على العرب أن يتحالفوا مع إسرائيل ضد إيران

يعبّر موقع ويكليكس عن أعظم تمرد على الإنترنت منذ ظهوره قبل عشرين عاماً، وهو تمرد أخلاقي يكشف جوانب خطيرة من نفاق السياسة الأمريكية، وأمس اعتقلت السلطات البريطانية، التي كانت تمانع في تسليم الأرهابيين إلى حكومات تضررت من أعمالهم، جوليان أسانج بتهمة التحرش الجنسي، التلفيق السياسي لتهمة وهمية، لكن الموقع ظل يسرب آلاف الوثائق، جميعها تكشف النفاق الذي مارسته إدارة أوباما على العالم، والشرق الأوسط، وتمرير سياسات لا تخدم مصالح أمريكا، وتترك العالم يتخبط في مشاكل تتفاقم باستمرار لتبلغ حافة الحروب!
لقد كشفنا من الشهر الأول لانتخابه أن هذا الرجل سياسي فاشل، يقدم خطب رنانة لا يتطرق فيها إلى جوهر المشاكل، إنما يدور حولها بمنطق لا هو بفلسفي ولا واقعي، فيلقى التصفيق من حزبه الذي تورط في ترشيحه للرئاسة، وظهرت نتائج هذا الأداء الكاذب في الانتخابات الأخيرة، حيث اكتسح الجمهوريون مواقع الديمقراطيين وانتزعوا رئاسة مجلس الشيوخ، الذي أدمت رئيسته السابقة (بليسي) يديها في التصفيق لكل ما يقوله أوباما!
وإذا كانت أوربا كتمت غضبها من سياسات أوباما في البلطيق وانعكاس ألاعيب البنوك الأمريكية الكارثي فيها على اقتصاديات أوربا، فإن نصيب الشرق الأوسط كان عدداً هائلاً من التطمينات البعيدة عن الواقع، لرؤوسائه والمسؤولين فيه للكلام بصوت عالٍ تأييداً لأمريكا الصارمة، كما يعتقدون، في تعمقها لحل مشكلة إيران وحزب الله وسوريا والعراق وحماس، بينما ذهبت الإدارة الأمركية إلى أقصى حد من النفاق والكلام بوجهين إزاء تلك المشاكل، وجه يتحدث عن الحزم، وآخر يسمح وعن قصد ساذج في تفاقمها لصالح الدول المتطرفة، التي فهمت حقيقة سياسات أوباما العاجزة، وعملت ضدها في السر والعلن!
الأسبوع الفائت اعترفت وزيرة الخارجية الأمريكية (كلينتون) لإيران بحقها في تخصيب اليورانيوم على أن يخضع برنامجها لمراقبة دولية، ومنحتها مقابل ذلك دور إقليمي في الشرق الأوسط، وهي تعرف أن إيران تخفي مؤوسسات ضخمة للتخصيب عن أعين المراقبين، وهبّ المحللون المحسوبون على الدوائر الأمريكية، ومن بينهم كتاب عرب، ليهللوا لهذا النصر، ويصورونه كأنه حل حاسم لمشكلة إيران مع الغرب، وهو في الواقع نكسة خطيرة، على الأقل بالنسبة للدول العربية التي تقع على خارطة طهران الإقليمية، وهي دول الخليج، العراق، لبنان، فلسطين، وبعض الأماكن التي ستختارها لاحقاً.
هذه المنحة التي وهبتها إدارة أمريكا لإيران هي أخطر ما سيواجه الشرق الأوسط من عبث حرّ في أمنه، سينتهي لا محالة لصالح تمدد نفوذها على رقعة واسعة من المنطقة، قد تكون جمهورية مصر من خلال الإخوان المسلمين أول من تستهدفه إيران، رغم نجاح النظام في ليّ عنقهم في الانتخابات الأخيرة.
في نفس الأسبوع، واستباقاً لموقع ويكليكس، كشفت الإدارة الأمريكية أنها عاجزة عن دفع إسرائيل إلى إيقاف المستوطنات، وهذا كذب أمريكي آخر، لأن نتيناهو، الذي دأب العرب على تسميته "يميني متشدد" وهو ليس أكثر يمينية من العرب أنفسهم، لن يفرط بأمن إسرائيل، وكانت إدارة أوباما قد فهمت هذه الحقيقة منذ البداية، وكذبت على العرب بشأنها، وهي تكشف ما وطنت نفسها عليه منذ سنتين، أي أنها عاجزة عن إيقاف الاستيطان، لأن تقديم نتينياهو لهذه الورقة لن يحل القضية الفلسطينية، ولن يخدم أمن إسرائيل  المهدد من حزب الله في الشمال، وحركة حماس في الجنوب، وإسرائيل تعرف أكثر من الإدارة الأمركية أن السلطة الفلسطينية ضعيفة، وتزداد ضعفاً، وقد ينجح المال الإيراني والضغط السوري يوماً على إزاحتها وسيطرة حماس على الأمور!
إذن، ماذا بقي للدول العربية أن تفعل لحماية نفسها؟
سوف نكرر ما قلناه قبل ثلاث سنين أو أكثر، من أن على العرب أن يضعوا عقولهم في رؤوسهم، ويكفوا عن المكابرة ونسج الأكاذيب، وهي لم تنفعهم في الماضي، كما لن تنفعهم في الوقت الحالي لمواجهة مؤامرة أمريكية إيرانية، ولن تُسمى بأقل من ذلك، لأن سياسات أوباما التخاذلية كانت تُطبخ داخل الإدارة، ويُغطى عليها من قبل شخصيات سيياسية كبيرة كشف موقع ويكليكس أخيراً عن ضلوعها في تهدئة الخواطر العربية، حتى ينتهي الاتفاق مع إيران!
عملياً، يوجد اتفاق عربي ضمني غير معلن يعتبر إسرائيل قادرة على كسر شوكة إيران النووية والعسكرية، وتخفيف الذيول المرتبة على الردود الإيرانية، بما في ذلك ردّ حزب الله.
استراتيجياً، كلما اتسع التحالف في المنطقة ضد إيران، توزعت وخفت نقاط تلك الذيول على دول الخليج. أولاً لأن لهذه الدول أسلحة متطورة ضد الصواريخ. ثانياً ستشمل أية ضربة من قبل إسرائيل قواعد إطلاق الصواريخ الموجهة إلى تلك الدول، والباقي تتكفل بها طواقم الردع الصاروخي التي لديها. أما هياج الشيعة في بعض الدول العربية فإنه لن يتجاوز الهياج بأية حال وسيخمد بسرعة بعد أن يشاهد المهتاجون مصير إيران المحطمة نوويا وعسكرياً.
ولعل الأوان قد آن لكي يترك العرب ترديد الأكاذيب التي خلقوها وصدقوها عن أن إسرائيل تريد التوسع من الفرات إلى النيل مرة، ومن المحيط إلى الخليج مرة أخرى، فإسرائيل منذ 62 عاماً غير قادرة على جذب 5% من يهود العالم إلى أراضيها، وهي تغريهم بالأموال والتسهيلات والوظائف ليعيشوا في رقعتها الصغيرة، بينما إيران ومنذ 20 عاماً تقضم الأراضي العربية شبراً وراء شبر، ولا تتوانى عن تأجيج الشيعة العرب بمدهم بالأموال والسلاح والدعاية الإيديولجية لينشئوا دولاً تنسلخ عن الأصول، وتنضم إلى محور طهران التوسعي الصريح.
وينبغي أن نذكّر، ولست بحاجة إلى الدفاع عن إسرائيل ولا هي بحاجة إلى شهادتي، أنها تستطيع حماية نفسها بأقل الأضرار من الشر الإيراني، وهي أيضاً ليست بحاجة إلى حماية أمريكا، لأن أمريكا ملتزمة تاريخياً بتزويدها بالأسلحة اللازمة وإلى أمد طويل، غير أن العرب، بعد أن خذلتهم الإدارة الحالية ووضعتهم بين أسنان إيران، أصبحوا عراة تماماً ومكشوفين، وبلا إلتزام من قوة كبرى ترد عنهم خطر يهدد أمنهم وسلامة بلدانهم!
منذ سنتين يمنع أوباما تل أبيب من القيام بأي إجراء عسكري ضد إيران ومنشآتها النووية والعسكرية، حتى تنضج فكرة الإدارة لما يسمى بحق طهران في الحصول على أسلحة نووية وبالتالي إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، ويقوم العسكريون الأمريكيون بتهويل ذيول الضربة العسكرية، سواء جاءت بمشاركة أمريكا أو بقدرات إسرائيل وحدها، كما لو أن قوة طهران العسكرية تساوي قوتي أمريكا وإسرائيل مشتركتين، إلى أن قال الخبراء العسكريون إن صواريخ إيران غير دقيقة التصويب!
إحدى الوثائق التي كشفتها ويكليكس تنقل كلاماً لملك البحرين يقول فيه: إن خطر أي ضربة عسكرية من إيران لدول الخليج يقل كثيراً عن نتائج تدخلها في المنطقة العربية ودول الخليج بشكل خاص وعلى المدى القريب والبعيد.
إلا أن هذه المخاوف لم تحرك شعرة واحدة في رأس أوباما المصبوغ بعناية!
ولعل الإدارة كانت تنتظر تزويد كوريا الشمالية لإيران بصواريخ بعيدة المدى حتى تمهد لدعوة العرب إلى التعايش مع طهران، وقبول نفوذها عليهم كأمر لا مفر منه!
وتساوم طهران أمريكا، عندما تنفرد بها في مفاوضات التخصيب، بإن ثروات الخليج والعراق النفطية تبذر على عوائل صغيرة، بينما يحرم منها بقية الناس، ومن حق شعب إيران الكثير العدد الحصول على نسبة، إلى جانب أمريكا ودول الغرب، من تلك الثروات التي تنفق على الترف العائلي، ويصغي أوباما باهتمام إلى هذا الطلب، ويجده معقولاً!