه لكي لا تخدع من جديد؟
الابتزاز صفة ملازمة للحكومات الباكستانية منذ تأسيسها عام 1947، والشعب على استعداد لأن يمد أذيال ثيابه مفروشة لتلقي المعونات، وحتى الآن لا يعرف أحد وجه اليقين حجم ما جرفته المياه من بيوت الطين وأراضي زراعية، وسوف يظهر مسؤول باكستاني قريباً ليزيد الأراضي المغمورة، وبالتالي زيادة التقديرات المالية بضعة مليارات!
العالم سيدير ظهره لما يسمى بالكارثة، لأنه تعلم من سوابق الماضي، بالكوارث أو بدونها، كيف يحرم جيوب الباكستانيين من الامتلاء بأموال دافعي الضرائب في الغرب!
تعود المشكلة إلى الفتوح الإسلامية في القرن السابع، حينما وجد الدين الفاتح ضالته في شعب جبلي يريد البقاء على حاله من التخلف، وعثر السكان على مبادئ قدرية تدعو للكسل والخمول، فاسترخت القبائل قاعدة على خلفياتها، وتعلمت الجشع، والرضا بما يصلها، لأنها وُعدتْ بالجنّة وحماية الإله، ومن هنا تجمعت القبائل على الدين الجديد، ثم أنشأوا بلدهم الذي اختاروا له في أواسط القرن العشرين اسم باكستان، والكلمة تعني الأرض الطاهرة، أو النقية!!
من الغريب أن الجماعات القبلية التي قطنت أراضي الباكستان وأفغانستان حافظوا على تخلفهم المزمن، بينما تخلصت الدول الأخرى، وهي أيضاً مسلمة، مثل كازاخستان، اوزبكستان، وجمهورية منغوليا، من الروح التواكلية، لأن الدكتاتورية السوفيتية أبعدتهم بالقوة عن الدين، وما الكلام عن "النضال" ضد الاستعمار إلا هراء كبير، لأن الباكستاني، وصنوه الأفغاني، ما إن يشب عن الطوق حتى يحمل السلاح ويقعد على أطراف القبيلة ينتظر إي دافع للمال ليقاتل تحت رايته الخفية أو المعلنة، وإذا لم يأت الاستعمار فإنه يقاتل نفسه وأبناء قبيلته وزوجاته المتعددات، ولا يعرف للحياة أية قيمة أخلاقية، فهو على يقين بليد أن الجنّة تنتظره!! وسواء فسر الدين على الوجه المقبول، أو شطّره ولواه حسب أغراضه التي تعود إلى ما قبل الإسلام، فإن الباكستاني مسلم حتى بأسمائه المبالغ في تدينها!
باكستان عرفت الخداع منذ نشأتها على يد حزب الرابطة الإسلامية بزعامة محمد علي جناح، حيث بدأ التلاعب بالوعود، حين أصدر مرسوما بإقالة حكومة إقليم الحدود الشمالية الغربية التي كان يتزعمها حزب المؤتمر، وبدلا من إجراء انتخابات جديدة، عين زعيماً من حزب الرابطة الإسلامية كرئيس وزراء للإقليم مانحا إياه تفويضا لحشد الدعم البرلماني له. أما الإجراء الثاني لجناح فقد أدى إلى تغريب السكان البنغال للجناح الشرقي من البلاد، وأرسى سابقة لحكام باكستان الغربية (باكستان الحالي) لتحييد الأغلبية العددية لباكستان الشرقية عبر إجراءات قانونية خادعة فضلا عن إجراءات أخرى مجحفة أفقدت سكان باكستان الشرقي تأثير الصوت الانتخابي. وفيما بعد قدم المجندون للعمل السياسي واجهة مدنية للحكومات العسكرية، بينما ساهم المتطرفون الدينيون أو العرقيون في زعزعة الحكومات التي تديرها قوى سياسية علمانية وتشتيت انتباهها، فسقطت الديمقراطية التي أرادت بها الأحزاب ستر الوجه القبلي لباكستان!
المسؤولون في باكستان ابتزوا العرب باسم القنبلة النووية الإسلامية، كل العرب جمعوا التبرعات السرية لباكستان لتحميهم من أعدائهم، وحين صنعت باكستان القنبلة النووية خزنتها في مكان ما، ثم أعطت المعادلة النووية لإيران لتصنع القنبلة تهدد بها الدول العربية!
بريطانيا غامرت بتبني باكستان التي أنشأتها، وظلت تزودها بالمعونات المالية باسم الكومنولث لتبتز بها العالم، لكن الباكستانيين يبتزون الإنكليز والعالم، والإنكليز يعرفون، ويسكتون، لأن الأموال التي يدفعونها تظل أقل مما دفعه الأمريكان والسوق الأوربية والبنك الدولي. ويبحث الإنكليز عن منافع تكتيكية لا يعرفها أحد، رغم المتاعب التي يسببه الباكستانيون للشعب البريطاني، من إرهاب، إلى وجودهم الثقيل في إنكلترا، بينما المطلوب أن يكشفوا الخداع الذي تمارسه باكستان مع الدول المانحة، حتى ترتدع من اللعب على النوايا الطيبة!
الآن تقف باكستان على أعتاب محنة لا يعرف أحد حجمها الحقيقي، وتتصاعد أرقام التقديرات الباكستانية، بينما يبتعد العالم عن المناشدات التي تطلقها بريطانيا، لأن للخداع وجه واحد، يزداد بشاعة كلما ازداد غموضاً، فإذا أردت الكتابة عن باكستان وشقيقتها أفغانستان، فعليك أن تلتزم الصراحة والوضوح، لكي لا يقع أحد في مقالب لا تسعى إليها!

الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

ماذا لو قام جهادي تركي بعملية إرهابية في الغرب!

تلعب الهفوات الساذجة للسياسيين دوراً كبيراً في هزّ مقامهم، وينجح ذلك ليظهر في الانتخابات بعد تصور الناس أن الجميع نساها، بيدَ أن الخصوم يجمعون النقاط الصغيرة ليضيفوها إلى الكبيرة في اللحظات الحاسمة!
أما هفوات الأحزاب فتظل عالقة في الأذهان، وخاصة بالنسبة للخط الأيديولوجي للحزب حين يتعرض للإضافات المنهجية، فهو يجذب نحوه أعداداً كبيرة من المؤيدين، ويبعد عنه أعداداً أكبر من المعارضين. ومشكلة الحزب الإسلامي في تركيا أنه ذهب أبعد مما ينبغي في سذاجته السياسة، وخيالاته عن إحياء الخلافة الإسلامية، بعد أن أطاح ببقاياها كمال أتاتورك وأقام الدولة العلمانية، لتكون بديلاً عن التخلف الذي اتسمت به تلك الخلافة، حيث جرّت عليها الكراهية ثم الهزال والتفكك داخل الدول العربية قبل الغرب!
أراد أتاتورك غسل وجه تركيا من مساوئ الماضي ووحشيته، وقد نجح بالفعل، ووقف الشعب التركي إلى جانب حلمه الكبير، وبدأت دول أوربا تنسى احتلال العثمانيين لجزء كبير منها، إذ لم يقترن الجيش العثماني الكبير في عهد الإمبراطورية بموقف متحضر من قضايا العالم، كما حصل لفرنسا نابليون، وإنكلترا كروميل، وبقية دول أوربا الشمالية، بل اتسم بالوحشية ومارس النهب والتدمير، وتناست شعوب أوربا تشييد الجوامع على أنقاض الكنائس، وسرعان ما فتح الأوربيون عواصمهم ومدنهم للمواطن التركي، يدرس ويعمل فيها، بانتظار اليوم الذي تنضم فيه تركيا إلى المشاريع الكبيرة، مثل السوق الأوربية، ثم الاتحاد الأوربي.
وفي غمرة التحول الذي رحب به الأتراك ظهر حزب إسلامي تركي صغير، راح ينبش ويبحث عن النفوس الحالمة، التي ظلت منشدة إلى أوهام الخلافة المندثرة، وبدأ يعزف أمامها أبواق الماضي، الذي لم تعرف عنه إلا القليل، إلى أن كبر الحزب ونجح في الانتخابات ليتولى الحكم باسم "الإسلام العلماني" ومجرد صفة الإسلام تجرّ إلى التخلف والانعزال عن التحضر السائد في العالم. ثم بدأ فصل خطير يلوح فوق رؤوس الأتراك، وهو التنافس مع دولة إيران الإسلامية على خرافاتها اللاهوتية!
لا يبدو أن حزب العدالة والتنمية فهم كوارث الماضي، وحساسيتها بالنسبة للذاكرة الأوربية، ولا فهم الحاضر المعقد، بتحالفاته ومنافعه الآنية، وبدل ذلك اعتمد تياراً سلفياً- أصولياً كريها من قبل أغلب الناس في الشرق الأوسط ليداعب عقليته العائدة إلى الماضي البعيد جداً، من أجل مخاطبته لكسب وده في قضايا ما زالت خلافية، تفتقر إلى الوعي السياسي العميق لحسمها، مثل وجود إسرائيل في المنطقة، وهل تعتمد إقامة الدولة الإسرائيلية الثالثة على دلائل تاريخية تؤكد، أو تنفي، حق اليهود في دولة شريطية صغيرة!
لقد عرضت تركيا الإسلامية على دول الشرق الأوسط أصولية إضافية، وهو الغارق في مشاكله مع الأصوليات، لترفع شعار الخلافة الإسلامية، وزايدت على دول عربية خاضت حروباً وقدمت تضحيات في المشكلة الإسرائيلية، بمجرد إرسال قوارب صدام لفك الحصار عن غزة، وغزة مشكلة عجزت الدبلوماسية المصرية والأردنية والسعودية ومنظمة التحرير عن حلها بسبب تعصب حماس الأصولية، وتجاهلت تركيا تحالفاتها الغربية التي بلغت مرحلة متقدمة قبل حرب العراق 2003.
في قمة الـ20 الأخيرة، قال اوباما لأردوغان إن تركيا فشلت كحليف عندما صوتت في الأمم المتحدة ضد قرار تشديد الحصار على إيران، كما دعا أنقرة إلى تخفيف التوتر مع إسرائيل. كان ذلك بداية لتنبه الغرب إلى حليفه القديم، تركيا!
وقبل يومين فقط، هددت أمريكا بعدم تزويد تركيا بالأسلحة التي طلبتها مؤخراً، لأن بعضها سوف يستخدم ضد الأكراد!!
إذن، ماذا ستربح إسطنبول من أصوليتها المزورة، أو غير المزورة، في حال خسرت الغرب وكسبت صفوف الأصوليين العرب، الذين يتعلقون بأي خداع يقدم لهم!
وهل ستحافظ على نموها الذي بلغ 6.8إذا أدارت أوربا ظهرها لتركيا نتيجة تهديد مدنها بالجهاديين والأصوليين؟ وماذا لو قام جهادي تركي، ولحسابه الخاص، بأول عملية إرهابية في إحدى مدن أوربا أو أمريكا؟
لننتظر ما تأتي به الصدف، ونرَ!

الأحد، 15 أغسطس 2010

التسامح والإرهاب

ينشغل الأمريكان هذه الأيام بمشروع بناء مسجد قرب المكان الذي فجرته طائرتان اختطفهما الإرهابيون، وصدموا بهما برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك.
العمل القبيح الذي أودى بحياة ثلاثة آلاف من الأبرياء جلسوا غافلين، ومنشغلين بوظائفهم، وينتمون إلى كل الأديان، بما في ذلك الإسلام!
بعض الأمريكان، بينهم أولياء وأقرباء الضحايا، خرجوا إلى الـ Ground Zero يحملون لافتات تندد، وترفض إقامة المسجد في المكان الذي يذكرهم، مع بقية الأمريكان، ببشاعة الإسلام وما ينص عليه من تعاليم تدعوا إلى القتل باسم الدين، البعض الآخر كانت شعاراته تدعو إلى التسامح مع المسلمين لعدم وجود ما يربطهم بالعمل ولا بدوافعه، ويطالبون بالتسامح معهم، وبناء المسجد ليكون رمزاً لفكرة جليلة، وعظيمة، تدعو إليها المسيحية، وهي التسامح، فعدا كل الخرافات اللاهوتية التي أحيطت بالدين الجديد أثناء ظهوره، فقد أكدت المسيحية "أدر خدك الأيمن لمن صفعك على خدك الأيسر" أو هكذا. لذلك لاقت المسيحية هوى لدى الغرب، العقل الذي سارع إلى الانفتاح، وكادت المسيحية أن تختفي من منبعها الأصلي الشرق، حيث أكدت اليهودية، وقلدها الإسلام، على العنف مقابل العنف "العين بالعين والسن بالسن"!
يقول المعارضون للبناء إن الصرح إذا ما قام سيذكرنا بأحبائنا الذين قتلوا من دون ذنب، ويؤيد الإسلام قتلهم بتعاليمه، ويرد عليهم المؤيدون أن المنفذين لعملية 11/9 خططوا ونفذوا للقتل هم قلة، ولأهداف غير دينية واضحة، والذين نفذوه قلة أيضاً مغرر بهم، أغروهم بالجنّة، التي لم ولن يشاهدها أحد من الأموات ولا الأحياء، وأن الضحايا وأقربائهم سيختفون من الحياة، ولن يتذكر الحادث من يأتي بعدهم، بينما يحمل الأثر الذي سيقام قيمة إنسانية ما بقيت فكرة التسامح تؤكد نفسها، في خضم قسوة الإنسان ورغباته الهوجاء بالقتل من أجل التحكم بالآخرين، ممن يمثلون الرعاع العاجزين عن وضوح الرؤية في أبسط القضايا!
في الحقيقة أن النقاش بين المؤيدين والمعارضين لإقامة المسجد يحمل دلالات فلسفية عميقة، فالمعروف أن جميع الإرهابيين خرجوا من الجامع، وفيه تعلموا الأفكار التي تشجع على القتل، وسيخرج غيرهم أيضاً، إلى أن تختفي ظاهرة الإرهاب الإسلامي، الذي استند في الجزء الأكبر منه على القرآن، المتناقض في تعاليمه حتى بالنسبة لقتل النفس، والذي يسميه أحد المفكرين العرب "سوبرماركت" تستطيع أن تجد فيه ما تشاء!
نضيف، أن البعض من الجيل الحالي من المسلين الأمريكان، ما زالوا يدينون بالولاء للأوطان التي جاءوا منها، بكل ما يروج فيها من أفكار مسمومة ومحرفة ومغرضة، ولن ينمحي ذكرهم وولاءهم إلا بعد ثلاثة أو أربعة أجيال قادمة.
من الناحية الثانية لعل المؤيدين لإقامة المسجد، سيؤكدون مرة أخرى أن فكرة التسامح ستبقى وإلى فترة طويلة، صالحة، ومقنعة في تغاضيها عن القتل ودوافعه، وليس من الإنصاف دمغ أمّة بأكملها بجريرة فرد شاذ، أو مجموعة مناصرة، لأن بين المسلمين من هم أخيار بطبيعتهم، لا تميل نفوسهم إلى إلحاق الأذى بأحد، بالإضافة إلى أن الأجيال القادمة منهم سيعثرون على طريقة فلسفية ثانية لحياتهم، يغدو الدين خلالها بلا أثر على بناء نفسيتهم، ويغدو أيديولوجية مندثرة مضى عليها الزمن!

الأحد، 8 أغسطس 2010

سوريا طلبت التخلص من الحريري، وحزب الله نفذ، وبدأ الخلاف باغتيال مغنية!!


أمس الأول (6 أوغست) نشرت جريدة الشرق الأوسط تقريراً ذكياً عن تسلسل الأحداث في لبنان منذ اغتيال الرئيس الحريري، وتناولت خلاف حزب الله مع 14 آذار حول المحكمة الدولية، وانزعاج حسن نصر الله من الكلام عن صدور القرار الظني، ومسارعته إلى تحويل التهمة إلى إسرائيل، المشجب الكبير الذي تعلّق عليه التهم!
لكن ما نساه التقرير، الذي كتبه يوسف دياب، أو لم يتسع له الحيز، هو بداية الخلاف بين سوريا وحزب الله حول المحكمة لدى اغتيال مغنية في دمشق (2008). وقتها أقدم حسن نصر، أو كاد، على اتهام سوريا بتفجير سيارة مغنية لطمس الجريمة، لأن مغنية ذراع خفي ومهم في مجال الاغتيالات بالنسبة لحسن نصر الله. لكن رواية أخرى تدعي أن حسن نصر الله وراء الاغتيال، لأن مغنية كان يدعو الإيرانيين إلى إقالة حسن نصر الله من منصبه ليحل محله. ولا يعلم أحد من كان يقف وراء هذه الرواية!!
صحيح أن حسن نصر الله بدأ حياته بالمخابرات الإيرانية ثم ترقى ليتولى الأمانة العامة للحزب، إلا أن مغنية يساوي في أهميته حسن نصر الله بالنسبة للحرس الثوري، فهو الشخص الذي يتحرك في الظلام، ويقوم بإيصال السلاح والمال إلى مناطق النزاعات في دول الشرق الأوسط وأفريقيا، وإيران هي دولة مخابرات بالدرجة الأولى!
كانت زوجة مغنية أول من اتهم سوريا بالاغتيال إذ قالت: "إن السوريين سهلوا قتل زوجي" بعدها أغلق الملف، ولزم حسن نصر الله الصمت بعد نقاش حاد بين إيران ودمشق!!
في الخطاب قبل الأخير 22 يوليو 2010 استغرب حسن نصر الله استبعاد سوريا من اغتيال الحريري، وتحويل التهمة باتجاه حزب الله، وهدد الحكومة وجماعة 14 آذار في حال صدور القرار الظني بإشاعة فتنة كبرى، لكن المحكمة لم تستبعد أحداً، فسوريا وحزب الله كلاهما متهمان بالاغتيال، وحزب الله يريد استباق الأمور بتحذير سوريا من لا جدوى تركيز الأضواء على الحزب، فإذا وقعت في الحفرة سأجر معي الجميع إلى القعر!
بيدَ أن السؤال الآن عن كيفية إخفاء جريمة اغتيال الحريري بعد انكشاف دور حزب الله فيها؟!
لنعد إلى الأحداث التي سبقت 2005 بأشهر قليلة، ونربطها بالحاضر المشحون بالترقب والتهديدات والخوف، ونرَ إن كانت ستزيد معرفتنا بالفاعل والمنفذ!
-في أكتوبر 2004 استقال الحريري بأمل العودة إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية في مايو 2005. وقد انضم إلى المعارضة للوجود السوري في لبنان.
- شنّ رئيس الحكومة آنذاك عمر كرامي هجوماً عنيفاً على المعارضة ودعوتها لخروج الجيش السوري، واتهمها بأنها تريد إدخال لبنان فيما وصفه بالزمن الإسرائيلي. وتركز هجوم كرامي على الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري.
- كانت سوريا ومن وراءها إيران تريد التمديد للرئيس اميل لحود، ووقفت معهما الأحزاب المؤيدة لها في لبنان، وقد عارض الحريري هذا التمديد لعدم قانونيته، ووقف بوجه فكرة تعديل الدستور لتمديد فترة رئاسة لحود ثلاث سنوات إضافية.
- استدعى بشار الأسد الحريري إلى دمشق، وفي نقاش حام لعب فيه الأسد دور الديك المتهور، قال للحريري إنه سيحرق لبنان فوق رؤوس المعارضين إذا لم يجر التمديد للحود.
- بعد أيام من هذه الزيارة، انفجرت شاحنة صغيرة محملة بالمتفجرات في موكب الرئيس الحريري وقتلته مع تسعة أشخاص على الفور، وجلب الانفجار استنكار العالم واستغرابه، وطالب الرئيس الفرنسي شيراك بإجراء تحقيق دولي في الجريمة، وفي نفس 24 آذار 2005 بدأت المحكمة نقل الاختصاص القضائي من السلطة الوطنية إلى جهات دولية عبر آليات الأمم المتحدة.
- نكبت جماعة 14 آذار بهذه الجريمة، وانزعجت الدول العربية مع دول العالم، وكان للرئيس الحريري أصدقاء كبار من بينهم جاك شيراك، وقفوا مذهولين وغير مصدقين لجرأة هذا العمل الإجرامي، وخرجت حشود شعبية تطالب بطرد الجيش السوري من لبنان، وقد خرج مطروداً بالفعل، وبدأ فصل من الاغتيالات للشخصيات الوطنية المعارضة، لكي تصبح جماعة 14 آذار التي فازت بأغلبية واضحة، بدون أكثرية في البرلمان وينتزع منها الحق في التصويت على القرارات المصيرية. لكن في نفس الوقت جدد للرئيس أميل لحود سنتين فوق ولايته المنتهية.
- في 24 آذار، قدم رئيس بعثة تقصي الحقائق في المحكمة الدولية بيتر فيتزجيرالد تقريره إلى الأمين العام للأمم المتحدة قال فيه: "إن أجهزة الأمن اللبنانية والاستخبارات العسكرية السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية في الإغتيال"
- يبدو أن طبيعة مرتكبي الجرائم العادية والسياسية من طبيعة واحدة، فهم يلجأون إلى التهديد بارتكاب العنف مرة أخرى إذا رفعت بوجوههم أصابع الاتهام!
بعد هذا الربط، من يستطيع إنكار الدور السوري والإيراني في الجريمة، ومن الجهة المؤهلة في لبنان للقيام بجريمة محبوكة الخيوط غير حزب الله؟!
لعل حزب الله يمثل أكبر مشكلة في لبنان والمنطقة العربية، وكما نعتناه سابقاً فهو بمثابة ورم سرطاني خبيث في الجسد اللبناني، الذي نزعت فيه جميع أسلحة الميليشيات السابقة وبقي وحده يحتفظ بالسلاح، تصله الصواريخ من إيران عبر سوريا، حتى غدا أكبر وأقوى من الجيش اللبناني الرسمي، بحيث أصبحت الدول العربية عاجزة عن التخلص منه خوفاً من اتهام سوريا لها بالتدخل في الشؤون اللبنانية، وإسرائيل فشلت في صيف 2006 في إنهاء بنيته التحتية وتشريد قياداته كما فعلت مع حركة التحرير الفلسطينية، لأنها اعتمدت على القوة الجوية وحدها في الحرب، ومن جهة ثانية فإن الحزب يحول أي دمار واسع في لبنان إلى نصر إلهي وتعيد إيران وسوريا تسليحه من جديد!
إذن، إذا لم توجه ضربة ساحقة للقوة الإيرانية، وتقطع جذور التمويل من أساسها، سيبقى حزب الله قوة إقليمية تهدد أمن لبنان وأمن المنطقة العربية كلما أرادت إيران أو سوريا ذلك!!

الثلاثاء، 3 أغسطس 2010

لا تقتربوا من الروح المعنوية في سوريا

هشة، ورقيقة مثل قبة من زجاج، تنكسر لأصغر حجر وتنهار فوق الرؤوس، تلك هي الروح المعنوية السورية.
صورة ورقية لا يقترب منها أحد، ولا يمسها مخلوق، وعلى الجميع أن يتعبد لها من بعيد، والمحامي مهند الحسني، رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان نفخ عليها فاهتز النظام كله، وصدر بحقه ثلاث سنوات سجن!
إنها مهزلة، هذه الروح المعنوية في سوريا، لشدة ضعفها يوضع المواطنون في السجون كلما تنفسوا قريباً منها!
لم تشفع للحسني، البالغ 44 عاما، فوزه بجائزة مارتن أنالز التي تحمل اسم أول رئيس لمنظمة العفو الدولية، ولا لكونه رئيسا لمنظمة حقوق الإنسان السورية، ولا لأنه مواطن سوري، الشيء المهم، بالنسبة للنظام، أنه تجرأ على الطلب بإلغاء قوانين الطوارئ التي اعتمدها حزب البعث منذ 1963 حين استولى على السلطة، وبقيت مسلطة على رؤوس المواطنين ما يقارب النصف قرن، تدفع إلى الاعتقال والسجون كل من يتفوه ضدها، فهل توجد في سوريا روح معنوية فعلاً لكي يُدافع عنها؟
يسميها القضاة الروح المعنوية، وآخرون الروح الوطنية، وبعضهم يطلق عليها نفسية الأمّة، والنظام في سوريا يبتز المواطنين باسمها، ويفرض عليهم الصمت لكي لا يشيروا إلى المحتالين واللصوص وجامعي الثروات والدكتاتوريين، وجوهر الموضوع هو في تلك القوانين التي تضع النظام وأتباعه في جانب، والمواطن في جانب آخر، والحصيلة النهائية لا تختلف عن الطريقة التي حكم بها صدام حسين، سوى أن الأمة مسالمة في سوريا تتكلم فقط، وعنيفة في العراق، بَيدَ أن المصير واحد، تضيق دائرة الملتفين والمنافقين حول السلطة إلى أن تغدو وحيدة، يسهل القضاء عليها، حين يصرخ الناس في صوت واحد، كفى استهزاءً بنا، وليأت من يأتي!
وقوانين الطوارئ التي تصون نفسية الأمة منوطة بأرض محتلة منذ أربعين عاماً، الجولان، الذي يقول الناس، للتنكيت، إنه مؤجر لإسرائيل، بينما يدعى النظام أنه قرر استرجاعه، وخلال هذه المدة الطويلة يلعب النظام لعبة خبيثة، يتاجر أفراده ويغتنون ويجمعون المال، وفي ذات الوقت يحافظون على الجولان محتلة، بينما الروح المعنوية مرتفعة، في الأعالي، لا يقترب منها أحد، وكلما طالت فترة الاحتلال، زاد مستوى الروح المعنوية المطلوبة، وهي ترتفع في تناسب طردي مطرد، إلى أن يثمر برتقال الجولان بلحاً!
الاتحاد الأوربي فهم اللعبة، قال على لسان كاترين اشتون مسؤولة العلاقات الخارجية "إن التهمة التي حوكم بموجبها مهند الحسني تنطوي على انتهاك لحقوقه وحرياته الأساسية، بينما يدعي الدستور في سوريا التزامه وحرصه عليها"!
الدساتير في دول الشرق الأوسط تُكتب لتقرأ في وسائل الإعلام، لا لتنفذ، ولا بأس أن تنص على كل أنواع الحقوق المتقدمة والتنويرية، ولا تُستثنى سوريا من ذلك، وحين يشير المواطن إلى واحد من حقوقه يعاقب مرتين، الأولى لأنه اتهم مالك الدستور، أي الدولة، بخرقه، والثانية أنه قرر لوحده متى تنتهي مدة قوانين الطوارئ!
البعد الثالث، والمثير للحزن في حكاية الطوارئ، إن هيثم المالح، الحائز على جائزة "خوزن" لحقوق الإنسان الهولندية، الذي وضع في السجن مع مهند الحسني بتهمة إضعاف الروح المعنوية، قد بلغ الـ 78، وهو العمر الذي يبلغ فيه الإنسان النضج، وجمال الكلمة، وهدوء المشورة، وحكمة العقل، ويعفي نفسه عن رمي الأحجار على قبة الزجاج الرقيق التي تقوم عائلة الأسد بحمايتها من انتقاد الخصوم!