لو كان باراك اوباما رئيساً للكونغو، أو توغو، وحتى السودان، لغضضنا الطرف عنه، بل تركناه ينعم بالنوم! لكن أوباما رئيس الولايات المتحدة، حاز على أصوات الأمريكيين بانتقاده اللاذع لسياسات إدارة بوش، وتوجد مشاكل في العالم بقيت من دون حل، لذلك يتوجب إرسال الإشارات القوية عندما يغلبه النعاس
لعل أكثر المشاكل تعقيداً التي تخلى عنها اوباما وانشغل بخطبه الطويلة هي المتعلقة بالشرق الأوسط، الذي باع الكلام لشعوبه، تدعمه، وتنافسه على الكلام، وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون، وينضم إليها أخيراً نائبه بايدن، بفكر تكتيكي لم يجرب بعد مرور أكثر من سنة
قد يحق لأوباما الاعتزاز بتمرير قرار الرعاية الصحية في مجلس النواب، ويصفه في نشوة الخطب بإنه من "الأمور العظيمة"، بيد أنه يتجاهل انقسام الشعب الأمريكي حوله (55% ضد القرار) إذ سنشهد في الأيام القادمة إنحساراً "عظيماً" في شعبية أوباما، وفقدان المزيد من الولايات لصالح الجمهوريين في الانتخابات القادمة!
تقول اولبرايت في مذكراتها 2003: "ان الولايات المتحدة إذ لم تخطئ في كل شيء في غزوها للعراق، فقد أخطأت بعدم تقدير الحجم الذي يشغله الدين في مجتمعات الشرق الأوسط"
وقد فهم أوباما وإدارته الجزء الواضح من كلام اولبرات، وتوجه الى القاهرة يدلي بأطول خطاب عن حل القضية الفلسطينية، إلا أنه لم يفكر جيداً في البعد الثالث، وهو ما يشغله الدين في مجتمعات تنجر بسرعة، وبعمى، الى شعارات الدين، حتى إذا كان مصدرها أخطر عدو للعرب!
وبهذا يقول تركي الفيصل (22 يناير 2009) أن الوهابيين، والسنة بشكل عام، رغم ما أنفقته المملكة السعودية من أموال لصياغة أفكارهم، والكلام لنا، قد يقفون الى جانب الشيعة بتبني شعارات حزب الله وإيران، الداعية الى إزالة إسرائيل، مما يؤدي الى فوضى وسفك دماء غير معروفة أبعادها في المنطقة!
وإذا وضعنا كلام اولبرايت في مذكراتها الى جانب تحذيرات المسؤول السعودي، فسوف نستنتج الورطة التي وقع فيها اوباما!
تعكف إيران، بشراهة، ومنذ خمس سنوات، على تطوير صواريخ تكتيكية، وتجري التجارب على دقتها في التصويب، وجميعها تحمل أسماء دينية، وكلها، إذا لم تصل الى اسرائيل بعد، فهي تصيب أهدافاً مباشرة في دول الخليج، منشآت نفطية، ومدن مكتظة بالسكان، ومن يعتقد أن إسرائيل تمثل هدفاً استراتيجيا بالنسبة لإيران، يخطئ الاعتقاد، وعليه مراجعة حساباته على المدى القصير، لأن طهران، وجملة الملالي، يتوسعون داخل المنطقة العربية، يقضمون جزءاً بعد جزء منها، فبعد أن أصبح نصر الله هو الذي يقرر الحرب والسلم في لبنان، تدعمه حماس، التي تعرقل المصالحة مع بقية الفلسطينيين، ينضم إليهما الآن العراق، أي القسم الجنوبي، الذي قدمته أمريكا لإيران عسى أن تكف عن التدخل وتفجير قوافل الحلفاء!
وبهذا تمطت إيران وسع ذراعيها في جزء كبير من الشرق الأوسط، وهنا يحضرنا التحذير الذي اطلقه عبد الله ملك الأرن، من أن إيران تقوم بمسعى محموم لإقامة هلال شيعي، العراق-سوريا- لبنان- والآن قفزت الى فلسطين، وتكفي دفعة مغرية من المال، ليغدو قادة حماس شيعة من الدرجة الأولى!
جوهر الخلاف غير المعلن بين نتينياهو والإدارة الأمريكية، يتعلق بتجميد، وإماتة، ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وما إيقاف المستوطنات إلا وسيلة للضغط على أمريكا يلجأ إليها حتى تحسم أمريكا أمرها بشأن الخطر الإيراني المتفاقم.
سيقول نتينياهو لاوباما: ماذا فعلتم لنا حتى نوقف المستوطنات في القدس؟
ربما يهيئ اوباما خطاباً طويلاً للرد، غير أن نتينياهو سوف يستمع بنفاد صبر، ثم يعيد نفس السؤال. وستنهال عليه أجوبة مملة، بعيدة عن الموضوع، وكان بعض الجنرالات المعروفين بميلهم الى برود الرئيس الأمريكي قد أشاعوا على امتداد السنة الماضية عدم قدرة اسرائيل على توجيه ضربة ناجحة لإيران، إلا أنني لا أعتقد بأن نتينياهو سيقبل بهذه الذرائع المعدة بعناية، وسوف يصر، بالتالي، على بناء المستوطنات في القدس! هذا هو المرجح.
قد يظن العرب، وظنونهم دائماً مشكوك فيها، أن حل القضية الفلسطينة سينتزع من إيران ورقة كبيرة للتدخل في شؤون المنطقة، وسيظل افتراض كهذا غير قادر على فهم السياسة الإيرانية، لأن لإيران شعارات ومبررات كثيرة كي ترفض حل القضية كما يريد العرب، وستدخل من كل ثقب، صغير أو كبير، حتى ترفض! فماذا تراها ستفعل بدول الهلال الشيعي الذي أنفقت عليه بلايين الدولارات، وكبدت الميزانية خسائر كبيرة، ولن تسكت إن لم تؤت اكلها!
هناك تعليق واحد:
الغضب العاطفي الذي يستطيع كل من احمدي نجاد ونصر الله وخالد مشعل استثارته بسهولة في الشارع العربي من خلال الخطب الناريه التي تتنافس قنوات الاعلام العربية على بثها واعادة بثها، قد يتحول بالفعل الى فوضى يصعب السيطرة عليها وبهذا تخسر الولايات المتحدة الكثير من نفوذها في المنطقة، ويتحول العرب من جديد الى كرة تتدحرج بين المرمى العثماني الذي يلوح من خلفه مهند وجواهر وبين المرمى الفارسي الذي تلوح من خلفه صواريخ العباس والحسين.
إرسال تعليق