الخميس، 13 مايو 2010
تعاريف عن التراث والتقاليد
التراث كلمة تأخذ بألباب العرب، وتهيمن على عقولهم، وهي في نظر البعض هائمة، مثل سحابة في الأذهان، يمكنك تردديها دون أن تشعر بالحاجة إلى الاطلاع عليها، مثل أن يقال: لنا تراثنا. يكفي أن تتشدق بها لتفحم الآخر.
التقاليد هي أيضاً لعنة العرب، لأنها حاضرة، ومترسخة في حياتهم، يكفي أن تصيح بغضب: هل تريد أن نتخلى عن تقاليدنا؟ حتى يسكت المقابل.
والتقليد هو نسخ لتصرف الأجداد والتشبه بهم، فيتلبس الحاضر شخصية القديم وتفشل في التميّز عنه، وتتكرر، مثل النسخة الأولى، على مدار الزمن، لن يخرج منك نسل جديد إلا في النادر!
التراث في الغرب أصبح هامشياً منذ أكثر من مائتين سنة، لم يتخصص فيه إلا قلة، وأغلبه اتخذ منهج المقارنة، أما في المجتمعات العربية فيدرسه الآلاف، وتعمق فيه آلاف آخرون، واشتقوا مما سبق الاشتقاق منه أصول إضافية، اُضيفت إلى ما سبقها، وأبقوا على روحها الأولى، فزادوها رتابة.
التراث بركة راكدة، انقطعت عن المياه فتراكمت فوقها الحشائش والطحالب وامتلأت مياهها بالديدان، وعفنت، بحيث يصعب التفريق بين أصولها. وقد أضاف العرب إلى تراثهم كم هائل من التفريعات، إذا قشرتها لم يبق منها غير بضعة كتب في التاريخ، هي المصدر الأساسي للمعرفة!
العرب أكثر أمّة كدست الكتابة عن تراثها، وما برحت تلمّع به، وعندما أنصف الدكتور طه حسن ثقافة وشعر الجاهلية، وقال إنهما أنضج مما ظهر بعد الإسلام، هبّ عليه كل العرب، كبّروا، ورددوا كيف يعدل مع الجاهلية التي سبّها القرآن؟
لا توجد جريدة عربية تخلوا من صفحة للتراث، فيها تكرار عقيم لما يسمى بالتراث، وكنت أعرف من يدعو نفسه فنانا يكتب في التراث، يقطع مقدمة الكتب وينشرها بنصها بعد أن يوقع عليها أسمه! إذ أمسى التراث للاعتياش!
الزعماء العرب، بدون استثناء، امتدحوا التراث وبجلوا التقاليد، وزادوا فأضفوا عليها صفة عريقة. بعضهم أعاد نشر التراث وأنفقوا ملايين الدولارات لتلبيسه بالأغلفة الثمينة، وزينوا به المكتبات، ولا أعرف زعيماً تحدث عن التراث والتقاليد كما فعل حسني مبارك، لأنه محاط بآفات تراثية، هم الإخوان المسلمون، الذي رجعوا بشعب مصر القهقرى، ألبسوه أزياء الإيرانيين والمتصوفة والدراويش!
مرة كنا في سهرة حميمة حضرها أحد العاملين في المجمع الثقافي لأبوظبي (تأسس 1981) بدأ يتحدث عن الكتب التراثية التي أعادوا نشرها، ويتباهى أنهم لم يتركوا واحداً إلا ونشروه بزي جديد، فقال أحد الحاضرين، وهو فنان تشكيلي: أريد أن أفهم، أين نحن من التراث الذي تهتمون به؟ كان يقصد، وقد أشكل علينا الفهم أول الأمر، أين نحن في هذا التراث؟
التراث العربي مقدس، بل هو حلية على صدور الأجيال، لا يمسه الزمن من بعيد أو من قريب. إنه مثل بقرة، يمكنك أن تقطع منها أي جزء، تتبله وتسكب عليه الصلصة من إنشائك، شرط ألا تنقده، فتصبح إضافتك مقدسة هي الأخرى، تضاف إلى ما سبقها من تزوير!
التقاليد أيضاً تظهر قوية، عارمة، في فترات المدّ الديني، وتتراجع بزواله، وهي في المجتمعات العربية مثل البكتريا، تكمن بانتظار عوامل جديدة لتنشط، بَيدَ أنها لا تموت، ولقد مرت شعوب كثيرة على تقاليدها، اختارت لحياتها تقاليد جديدة، مختلفة، تلائم العصر وتستجيب لضروراته، لكن تقاليد العرب تظل حيّة، والذين هاجروا من بلدانهم إلى الغرب ليعيشوا فيه، أفلت عدد كبير منهم من التراث والتقاليد وأنتجوا وابتكروا، وقسم ثاني، وهم قلة، حمل التراث والتقاليد معه، وكأنها متاع ثمين، عندئذ انتبهت عواصم ومدن الغرب أن شيئاً غريباً نزل بها، لا ينتمي إلى الشرق ولا للغرب، مثل طيور هيتشكوك السوداء، فبدأت تحاربه لتزيله من طرقها النظيفة!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
في رأيي ان التراث متشابه في معناه لدى جميع الشعوب فهو نتيجة التجربة البشرية والتفاعلات التي عاشتها تلك الشعوب وهو مقدس لكونه حصيلة تجربة انسانية , تقديس التراث لايعني التمسك الاعمى بكل حذافيره بل الانتقاء حسب العصر.
التراث , ولا اقصد فقد التراث العربي في نظري هو لوحة فنية تحكي قصص الماضي.وشيء طبيعي ان تعتز به الشعوب
اما التقاليد , فكلمة تقليد هي الاتباع الاعمى ,فهي من اكبر الآفات التي تكبل الكثير من المجتمعات الشرق اوسطية وليس فقط العربية ولكن بالمقابل الحل هو ليس الرفض الاعمى للتقليد ولكن التعقل واختيار مانراه مناسبا والانفتاح على الشعوب الاخرى بنظرة حيادية متساوية
النقطة التي لااؤيدها هي ان بعض الذين ذهبوا الى الغرب فقط هم من تخلصوا من الاتباع الاعمى للتقاليد , ففي اراضينا الكثير من فهموا المعادلة واستعملوا العقول لكنهم ليس الاغلبية
وهناك الكثير ممن ذهبوا الى الغرب وازدادوا هناك بتمسكهم الاعمى بتقاليد بالية.
العقل المتفتح يمكن ان يتواجد في اي مكان واقول و للاسف بان هناك الآلاف من متفتحي العقول يناضلون للخروج الى محيط اوسع وقد نجح البعض منهم في الوصول , و لكن قوانين الهجرة والسفر التعجيزية التي وضعتها بلدان الغرب نفسها تقف في طريق البعض الآخر بينما هي نفس القوانين تسمح وتسهل للكثير من منغلقي التفكير بالدخول الى بلدان الغرب وتضع امامهم جميع التسهيلات مما سبب مشاكل كثيرة لتلك البلدان.
سمارا
إرسال تعليق