حين يفشل المرء في تطوير نفسه، والتقدم بها إلى الأمام، ينكفئ في رجعة قوية إلى الوراء نتيجة إنفلاش نفسي يُفقد معه التوازن، ويخيل إليه أنه بذل الجهد اللازم، وهذا حال بعض العرب، ممن انغلقوا على ذواتهم، وأغلقوا على أبنائهم، وقالوا إن طريقنا يكمن في الأصول!
الأصول يعني الثبات على جزء من الماضي، الجزء العصي على التغيير، الذي يستدعي الكسل عند نقطة واحدة، ثم يحرمّون الخروج عليها.
في بداية القرن التاسع عشر بدأ العرب يتطورون، ببطء، ويقلدون الجوانب الهامشية من التحضر في الغرب، إلا أن الصحراء بيتت لهم طعنة في الظهر، تمثلت في الوهابية، ثم باكتشاف النفط مدت الوهابية ذراعها إلى مصر، فظهر الأخوان المسلمون، وبنوا فكرتهم عن الأصول على الوهابية، ومن يومها والاثنان يحرمان كل تقدم لا ينبع من الأصول، لكن، لو كانت الأصول تنطوي على تقدم، لما فرض الأخوان المسلمون على نسائهم ارتداء النقاب الذي لم يكن معروفاً في الإسلام!!
أليست هذه الفكرة من ابتكار عقل مظلم، غاطس في الجهل، حكّ الأصول بمبرد حاد، ليخرج منها بشيء جديد، فلم يبتكر غير النقاب ويجعله شعاراً سياسياً له!
لقد كتبت عن تاريخ الإخوان*، ورؤسائهم السبعة، ابتداء بحسن البنا وانتهاء بمحمد مهدي عاكف (الزعيم السابق) ولم يكن أيا منهم قد درس الشريعة الإسلامية، ولا اختص بالتاريخ الإسلامي، وهم يعتبرون من لا ينتمي إلى الإخوان من بقية المسلمين كافراً، يحلّ قتله، لذلك حين نرى بن لادن والظواهري، وكلاهما كان ينتمي للإخوان، يأمر بالتفجير في الأسواق والمساجد وداخل حافلات الركاب، إنما كان يقتل كفاراً على ضوء مبدأ الإخوان!
هذه المقدمة التي لا تتناسب مع حجم المدونة التي اعتادت التركيز، جاءت بمثابة تمهيد للرد على منظمة العفو الدولية، التي انحرفت عن أهدافها الرئيسية، وأصبحت تدافع عما تسميه حقوق الإرهابيين، ثم عن النقاب الذي ترتديه بعض النسوة في أوربا (30 امرأة في بلجيكا وحوالي الـ 2000 في فرنسا) حيث يقطعن الشوارع مثل الوطاويط، يخفين كل جزء من جسدهن بالسواد، وهدفهن الإعلان عن الإسلام بوجهه الإخواني – الوهابي، وكأنه الوجه الوحيد المتبقي في المجتمعات العربية!!
لقد كنا نأمل من السعودية (3 مليون نسمة حينذاك) وقد هبط عليها الثراء، أن تمد يدها لنهضة المجتمعات العربية، وتقدمها، إلا أن الصحراء الجافة التي أيبست فيها العروق، عملت على ترسيخ الجهل بين سكانها، وبثه، تحت طائلة زخم المال، في بقية الدول العربية، متوهمة أن الجدب ذاته يمكن أن يبعث نبياً ثانياً للعرب، ومن حلفاء آل سعود هذه المرة، متمثلاً في محمد بن عبد الوهاب!
ولعل منظمة العفو الدولية، التي كانت تهتم بتفاصيل حرية التعبير، وحقوق الإنسان، غدت معنية بحقوق الإرهابيين في محاكمات مدنية، وحرية الأديان في التعبير عن وجوهها الاستعراضية المتخلفة في دول أوربا! وهي لا تعلم، ولم تسمع حتى، بأن المرأة في مصر لم تكن تعرف النقاب إلا مع ظهور الإخوان المسلمين عام 1928، وكانت الفلاحات ونساء الفقراء في المدن والأرياف يربطن شعورهن بالمناديل، وإن المنطقة العربية عانت من أعمال الإرهاب الوحشية، بحيث أصبحت الأحزاب تلجأ الآن إلى التفجيرات لتأكيد وجودها السياسي!
لن نتطرق إلى الرواتب الضخمة التي يتقاضاها موظفو العفو الدولية على المهمة التي يقومون بها، لكن إذا لم تسارع أوربا إلى سن القوانين البرلمانية الأخيرة، لاستفحلت ظاهرة النقاب وامتلأت شوارعها بالنساء المنقبات، التي يشكلن مظهراً شاذاً في العواصم والمدن.
تقول منظمة العفو الدولية، على لسان خبير شؤون التمييز في أوربا السيد جون دالهوسن إن "حظر ارتداء الملابس التي تغطي الوجه حظراً تاماً ينتهك حقوق التعبير والمعتقد للنساء اللواتي يرتدين الحجاب والبرقع بوصف تعبيراً عن هويتهن ومعتقداتهن" ونحن نتساءل أهي ردّة في أوربا تتبناها المنظمة للسخرية من تحرر المرأة! وكيف تحصي فرنسا، مثلاً، ألفين امرأة يحملن وجها واحداً ملطوش بالسواد؟ أتسجلهن الحكومة كامرأة واحدة، أم تخصص الـ DNA لتحديد هوية هؤلاء النسوة دون أن تكشف عن وجوههن؟
وهل النقاب مانفستو سياسي تعبر به المنقبات عن هويتهن ومعتقداتهن؟
لقد عبرت بعض شعوب أوربا عن رأيها بحرية في النقاب، وجاء لصالح تقدم المجتمعات العربية، وعلى السيد جون دالهوسن أن يقرأ أصول الديمقراطية قبل أن يقول رأيه الغريب!
إن نقاب المرأة، في أكثر صوره إضحاكاً، هو إمحاء لهذا المخلوق منذ سن العاشرة إلى يوم الوفاة، وكبت لحقوقها الأخرى يستمتع بها الرجل المتخلف وحده، ويعتبر الزوجة مجرد مهبل للمضاجعة وبطن للولادة!
______________
http://arifalwan.com/study01.htm*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق