الثلاثاء، 27 أبريل 2010

ما يشبه السيرة


أن تكون حراً، يعني أن تقف على مسافة من الأحداث وتنظر إليها.
الضمير محرك جيد للالتزام، وبه تضبط قياس الأخلاق، ما لك وما عليك، تحت فحص نبض متوتر، في صعود وهبوط شديدين تجاه ما يحصل.
في السنوات الصعبة التي مرّ بها العراق (وهل هناك أخرى غير صعبة؟) تجنبت الولاءات، وكان الجميع منغمر فيها حتى الجنون. ومنذ عام 1958 شاهدت كثيراً من العنف، لم يجرني إلى فخاخه، ولا الأمل بالخلاص في المضاد منه، فبقيت على الهامش، أنظر بحياد إلى الامتيازات تأتي وتروح، متسلحاً بالصبر العنيد.
أصحو في الرابعة صباحاً، أعد القهوة وبعد رشفتين ثلاث أدخن، ثم تطوف في ذهني أحداث العالم، شريط طويل من الإثارات، يجذبك كل منها إلى دائرة الضوء التي تريد التحليق حوله: حروب، توترات، خلافات، مطامع، قمع، انتهاكات، إهدار حقوق، تحايل، أكاذيب، جوع، تشرد... حيثما تلتفت ستجد موضوعاً تكتب عنه، بكلمات قليلة، ومعاني كثيفة، تصلك إلى الموقف الذي تريد التعبير عنه.
وعندما أذهب إلى الأدب، وبيدي موضوعي، أكون في أفضل حال، فأصوغ شخصياتي، وأرسم لها النهايات، في خط بياني دقيق، يتصاعد حتى النقطة الأخيرة من النزاع، كما تفعل ربات القدر الاثينيات.
القرن العشرون شهد انهيار الفاشية، النازية، البلفشية، الخمير الحمر، ثم حزب البعث في بداية القرن الواحد والعشرين، كلها تقوم على تقديس العقيدة وتأليه الحاكم. البعث في سوريا مآله الانهيار هو الآخر لأنه يضع مصلحة العائلة وثراءها فوق الجميع، ويحيطها بالأحقاد إلى أن يختنق بها.
أما الدين فسيظل ينازع على مدار القرن، وتبقى الكنائس والمآذن في نهايته شواهد على فترة مظلمة استنارت بزيت تخلف العقل!
شجبت تقاليد أهلي، ثم تمردت عليهم وعشت وحدي في سن مبكرة، بعد فترة طويلة قال أحد الشباب أريد العيش مثلك، في الوحدة، أجبت أن الوحدة لا تطاق، يصعب على إنسان يريدها لذاتها ويحتمل قسوتها، إنها وسيلة لخوض معارك الضمير! انصرف الشاب، وكان متزوجاً، وله طفلان، وشعر أن الوحدة نوع مختار من العذاب.
يقال أن اليقين لا يوجد إلا في العلم، أما القناعات فترجحها الشكوك إلى أن يطيح بها تغيّر الحال، والزمن كفيل بإحالة التراب على ما يبدو عصياً منها. السنين بكتريا تقضم ثم تطمس الصروح العاليةّ، وتأثيرها الكاذب على النفس!
الأيديولوجية تكره الحرية، الأيديولوجية الحزبية والدينية، تمقت ما يمت للحرية بصلة، وتعوضان عنها بسرقة شعاراتها الصميمة، مثل الديمقراطية، وحرية التعبير، وحق الإنسان في الحياة، تلصقها بنفسها، وتتسمى بها، لكن عندما تواجه بمناقشة الفرد من داخلها، تخوّنه، تطارده، وتمحوه من الوجود، وتدعي أنه تجاوز الحد المسموح به، والحد المسموح به لا يعدو أن يكون غلاف حديدي تحصّن به معتقداتها الصارمة من الانتقاد، لأن في الانتقاد بداية التفكك!
في الحياة لا يوجد ربح وخسارة حقيقيين، نصارع ونشرب ونأكل ونجوع ثم تنطفئ ومضة النور التي فتحنا عينينا عليها، بلا أثر، ولا أمل مخادع، ويشكر من يأتي بعدنا الصدفة العظيمة التي أعطيت له، ولم نعرف كيف ننعم بها على الوجه الأكمل!

الخميس، 22 أبريل 2010

الخلاف بين أوباما ونتينياهو حول مصير إسرائيل



ليس الخلاف بين أوباما ونتينياهو حول المستوطنات في القدس الشرقية، إنما إيران هي السبب.
في 18 أبريل كشف وزير الدفاع الأمريكي غيتس من أن الإدارة لا تملك خططاً لمواجهة إيران في حال فشلت العقوبات، فجاء هذا التصريح بمثابة السوط الذي ألهب الصراع وحمل نتينياهو على الهجوم على أوباما!
أوباما مخادع، خدع الإسرائيليين حين ادعى أن الإدارة تتكفل بأمر إيران، حرباً أو عقوبات: "أتركوا لنا هذا الأمر ونحن نعد له الخطط" وقبّل نتينياهو على مضض، لكن تصريحات غيتس الأخيرة كشفت للعالم أن الرجل ليس لديه نية للحرب، ويماطل في مسألة العقوبات، وهي ليست رادعة، وتؤجل كل مرة، ويراقب الإسرائيليون الدولة الدينية تطور الصواريخ وتعزز قدرات حزب الله وحماس الصاروخية، وهي لا تكف عن إعداد الإيرانيين لإزالة "هذه الجرثومة" من الوجود، وتستمع الحكومة الإسرائيلية إلى التهديدات وهي تكظم الغيظ، وعندما توجه إيران الضربة، منها مباشرة، أو من حزب الله وسوريا وحماس، سيقول اوباما، في خطاب يعتمد البلاغة والتضليل أنهم جاؤا من الغرب في حين عززنا الدفاعات في الشرق، كما قال عبد الناصر للعرب عام 1967، وتكون الدولة اليهودية دفعت ثمن الاعتماد على دولة أخرى تعهدت بحمايتها، وشلت يديها من أية مبادرة ذاتية!
النقطة التي يحرص عليها اوباما، بعد أن فشلت الكثير من وعوده الانتخابية، تسعى إلى دفع المنطقة العربية إلى اندفاع نووي غير مسبوق، يراكم الأرباح على الخزانة الأمريكية، وبعض دول الغرب التي لا تحبذ التشدد في العقوبات، ولا المواجهة العسكرية!
مقابل تصريحات غيتس، تولت دعاية الرئيس الأمريكي التخفيف من الخواء الذي انطوت عليه، إذا قيل إن الرجل، اوباما، قام بما عليه لحل المشكلة الفلسطينية الذي تعهد للعرب بحلها، ولم تثمر أية نتيجة، إذن اللوم لا يقع عليه، فقد وعد وكان له شرف المحاولة!
أو، إنه ورث حربين، افغانستان والعراق، ولن يكون عليه من السهل فتح جبهة عسكرية ثالثة!
هذان التفسيران تافهان، إذ لماذا يعد على شيء لا يقدر عليه؟ هذا بالنسبة للمشكلة الفلسطينية، والثاني: كيف يعد بالدفاع عن دولة صديقة وهو غير قادر، عسكرياً، على ذلك، وهذا يتعلق بإسرائيل، التي أكدت أنها قادرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية منذ أواخر عهد بوش وبداية عهد اوباما!
في هذه الحالة، تغيب عن الأذهان خطة لانتزاع الأموال من العرب بتحويل إيران إلى شبح للتخويف، وطمأنة إسرائيل على أمنها!
الشخص الذي يخاف القرارات الكبيرة، يلجأ إلى الخداع، والعرب لم يعد يثقون باوباما، لقد جربوه على كل الأصعدة، ولم يعطهم غير الخطابات، وهم، من برعوا في الخطابات، هل يصدقون خطاباً جديداً؟
يصرخ سعود الفيصل، وزير خارجية السعودية "نريد حلاً للمشكلة الإيرانية الآن..." إلا أن حلاً في الأفق لا يبدو للعارفين ببواطن الأمور، لذلك قررت السعودية بناء مفاعل نووي خاص، يكلف في المرحلة الأولى 80 بليون دولار!! واو...
أبو ظبي تبني الآن أربع رياكتر، وقد اتفقت مع كوريا الجنوبية على تولي البناء. البحرين أيضاً اتجهت نحو النووي، ومصر، وقطروالكويت كذلك، إذن سيكون سباقاً محموماً على المنشآت النووية السلمية في بداية الأمر، واوباما كلما حذر من الخطر الإيراني قدم المزيد من مضادات الباتريوت لحماية دول الخليج، وباع، هو وحلفاؤه، المزيد من المفاعلات النووية لتلك الدول لتحمي بها نفسها مستقبلاً!
كيف يجرأ اوباما عن الحديث، في خطبه، عن الأخلاق؟ وهل كانت الأخلاق تحمي الدول من هجوم صاروخي، محمل بالمواد النووية، أو شحنات شديدة الانفجار؟
اسألوا نتينياهو عن سبب غضبه، المحاصر بالأذرع الإيرانية – العربية الصاروخية من الشمال والجنوب!
في النهاية ماذا يريد أوباما؟ رفع مستوى بيع الأسلحة لتحريك السوق الأمريكية، والحطّ من التزامات أمريكا الأخلاقية تجاه حلفائها، لأنه يفهم، من مهنة المحاماة، أن المحامي الجيد هو الذي يدافع عن المجرم والبريء بنفس الحماس، وأن السياسة مثل المحاماة، تعمل بدون أخلاق، وتساوي بين الحليف والخصم في مجال المنفعة!

الثلاثاء، 20 أبريل 2010

الرماد الذي غطى أوربا، وعلاقة الآلهة بالبراكين


"وفي اليوم السادس تراجعت الغمامة البركانية عن سماء أوربا وعاد قسم من الرحلات الجوية إلى التحليق وخف الذعر في قلوب الناس وكانت الإذاعة الأيسلندية ذكرت أن صدعاً بطول ستمائة متر ظهر فوق فوهة البركان وقد زادت من كثافة الغمام وكان امتزاج بخار الماء الناتج عن ذوبان الجليد بالغبار والغازات البركانية الأخرى"
أو...
"وفي اليوم السادس تنفس الأوربيون الصعداء بعد أن انحسر الغبار البركاني عن بريطانيا وايرلندا وبلجيكا وفنلندا ودول أخرى عاشت لأيام في الهلع والخوف من استمرار كثافة الغمام الذي خيم على العواصم والمدن وخشي الناس أن تستمر الثورة لمدة أطول تحوّل صيفهم إلى شتاء قاسي البرودة"
هكذا يكتب المؤرخون عن حادثة بركان أيافيلايكول في أيسلندة لو جرى الأمر قبل ألفين سنة، وغابت الصحافة والتوثيق الحاليين. ثم يأتي الخيال ليراكم صوره عن حجم الدخان المتصاعد، وخوف البشر من ثورة الإله وغضبه، وهكذا، أيضاً، تتكون الأساطير، وتستقي منها الأديان قصصها عن العقاب الذي ينزله الربّ، مهما كان الربّ، سواء من حجر، أو رمز لاهوتي، وتضيف إليه المبالغة والمجاز لتظهر قوة إله كل دين!
وربما يكون فيزوف، أشهر بركان في التاريخ، قام بثورته المدمرة عام 79 ق.م، فطمر مدينة بومبي بالرماد والوحل وأهلكت غازاته السكان لتحول عدد منهم إلى تماثيل جامدة في أوضاع مختلفة، وظل حديث روما ونابولي لأكثر من مائة وثلاثين سنة، وعندما احتل الرومان الشرق نقلوا إلى أهله في سوريا ولبنان وفلسطين قصة هذا البركان بعد أن أضفوا إليها من لدنهم. ويقال إن اسم بركان يرجع إلى الإله "فولكان" إله النار والحدادة عند الرومان، حيث كانوا يعتقدون أن الجبل القائم في خليج نابولي ما هو إلا مدخنة لأتون كبير يوقده هذا الإله.
كان الإله جوبيتر يضرب بالصواعق، ونبتون يهيج الأمواج، ومارس يعربد بحروبه، لذلك وجد كتاب التوراة أمامهم كل أدوات العقاب والسخط الإلهين، يبديه تجاه البشر في حالات غضبه حين ينزعون إلى العصيان. ونقل محمد إلى القرآن هذه الصفات العنيفة، وأضاف إليها من المجاز العربي ليروع السامع من قوة الربّ.
لكن سدوم وعمورة جنوب البحر الميت، كانت الرمز الشاخص لصياغة صورة عن العقاب الإلهي، إذ تعرض سكانهما إلى زلزال أرضي في القرن 19 ق.م، أهلك عدد كبير من أهلها وفرّ الباقون عن المكان، فقالت التوراة: "وتطلع إلى سدوم وعمورة ونحو كل أرض الدائرة ونظر وإذا دخان الأرض يصعد كدخان الأتون"
وقيل أن الله أحرق المدينتين بالنار والكبريت لفساد أهلها وشذوذهم الأخلاقي. لقد عزت التوراة، وتبعها القرآن، العقاب الإلهي إلى إيقاع ابنتا لوط بأبيهما، فسقيتاه خمراً وضاجعتاه لعدم توفر الرجال لخطبتهما، وقد تكون القصة ملفقة، أو أن الناس في القرن التاسع عشر قبل الميلاد كانوا يلجأون إلى مضاجعة الأب لابنته قبل الزواج، ولا دخل للهزات الأرضية بالأمر، والمعروف أن المنطقة تكثر فيها الزلازل، إلا أن التوراة استقت من الحادثة رمزاً للعقاب الإلهي، في وقت لم يكن "يهوه" موضوعاً للعبادة من قبل اليهود، فأضافت الزيت والكبريت للترويع.
وجاء في القرآن: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت" والوصف الأخير للمبالغة اشتهر بها العرب.
لكن عدد من الناس ما زالوا حتى الآن يوردون أجزاء من الآيات يهددون بها المشككين أو الذين يبتعدون عن إطاعة الربّ!

الخميس، 15 أبريل 2010

عثرة براون الجسيمة


كالعادة بدأت الحملة الانتخابية البريطانية بالمزايدات، حتى حزب العمال الذي قشر جلد الفقراء بالضرائب طوال ثلاثة عشر عاماً طرح شعار "مستقبل عادل للجميع" بينما جرت المناقشة بين المحافظين والليبراليين على تجميد 17 بليون جنيه من الضرائب، وانتهاج سياسة تقشف في مصروفات الدولة، وإذا سألت العمال كيف أصبح "العدل" هدفه الآن بعد هذه المدة الطويلة التي قضاها في رفع الأسعار بوتيرة متسارعة، وهدد باستخدام الجيش لقمع إضراب أصحاب الشاحنات الناقلة للبترول والمزارعين، سيجيبك رئيس الوزراء كودون براون، بصف ابتسامة، أننا نسعى للإصلاح! مما يؤكد أن الحزب الذي عصفت به الفضائح ينظر بقلق إلى زيادة حظوظ المحافظين في الفوز بنسبة 37 مقابل 32، وهو الدرس الذي تعلمه براون من الماضي، ويهدد العمال في الانتخابات الجارية!
وأهم المشاكل التي تواجهها الأحزاب البريطانية، بمعزل عن ابتسامة براون المبتسرة، تكمن في الاقتصاد المتهاوي، والضرائب، ومنها تتفرع كل المشاكل الأخرى، وتعود لتصبّ فيها، إذ بلغت أسعار المواد الغذائية أسعاراً قياسية بين دول أوربا، وعندما يسأل أحد وزراء العمال عن الارتفاع، يهرب من الجواب، ويعجز عن تقديم إجابة منطقية، ويتحدث مع مذيعين مشهورين مثل جون سنو في القناة الرابعة، عن المستقبل الذي يلي، إلا أنه يهرب من لبّ السؤال، أي الحاضر المهين!
بالتأكيد توجد عثرة جسيمة، اعترف كوردون براون بالخطأ فيها أمس فقط، وهي الخاصة بالإصرار على حرية القطاع المصرفي، رغم تحذيرات رئيس البنك المركزي له، ثم ربط الاقتصاد البريطاني بالاقتصاد الأمريكي، فقد قال إنه عندما كان وزيراً للخزانة عام 1997 لم يتخذ الخطوات الحاسمة تجاه سياسة البنوك، ليردعها عن التمادي في تراكم الأرباح غير المشروعة وتوزيع قسماً منها على موظفيها الكبار، لقد كان علي أن آخذ المصلحة العامة بنظر الاعتبار، لذلك حين انهار الاقتصاد ودخل مرحلة لا يعرف مداها من الركود، ولا يزال الناس يعانون منها الأمرين، سارع إلى إنقاذ البنوك من الإنهيار بإقراضها مبالغ طائلة، يدفعها المواطن من راتبه، ولا يحق له استردادها إلا على شكل تخفيض في الضرائب تعهد بها الحزب في المستقبل!
وقد لامت كل دول أوربا آنذاك الكارثة التي جرّ براون العالم إليها، لكنا تعافت من الركود في الوقت الحاضر، وما زالت تنظر إلى بريطانيا وحزب العمال بعدم ثقة.
وفي الواقع إن حزب العمال ساهم في خلق هذه الأزمة بسبب عناد قادته، واستخدام التضليل لتبرير الأمر، وفي النهاية أن العالم يمر بأزمة مالية دولية، فماذا تفعل بريطانيا وحدها! هذا غير صحيح، وغير صحيح أيضاً أن براون ارتكب عثرة صغيرة ويعترف بها الآن كما لو كان خطأ في التقدير بين الزوج والزوجة حول مصروفات البيت، لأن براون دافع عن سياسة اقتراض البنوك وإطلاق يدها في جني الأرباح حتى اللحظة الأخيرة، وكان يبرع في الدفاع عن خططه، ويفلسف نظرته، والحزب يروج للجانب "العبقري" فيها طوال عشر سنوات كئيبة، مرّت على الشعب البريطاني، والآن يأتي ، بابتسامة مثلومة، ليقرّ بالخطأ الذي ارتكبه، وكأنه يقول نكتة يعرف أنها بايخة، كلفت البلد حوالي 70 بليون جنيه!

الأحد، 11 أبريل 2010

وفاء سلطان، والوهابية على الجانب الآخر


يقود التطور إلى السؤال التالي: هل تعمل على قضية تشبعها بالتحليل وتراكم عليها التجارب، أم تجلس على بركة هادئة، ترى في وجهها الآسن ما يستحق العبادة والتبجيل؟
لعل الفرق يوجد في الكسل الذي لا يطمح إلى شيء، الكسل الذي يهيمن على المرء ويشلّ تفكيره، فيجد في بضعة أوهام سابقة، محدودة، ما يكفي للحياة، كون تلك الأوهام لا تتسع لإضافة، ولا تتطلب جهداً خلاقاً، بينما العملية الأولى مفتوحة على ثلاث احتمالات، والاحتمالات الثلاث على تسعة أخرى، والتسعة تأخذك إلى واحد وتسعين، وهكذا، في جريان طردي لا ينقطع، ستمر عبره بحقائق جديدة تضاف إلى التطور الحاصل، وتمكنه من الاستمرار.
الدكتورة وفاء سلطان تقول، وتصرخ في ندواتها: حاوروني! ناقشوا رأيي! أريد أن أسمع ما تفرزه قرائحكم رداً على كلامي! ويأتيها الجواب في كل مرة على شكل شتائم، أحياناً بذيئة، تدلل على انحطاط مطلقيها!
الدكتورة وفاء سلطان واحدة من العقول المتفتحة، كسبها الغرب وخسرها العرب، مع آلاف أخرى، هاجرت ولم تفكر في العودة. وعلى الجانب الآخر تقف الوهابية، بدن بشري من دون رأس، وحش لا يرى ولا يسمع غير نداءات قليلة صدرت عن محمد عبد الوهاب (1703-1791) وسميت الوهابية باسمه، وهي تكفر المسلمين، وتدعو إلى حجب النساء عن الأنظار، أو في العصر الحديث تغطية كل جزء من جسمها، وأن لا تسير إلا برفقة وليها، بينما وفاء سلطان امرأة، درست علم النفس، ومارسته، تقف أمام الكاميرات، سافرة الوجه، وتقول إن نبيكم مهوس جنسياً، فناقشوني في ذلك؟
لكن الوهابية لا تلجأ إلى النقاش، وترفض الجدل، لأنهما يكشفان عن تعاليم، مجرد تعاليم قليلة، محصنة بالجهل، عاجزة عن الإجابة على الأسئلة التي تمس العصر، لذلك تحل مشلكتها بالقتل، كحل سهل، ترد به على معارضيها!
الوهابية كحركة سياسية بالدرجة الأولى، ثم دينية، نشأت على يد محمد بن عبد الوهاب في نجد بالسعودية، لجأ إلى مجموعة من تفسيرات ابن تيمية وفسرها على ما تريد نفسه، وأشاعها في منطقة لم تشهد أثراً للحضارة. وافق سعود بن عبد العزيز على التعاون معه في خلافه مع العثمانيين، فأنتج الحلف (الوهابية) وعندما ذهب عبد الوهاب إلى مكة وقتل المسلمين فيها وهدم آثارها ثم أخرج الهاشميين الذين كانوا يتولون شؤون المدينة ويرعون الحج القليل فيها، شعر سعود بن عبد العزيز بالندم على ذلك التحالف، إلا أن المذهب السياسي الديني أصبح أقوى من الندم، فساد أغلب الجزيرة بعد أن تأسست الدولة السعودية، واشتهرت الوهابية بجماعة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التي تراقب تصرفات المجتمع والنساء بشكل خاص، وحين ظهر النفط في السعودية أنفقت بلايين الدولارات لنشر الوهابية في مصر وأفريقيا، ورشت أهم القادة، وعلى أثر ذلك أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين، وبدأت مذاك أكبر نزعة دينية للتطرف عانت منها دولة مصر ولا تزال تعاني!
وإسامة بن لادن، بلحيته غير المشذبة، والسلاح إلى جانبه، هو نسخة ثانية لمحمد بن عبد الوهاب، تشبع من تعاليمه القليلة، وتصدر الإعلام (فضائية الجزيرة بشكل خاص) وأطلق الفتاوى بقتل المسلمين في المذاهب الأخرى، لكن هناك نقطة تتستر عليها المملكة السعودية، وهي تتعلق بالإلحاد الذي ينتشر بسرعة بين الشباب، الإلحاد بكل تصنيفات الإسلام، للتفتح على العالم، حيث تؤكد هذه الظاهرة أن الوهابية ستندثر في أواسط القرن، مثلما اندثرت مئات المذاهب التي قامت على التطرف، وبذلك سيبقى صوت وفاء سلطان الأقوى في أذهان الأجيال، القادرة على التغيير في الحياة الخاملة!
وفاء سلطان:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=210046

الجمعة، 9 أبريل 2010

هل اشترى القطريون الـ CNN ؟


في عصر العولمة، سيطغي الجشع على ما عداه، فيتحول العالم إلى أتون مريع للأرباح الهائلة!
ضمن زحف على شكل قفزات كبيرة، لم يعد امتلاك الملايين يلفت الأنظار، بل أن أصحابها، الملايين، غدو في سباق محموم لتكديس الأموال الطائلة، وتحويلها إلى البلايين، وتركوا الملايين وجمعها إلى الصغار، حتى يصبحوا بدورهم، مع الوقت السريع، ينتمون إلى البلايين، وتنتمي إليهم.
هنا أشياء تدوخ الرأس، لكنها مفهومة للناس، الذين ينتظرون بعيون يملأها المفهوم العصري للجشع، ممن يسعون، أو يتوقعون، ثروة تهبط عليهم من السماء، يبدأون بها الالتحاق بركب الغنى الفاحش!
كنت أبحث عما يجمع بين الرئيس أوباما وعمر البشير، الذي تلطخت يداه بدماء سكان دارفور، في أبشع جرائم الإبادة والتهجير منذ الكوسفو، ولماذا يؤيد رئيس أمريكي، ويتقاسم الأثم مع مطلوب للعدالة الدولية، عندما اكتشفت أن القطريين، وهم عائلة صغيرة واحدة اختنقت بالثراء، ربما ضموا الـ CNN إلى مقتنياتهم!
اللعبة التي يقوم بها القطريون، الدولة، أو شبه الدولة الصغيرة، جعلتهم من صانعي المهارات الإعلامية المنحرفة، تلك التي تبيع قدرتها الإعلامية على الإقناع إلى من يدفع أكثر.
شاهدنا ذلك مع تأسيس الجزيرة باللغة الإنكليزية، وتابعنا كيف التحق أشهر المذيعين الإنكليز بالقناة، بد أن تجردت من تقاليد الإعلام ومهنيته لصالح الدفع الجزيل، مقابل لوي الحقائق بنعومة، حتى تكاد لا تنتبه إليها. إنها عبقرية الصانع الجيد، إلى أن يقعوا في الفخ، لكن، بعد أن تغتني حساباتهم البنكية، فيغدو التحايل مشروعاً، إذ يؤدي إلى إزدهارات متواضعة في الثروة.
بالعودة إلى السودان، تقدر مساحته بمليون كيلو متر مربع، وهي أكبر مساحة في أفريقيا، ورثها عمر البشير من التاريخ العربي القريب، يشجعه ويدعم ما يقوم به من إجحاف ضد سكانه رئيس الجامعة العربية السيد عمر موسى، المؤمن بعمق في الحديث القائل: "انصر أخاك ظالماَ أو مظلوما" وهو الحديث الأكثر عنصرية في الثقافة العربية، التي لم يمسها التغيير منذ عهد محمد حتى الآن!
وإذا كان جنوب السودان قد بقى سائباً، تقطنه أعراق وثنية انخرطت في المسيحية مؤخراً، ويشير السلاطين العثمانيين إلى حدوده بأيديهم ويستغل سكانه في تجارة العبيد، فقد ظل الغرب (دارفور) يحكم من قبل عشرات الملوك الإسلاميين، كثيرو النزاع فيما بينهم، إلى أن ضمهم غوردون باشا إلى ولاية الخرطوم، وهكذا يرث العرب عن الإنكليز ممالك استعمارية واسعة، ويحافظون على الإرث بارتكاب المجازر ضد سكانها.
يبدو أن الرئيس أوباما لا يقرأ ملخصات تاريخية عن الحالة التي يبدي اهتماماً مفاجئاً بها، بل يأخذها براهنيتها، والبشير في نظره، ملك، أو رئيس جمهورية، يدافع عن وحدة وطنه وأرضه، وأوباما لا يحب أن يهتز العالم من حوله، وتتعرض بعض دوله للتفكك، حتى لو جاء الثمن استقراراً أكثر متانة، ينهي حقب مليئة بالدماء والهروب البشري عبر الحدود!
وهو الذي انتقد في إحدى خطبه روزفلت وتشرشل بالتخطيط على زجاجة كونياك لتقسيم العالم، يرعى ذاك التقسيم بوفاء منقطع النظير، ويكشف بالتالي عن زيف نقده لأولئك الزعماء، الذين لا يملك شجاعتهم التي أبدوها في سحق النازية في أوربا، وإجبار الأمبراطوية اليابانية على الانحناء والانسحاب بذل من دول شرق أسيا!
لقد لوحظ في السنة الماضية والحالية تحول الـ CNN في تعاملها مع الدول الإسلامية، فهي لا تكاد تحرج قادة المنطقة، وتهمل عن قصد، لكن ببطء تدريجي ذكي، المثالب ضد دولهم، وتناقش القضايا الإسلامية بما يسمى "الموضوعية" فيلقى الاصوليون برأيهم كاملاً، وبترحيب خفي، إلى أن تحولت إلى شبيه أمريكي بفضائية الجزيرة، فهي رغم أنها لم تطلق بعد كلمة "شهيد" على النشاطات الإرهابية، ولكنك تشعر بالكلمة تتحشرج في خلفية حلق مذيعاتها ومذيعيها.
تقول المسؤولة الأوربية قبل ثلاثة أيام: "ما زال العنف مريعا في بعض مناطق اقليم دارفور التي لا تتمكن المنظمات الانسانية من الوصول اليها. واذا تعذر ايصال المواد الاغاثية يتعذر علينا القيام بعملنا."
وكانت دي كايسير قد عبرت عن خيبة املها بعد ان هدد الرئيس السوداني عمر البشير بطرد المراقبين الدوليين الذين يدعون الى تأجيل الانتخابات، وبقطع اصابعهم والسنتهم.
وقالت المسؤولة: "هذه ليست الطريقة التي يجب ان يعامل بها مراقبون دعوا لأداء عملهم، كما لا تعكس اصول الضيافة العربية."
هذه شهادة لا يدحضها أحد، ولا يلفها الغموض، تجاهلت الـ CNN أمس الأول عندما ناقشت كريستينا أمانبور ما يسمى "مشكلة الانتخابات في السودان، وبدلاً من استدعاء المندوب الأمريكي سكون جراشون لتحرجه بالأسئلة كشاهد على ما يجري، جاءت بسفير الخطوم في واشنطن، الذي أكد من بين أسنانه الأمامية المهدمة، أن الرئيس البشير لم يضايق أحد من الأحزاب، وأنها، الانتخابات، ستجري في موعدها المقرر، في الوقت الذي أعلنت فيه الجبهة الشعبية، بنفس اليوم، مقاطعتها!
يوهم مندوب الرئيس أوباما سكوت جروشن الأمريكيين أن الانتخابات تجري بليونة، وقام بمشاورات مع القادة السياسيين في محاولة لإخراجها من أزمتها، وكان أجرى مباحثات مكثفة مع الأطراف السياسة السودانية، وكانوا يجمعون أن عمر البشير يعبث بالانتخابات بصورة مكشوفة، إلا أن المتحدث باسم الخارجية فيليب كراولي قال بان الولايات المتحدة لا تزال تعتقد بإمكانية إنقاذ الانتخابات والاستفتاء في الجنوب، علماً بأن التوقيع على حق الجنوبيين في الاستفتاء جرى التوقيع عليه قبل أن يفكر عمر البشير بالانتخابات!
كل هذه الحقائق غابت عن ذهن كريستينا أمانبور الذكي فيما يخص الانتخابات السودانية، وليس صدفة أنها غابت!

الاثنين، 5 أبريل 2010

الحفرة التي أنقذ الرئيس أوباما البشير من الوقوع فيها


مدّ الرئيس أوباما حبلاً للرئيس البشير لينقذه من الحفرة أسفل قدميه، وسيضحك الأذكياء طويلاً على هذه الوجبة الغنية بالأفاعي!
سيقول أوباما للممثلين الكبار، والمغنيين، والشخصيات الاعتبارية، وجمعيات حقوق الإنسان، ومؤسسات الرعاية والإنقاذ، وكومبو المدعي العام في قضية دارفور: لقد ذهبتم إلى دارفور، وشاهدتم الفضائع والقتل والحرق واغتصاب النساء، ورافقتم المهجرين في رحيلهم من أكواخهم المحروقة، أما أنا، فسأقتل المأساة وأنقذ الفاعل، ثم أرحل بدوري، وليهلك العالم من بعدي!
سياسة اليد الممدودة، التي استغلها الإيرانيون، والصينيون، والروس، وبشار الأسد وآخرون، وعلى رأسهم شافيز، تطبق الآن في السودان، من خلال المبعوث الأمريكي سكوت جريتشن، الذي جعل كل ناشطي الضمير، يقفون جانباً وينظرون بإحباط إلى ألعاب رئيسهم (العبقري)!
الكثير من الرؤساء الأمريكان نفذوا سياسة اليد الممدودة، لكن ليس بهذا العلن، إنما عبر مفاوضات طويلة النفس، شاقة أحياناً، وأغلبها أسفر عن نتيجة، ثم كشف عن سريتها. إلا أن الرئيس أوباما حول اليد الممدودة إلى هدف بذاته، ولم يعهد الجمهوريون، ولا القسم الأكبر من الديمقراطيين، يداً ممدودة بهذه الرخاوة، والمجانية، لرئيس من قبل!
يقول البيت الأبيض في هذا الصدد إنه يسعى إلى أن تتم الانتخابات بشفافية، وتوضع الامكانيات تحت تصرف جميع الأحزاب، لكن، هل هذا معقول في بلد مثل السودان، ورئيس انكشاري، سريع الغضب، مثل البشير؟
أعد البشير للانتخابات، وعين لجنة خاصة تديرها، وحدد موعداً لها، ثم طلب من السودانيين الاشتراك فيها، وهو يرقص وحده على التلفزيون ووسائل الإعلام المملوكة من قبل الدولة كمرشح، لا تسقط العصا من يده، فهل يعقل أنه يستيقظ بعد واحد وعشرين عاما من الحكم على نزعة ديمقراطية، غريبة، يتخلى فيها عن السلطة لمن ينازعه، ديمقراطياً، عليها؟
يدعي الأمريكيون أن الانتخابات، التي تشبه حفلة زفاف جديدة للبشير، سوف تتيح للجنوبيين فرصة ثمينة للانفصال عن الشمال عبر استفتاء يقام في السنة القامة. على العكس من الإدعاء الأمريكي، سوف يُنقذ البشير من تبعات المحكمة الدولية، ويفوز حزبه، المؤتمر الوطني، في الانتخابات، ثم يستولي على منابع النفط في الجنوب، ليقول للجنوبيين يمكنكم الاستقلال لكن بدون نفط، ويعود الصراع الدموي كسابق عهده، فيسقط أوباما في الحفرة التي انتشل البشير منها! وهذه نتيجة منطقية لمن يلهو بقضية كبيرة، مثل دارفور، التي قضى فيها أكثر من 300 ألف ضحية، واغتصبت النساء، ورحل عن قراهم حوالي مليونين ونصف إلى تشاد، يخلفون وراءهم ذكرى المجزرة، ودخان يتصاعد من أكواخهم المتهاوية كما شاهدناها على شاشات التلفزيون!