الأربعاء، 31 مارس 2010

شيعة العراق، حكومتان فقط

راهنت مرة أن شيعة العراق إذا فقدو السلطة، لن يعودوا إليها مرة أخرى، أبداً. وسأبقى على رهاني.
كان الشائع أنهم ظُلموا في عهد صدام أكثر من غيرهم، لكن، في ذلك العهد، كان الجميع مظلومين بالتساوي. وحين "انتفض" الجنوب، بطش بهم النظام بلا رحمة، وصبّ عليهم جام غضبه بعد خسارته حرب الكويت، ولم تتقدم أمريكا وحلفاؤها في ذلك الوقت لإنقاذهم، عندما علمت أن إيران استخدمتهم!
شيعة العراق في الأصل عرب، نزحوا الى العراق قادمين من شرق الجزيرة العربية، واستقروا في الجنوب كمزارعين، وفي المدن كتجار. القليل منهم مشكوك في أصله العربي، أولئك الذين يقطنون الأهوار. يقول المؤرخون أن أقدامهم الغشائية (الغشاء بين أصابع القدم) قد تعود بهم الى العهدين السومري والبابلي. ما إن غلب التشيع على عرب الجزيرة، انتسب سكان الأهوار إليهم، وأصبحوا، بضرورة المكان، شيعة!
في العهد الصفوي، ولى كل الشيعة وجوههم الى إيران، وبدأوا يدينون لها بالولاء بعد أن كرست من عادات حول مصائب أهل البيت، عزاء، تعذيب النفس بضربها بأطراف السيوف حتى تدمي رؤوسهم، وشعائر مغالى فيها، بذلك تحول وجدانهم الى ما يصدر عن إيران من تمثيل للمعاناة!
في العصر الحالي، كره العلمانيون الشيعة ما يقوم به آباؤهم من أنجذاب أعمى لإيران، وهم قلة تميزت بالفكر المتفتح، إلا أن البقية، وهم بالملايين، ظلوا مسحورين بدولة أيران في ما تقدمه من غلو إزاء ما لحق بالحسين بن علي من مذابح في القرن الأول الهجري، فهم يبكون ويلطمون الخدود ويجرحون النفس لتلك الواقعة، غسلاً للعار الذي لحق بهم منها، إذ ذكر المؤرخون أنهم أقسموا الولاء للامام علي ثم تخلو عنه، كذلك فعلوا مع ابنه الحسين.
غالباً ما يكون التاريخ شاهد زور على وقائع مضخمة، تشق طريقها عبر تراكم السنين بصورة منحرفة!
يسأل طفل ولد في إنكلترا من عائلة شيعية: لماذا تذرف الدموع على شخص قتل قبل أربعة عشر قرناً؟
الأطفال يطرحون الأسئلة بمنطقها، ويضحك الآباء لأنهم لا يملكون الجواب.
بعد الاطاحة بصدام حسين، كشف الكثير من شيعة العراق أنهم كانوا يخفون صور الخميني داخل ثلاجات الأكل! لكن، لماذا صورة الخميني؟
الآن كل الشيعة العرب في المنطقة يخفون صور الخميني وخامئني داخل الثلاجات، أو يعلقونها على الجدران إذا كانوا في مناخ يسمح بذك، كما هو الحال في لبنان، الذي أصبح جنوبه كياناً شيعياً مستقلاً، بالقوة!
في العراق ظهرت الصور المذكورة للعيان، وشكلت حكومتان شيعيتان وواحدة علمانية، أثناء ذلك مارس، الذين ادعوا أنهم ظُلموا في السابق القتل، والسرقة، والغش، والنهب، والتجاوز على القانون، وزورت الشهادات العلمية، ولم يشبعوا. فمن لحق به الظلم كما يدعى، ظلم عشر مرات في الحكومتان التي قامتا، وأصبحت، الدولة إياها، ترعى الشعائر بنفسها، إذ في كل سنة تقام عدة مناسبات للعزاء، حيث يفرش طريق كربلاء والنجف بالمآدب السريعة، وتنصب أنابيب مياه الشرب، لتطعم وتسقي فلول المتجهين الى المدينتين، ملايين الشيعة، بعضهم بثياب خلقة، يمشون حفاة نحو النجف وكربلاْء، فرحون، مبتهجون، ليساهموا في وليمة العزاء والبكاء!
أين كان هؤلاء من التعمليم والدراسات الجامعية منذ عهد الملك فيصل حتى الآن؟ كيف أفلتوا من المدارس وسيطرت الأمية والجهل على الملايين منهم؟
توجد إجابتان، إذا وضعتا جنباً الى جنب تحصل على كارثة، الأولى:
إن الدرس، مهما بلغ مراحله العلمية المتطورة، لن يؤثر على إيمان الشيعي بشعائر عاشوراء، رغم ما فيها من قبح، ولا من ولائه لإيران، رغم عدائها للعرب! فرئيس الحكومة السابقة، الجعفري، والتالية، المالكي، درسا الطب ومارساه في إنكلترا، وعاشا في بيئة متحضرة جداً لم يتأثرا بها، وكل منهما يقود حزباً، المؤتمر والدعوة، تأسسا في إيران، ويدينان لها بالولاء!
الثاني: إن الشيعي، وقلنا هناك استثناء بسيط، ميال الى الكسل، والتراخي، ويرجوا أن يأتيه الرزق من دون مثابرة، أو بأقل جهد ممكن، وهو يفضل التوجه للعاصمة، بأميته، بحثاً عن أعمال رخيصة يعيش منها، ويسكن الأطراف!
"التقية" التي يقرّ بها المذهب الجعفري، جعلت من الشيعي مداهناً، منافقاً، يضحك بوجهك، ويكيد لك ما إن تلتفت، أو، في أفضل الأحول، يشتمك حينما يبتعد. فالتقية تبرر له أن يعلن ما لا يضمر عندما يكون في حضرة القوي، إلا أنه استمرأ العادة وأصبح يمارسها حتى أمام الضعيف، فالتصقت به، كما يلتصق العلق على سطح الجلد!

السبت، 27 مارس 2010

الجوامع والكنائس، الفنون والجدران الكئيبة

في 22 مارس الجاري قرأت خبراً يقول "مسلمون يحاربون الكراهية بفتح المساجد أمام غير المسلمين"
الخبر نقلته جريدة الشرق الأوسط، بيد إنني لم أجد في المتن ما يؤكد هذا، أي فتح المساجد أمام غير المسلمين!
دخات في كاتدرائيات ضخمة، وكنائس كبيرة وصغيرة، وحتى أديرة في إيطاليا يهتم القائمون عليها بصنع أنواع مختلفة من الشراب (الليكور) ويقومون بنشاطات عديدة لينفقوا على معيشتهم وديرهم.
يمكنك التميّز بين الكاثوليكية والبروتستنية من بهرجة الأولى بالفنون، وشظف الثانية، حيث الجدران عارية إلا من الزجاجيات الملونة، أما الأرثوذكسية فقليل من الفن العادي وكثير من البساطة.
في روما تكاد لا تخلو كنيسة من رسوم ذات قيمة عالية جداً، تبدأ بالمظلمات وتنتهي بأعمال عصر النهضة، والفاتيكان تحفة عظيمة في الهندسة والرسوم الداخلية والمنحوتات، تتجمع فيه أشغال رفائيل ومايكل انجلو حيث الزيت يبهر الأبصار، ويحتاج الزائر شهراً كاملاً لينتهي من دراسته، إذا كان يقصد الدرس، ويدخله الزوار بالآلاف يومياً، ومن كل الجنسيات، ولا يسأل أحد عن ديانتك، ولن تخلع حذاءك عند الباب.
كنت أقدصد الكنائس حيثما حللت، فهي بالأجمال تعبّر عن مدارس معينة في الفن، وتبهج النفس لما فيها من هدوء، وفي أيام الآحاد تنشد الفرق التراتيل مصحوبة بالأورغن (لا تخلو كنيسة من هذه الآلة الضخمة) فتقف على جانب مع الزوار تشنف أسماعك بالألحان "السماوية"
في مدينة فيينا وقفت مع زوجتي، ضمن المئات، في كنيسه صغيرة وسط المدينة، استدرجنا إليها عزف لـ (الكونتاتة) لباخ،
كان الصوت الرخيم يبلغ الشارع، ويجذب إليه الزوار، يندسون في الرحاب الضيق، نسبة الى بقية الكنائس، يجلسون في صفوف المصلين، أو يجلسون بينهم ليشاهدوا الجدران المليئة بالرسوم ويستمعون الى الموسيقى العذبة، ولن تسمع من يقول لك صلِ للربّ ما دمت دخلت! أو لماذا أنت هنا، إذا لم تكن من تبعيتنا؟ لأن الربّ، ببساطة، قنع بكبار السن، بعد أن انصرف عنه القوم الى هموم حقيقية تخص حياتهم، وشرع بيوته للزوار العابرين، المهتمين بالفن والموسيقى والهندسة، وأولئك الذين يدفعهم الطقس الجليدي الى مكان دافئ يسترجعون فيه الحرارة الى أياديهم وأرجليهم!
زرت أيضاً الجوامع في القاهرة، وجوامع السلاطين في استطنبول، ولا أذكر غيرها، لكنني لم أجد غير جدران اسمنتية، وكدت أفقد حذائي في عدة مناسبات! وشاهدت كنيسة آيا صوفيا، الذي احتلها الأتراك، ولاحظت آثار من الفن القوطي وقد خربت، ولم يبق منها سوى أجزاء من اللوحات، وفي الأعلى كتب بخط كبير: الله، محمد، علي...!
لم اعتد تشييع من أعرف، أو من الأصدقاء، اتركهم يرحلون لوحدهم!
في إحدى المرات، النادرة، ذهبت الى جامع كبير للباكستانيين والعرب في انكلترا، اساهم في التشييع. الجامع تلمع قبته من الخارج، إلا أن جدرانه في الداخل عارية، توحي بالكآبة، وتضيق منها النفس، وبارد، شديد البرودة رغم أنه يقبض معونات شهرية من الحكومة البريطانية!
بدا أن المقيمين على الجامع غير مقتنعين بمكان الجثمان، فراحوا ينقلونه من زاوية الى أخرى، حتى كذت أسمع شكواه من هذه المعاملة، والمصلين يتقاطرون لإداء صلاة الجمعة على عجل، أكثر من ألف شخص، ليكتظوا في المكان بعد أن كوموا أحذيتهم عند الباب، تكاد تشعر من نظراتهم المتطيرة أن كل واحد سيفجر نفسه بمن حوله ليذهب الى الجنّة.
عندما تهيأ الجميع للصلاة خرجت، إذ لم يعد لدي ما أقوم به.
بدون مقدمات سحبني شخص من الخلف، قال Pray! كان صومالياُ، أمرني أن أصلي بكلمة انكليزية واحدة يعرفها، Pray، وبدون تهذيب.
الصوماليون منذ انزلقوا في الإرهاب القبيح، وتشردت نساؤهم في أوربا وأمريكا وكندا، ينتابهم الإحساس بأنهم وحدهم حماة العرب والمسلمين، وإن الرسالة إذا قدر لها أن تنزل مرة أخرى، تصحيحية، فستنزل على ارض الصومال!وستكون باللغة الصومالية أيضاً!
قلت: وما شأنك أنت؟ وخرجت.

الثلاثاء، 23 مارس 2010

سيرحل أوباما، وتبقى صواريخ إيران مسلطة على الخليج

لو كان باراك اوباما رئيساً للكونغو، أو توغو، وحتى السودان، لغضضنا الطرف عنه، بل تركناه ينعم بالنوم! لكن أوباما رئيس الولايات المتحدة، حاز على أصوات الأمريكيين بانتقاده اللاذع لسياسات إدارة بوش، وتوجد مشاكل في العالم بقيت من دون حل، لذلك يتوجب إرسال الإشارات القوية عندما يغلبه النعاس
لعل أكثر المشاكل تعقيداً التي تخلى عنها اوباما وانشغل بخطبه الطويلة هي المتعلقة بالشرق الأوسط، الذي باع الكلام لشعوبه، تدعمه، وتنافسه على الكلام، وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون، وينضم إليها أخيراً نائبه بايدن، بفكر تكتيكي لم يجرب بعد مرور أكثر من سنة
قد يحق لأوباما الاعتزاز بتمرير قرار الرعاية الصحية في مجلس النواب، ويصفه في نشوة الخطب بإنه من "الأمور العظيمة"، بيد أنه يتجاهل انقسام الشعب الأمريكي حوله (55% ضد القرار) إذ سنشهد في الأيام القادمة إنحساراً "عظيماً" في شعبية أوباما، وفقدان المزيد من الولايات لصالح الجمهوريين في الانتخابات القادمة!
تقول اولبرايت في مذكراتها 2003: "ان الولايات المتحدة إذ لم تخطئ في كل شيء في غزوها للعراق، فقد أخطأت بعدم تقدير الحجم الذي يشغله الدين في مجتمعات الشرق الأوسط"
وقد فهم أوباما وإدارته الجزء الواضح من كلام اولبرات، وتوجه الى القاهرة يدلي بأطول خطاب عن حل القضية الفلسطينية، إلا أنه لم يفكر جيداً في البعد الثالث، وهو ما يشغله الدين في مجتمعات تنجر بسرعة، وبعمى، الى شعارات الدين، حتى إذا كان مصدرها أخطر عدو للعرب!
وبهذا يقول تركي الفيصل (22 يناير 2009) أن الوهابيين، والسنة بشكل عام، رغم ما أنفقته المملكة السعودية من أموال لصياغة أفكارهم، والكلام لنا، قد يقفون الى جانب الشيعة بتبني شعارات حزب الله وإيران، الداعية الى إزالة إسرائيل، مما يؤدي الى فوضى وسفك دماء غير معروفة أبعادها في المنطقة!
وإذا وضعنا كلام اولبرايت في مذكراتها الى جانب تحذيرات المسؤول السعودي، فسوف نستنتج الورطة التي وقع فيها اوباما!
تعكف إيران، بشراهة، ومنذ خمس سنوات، على تطوير صواريخ تكتيكية، وتجري التجارب على دقتها في التصويب، وجميعها تحمل أسماء دينية، وكلها، إذا لم تصل الى اسرائيل بعد، فهي تصيب أهدافاً مباشرة في دول الخليج، منشآت نفطية، ومدن مكتظة بالسكان، ومن يعتقد أن إسرائيل تمثل هدفاً استراتيجيا بالنسبة لإيران، يخطئ الاعتقاد، وعليه مراجعة حساباته على المدى القصير، لأن طهران، وجملة الملالي، يتوسعون داخل المنطقة العربية، يقضمون جزءاً بعد جزء منها، فبعد أن أصبح نصر الله هو الذي يقرر الحرب والسلم في لبنان، تدعمه حماس، التي تعرقل المصالحة مع بقية الفلسطينيين، ينضم إليهما الآن العراق، أي القسم الجنوبي، الذي قدمته أمريكا لإيران عسى أن تكف عن التدخل وتفجير قوافل الحلفاء!
وبهذا تمطت إيران وسع ذراعيها في جزء كبير من الشرق الأوسط، وهنا يحضرنا التحذير الذي اطلقه عبد الله ملك الأرن، من أن إيران تقوم بمسعى محموم لإقامة هلال شيعي، العراق-سوريا- لبنان- والآن قفزت الى فلسطين، وتكفي دفعة مغرية من المال، ليغدو قادة حماس شيعة من الدرجة الأولى!
جوهر الخلاف غير المعلن بين نتينياهو والإدارة الأمريكية، يتعلق بتجميد، وإماتة، ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وما إيقاف المستوطنات إلا وسيلة للضغط على أمريكا يلجأ إليها حتى تحسم أمريكا أمرها بشأن الخطر الإيراني المتفاقم.
سيقول نتينياهو لاوباما: ماذا فعلتم لنا حتى نوقف المستوطنات في القدس؟
ربما يهيئ اوباما خطاباً طويلاً للرد، غير أن نتينياهو سوف يستمع بنفاد صبر، ثم يعيد نفس السؤال. وستنهال عليه أجوبة مملة، بعيدة عن الموضوع، وكان بعض الجنرالات المعروفين بميلهم الى برود الرئيس الأمريكي قد أشاعوا على امتداد السنة الماضية عدم قدرة اسرائيل على توجيه ضربة ناجحة لإيران، إلا أنني لا أعتقد بأن نتينياهو سيقبل بهذه الذرائع المعدة بعناية، وسوف يصر، بالتالي، على بناء المستوطنات في القدس! هذا هو المرجح.
قد يظن العرب، وظنونهم دائماً مشكوك فيها، أن حل القضية الفلسطينة سينتزع من إيران ورقة كبيرة للتدخل في شؤون المنطقة، وسيظل افتراض كهذا غير قادر على فهم السياسة الإيرانية، لأن لإيران شعارات ومبررات كثيرة كي ترفض حل القضية كما يريد العرب، وستدخل من كل ثقب، صغير أو كبير، حتى ترفض! فماذا تراها ستفعل بدول الهلال الشيعي الذي أنفقت عليه بلايين الدولارات، وكبدت الميزانية خسائر كبيرة، ولن تسكت إن لم تؤت اكلها!

الخميس، 18 مارس 2010

اصغوا الى عباس، ولا تستمعوا لغضب هنية الموعز به!

انطفأت، ولعلها تموت وتنتهي، الاتنفاضة التي دعا إليها هنية وسماها يوم "الغضب"، وهو غضب موعز به من إيران، ورئيسها الكئيب، أحمدي نجاد، حيث ظهرت المحنة على وجهه طوال أيام زيارته لدمشق.
لم تعد هناك انتفاضات دينية، توقع الضحايا وتدفع العرب الى أحضان الإرهاب. الوقت الآن للسياسة.
الإرهاب يحتاج الى الكذب: اكذب اكذب حتى يصدقك الساذجون. هذا مبدأ كريه، وبعد ستين سنة لم يجن العرب من الكذب غير الهباب على الوجه، وضياع الحقوق، وفقط تسمين العاطلين، من الشحاذين الذين يضعون الحجارة بأيدي الأطفال، أو يرسلونهم لتفجير أنفسهم بالأبرياء!
كنيس "الخراب" اعيد بناؤه على بعد بين 300-400 متر من الأقصى، واستغرق التخطيط له والعمل فيه عشر سنوات، وكان يرتفع يومياً أمام الأنظار، فلماذا "يغضب" هنية الآن بالذات؟
لماذا انتبه هنية، بعد زيارة أحمدي نجاد الى شيء اسمه كنيس الخراب؟
لقد سوي هذا الكنيس اليهودي بالأرض على يد الدولة العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر باسم الإسلام، ودمر مرة ثانية وسحق بالأرض على يد غلاة المسلمين عام 1948، فأين التسامح الديني في الإسلام؟ أين تعدد الثقافات الذي تتبجحون به ليل نهار، إذا كان إعادة بناء يثير حفيظتكم الدينية حقاً؟
أنتم وإياهم، اليهود المتدينون، ترقصون على نفس الدفّ، وتهتزون للتراتيل ذاتها، فلماذا لا تقوم أعراسكم السماوية جنباً الى جنب، وفي أماكن قريبة من بعضها، حتى يستطيع الإله سماع الصلاة مرة بالعبري ومرة بالعربي؟
حكومة نتينياهو اليمينية تتعرض لضغوط دولية متنوعة، إذا تراجع عن قراراته كسبتم، وإذا أصر سيأتي العمل أو الليكود، مزودين بنية صادقة للتفاوض، فتنحوا لدور الأذكياء كي يلعبوا ورقتهم!
يقول المتحدث باسم الأجهزة الأمنية اللواء عدنان الضميري: "حماس وإسرائيل يريدون إعادة المنطقة الى العنف والفلتان الأمني"
إيران تريدة قشة تعصف في فنجان، لتبعد الأنظار، ولو قليلاً، عن أزمتها الطاحنة، فماذا تجنون أنتم إذا كسبت طهران، مؤقتاً، راحة البال، غير جر قضيتكم الى شرنقة الإرهاب من جديد، ثم الوقوف باسمين، بدون أربطة عنق على طريقة الإسلاميين الإيرانيين، الى جانب أحمدي نجاد، المغضوب عليه من قبل شعبه؟

الأربعاء، 17 مارس 2010

هذه السيدة تجرح حين تردّ

باستثناء قلة صغيرة من الكتّاب العرب، تخلو الكتابة العربية من البعد الثالث، فتظهر التحليلات الصحيفة، إذا كانت تدعي الانتساب الى هذا النمط، مسطحة، خاوية، تعيد تكرار ما تقوله، كما لو أنها علقت في الرتابة المملة!

هذه معضلة الايديولوجيا، التي تقول شعارها بكلمات تتحايل أن تأتي مختلفة، فتكون موضع للتندر.

حدث هذا في برنامج "مثير للجدل" مساء الأحد، إذ جلس خمسة إعلاميين، وإعلامية واحدة، أمام متخرجين جدد من الإعلاميين، ليعلموا، أو هكذا توهموا، المشاهدين بذكاء فطنتهم!

السؤال الذي طرحته مقدمة البرنامج: لماذا عكف الغرب والشرق، الآن، على المنطقة بفضائياتهم العربية؟

بالطبع لم تأت تلك الفضائيات، وقد هرب عدد من مسؤولي الفضائيات عن الحضور، بجديد تضفيه الى الكم المتوفر من إعلام العرب المنهمك في الكذب على المشاهدين، سوى بالتنويع على الايديولوجيات والتزمت لشعاراتها. فضائيات الصين وإيران والجزيرة النسخة الإنكليزية والروس جاءت أجوبة المسؤوليين عنها مثار للتغامز والضحك من قبل الخريجين المدعوين للندوة، وحين سألتهم المذيعة لماذا يضعون الصحفيين داخل بلدانهم في السجون؟ تحايل الجميع لكي لا يجيبون على السؤال. فقهقه الخريجون أيضاً.

هجمة الفضائيات الأجنبية باللغة العربية جاءت، في الحقيقة، لتزيد سخرية المشاهدين الذين قرفوا من فضائياتهم، فماذا تعتزم فضائية "العالم" مثلاً أن تقدم لعدد قليل من مؤيديها، سوى مذيعة محجبة، تلقي بيانات تدعم سوريا وحزب الله وحكومة غزة المستقيلة، بينما تحجب كل شؤون العرب الأكثر إلحاحا، التي تعاني إيران ذاتها من وطأتها على المواطن المكمم، والغارق في اللاهوت؟ وماذا تقدم الجزيرة بالإنكليزية للمشاهدين غير عكس ما تقوله للعرب؟ وهكذا الحال مع الآخرين، كل يروج لايديولوجيته القبيحة!

لقد زودت المذيعة بجرعة من الحرية، جديدة، إثر زيارة مردوخ لابو ظبي، الذي اشترط على الإمارة، لكي تنافس دبي وقطر، الحرية في نقل الرأي، قبل أن يدشن مشروعه الإعلامي الضخم الذي يقيمه في الخليج!

المذيعة، فضيلة السويسي، كانت حتى قبل هذه الجرعة، تجرح وهي تبتسم، حين تعلق على ردود المتحاورين، فطاحل الإعلام الايديولوجي الهزليون، الذين جاءوا يبيعون للعرب بضاعتهم الأشد كساداً!

السبت، 13 مارس 2010

الكنيسة الكاثوليكية تهتز، والإسلام يختبئ



الانتهاكات الجنسية التي اثيرت يوم الجمعة في المانيا، انتقلت بسرعة الى مؤسستين دينيتين في النمسا، اذ اعلن مسؤول في كنيسة ستالزبرغ انه يشتبه بحدوث حالات مشابهة.

لكن هذا يأتي بعد اقل من شهرين من اكتشاف حالات راح ضحيتها ثلاثمائة من الاطفال، واطاحت بابرشية دبلن في ايرلندا، وهزت اركان الفاتيكان، مما حدا بالبابا بندكت السادس عشر الى اعلان شعوره بالغضب والخيانة والعار.
حدث هذا بعد تصرفات "مشينة" حدثت في الولايات المتحدة واستراليا. وإذا رفع الستار عن أسرار الكنائس في البلدان المسيحية الأخرى سنكتشف ما يلحق العار بالكاثوليكة، حتى أن بحيرات وشوطئ قريبة من هذه الأماكن عثر فيها في القرن الثالث عشر على خُدج (طفل مسقط قبل الولادة) عديدون، تكلست عظامهم الغضروفية، وجرى التستر على الإثم للحفاظ على سمعة الكنيسة!
ويعود "الإثم" في جانب منه الى مبدأ عدم الزواج في الكاثوليكية، التي يقسم عليه القسس والراهبات، والحرمان من المعاشرة الشرعية (الزواج) التي أقرتها الكنيسة البروتستانتية. فحرمان الطبيعة البشرية من ممارسة الجنس، ولفترات طويلة، وقضاء الحياة في الشظف والعمل، ثم الإنزواء في الليل مع أجساد مشابهة، هو الذي شجع على ممارسة الجنس المثلي، والتحرش بالأطفال ثم أرتكاب الجنس معهم.
هذا يحدث أكثر في مآوى الراهبات، زوجات المسيح، بعد أن فصلت الكنيسة بينهم وبين القسس اثر فضائح البحيرات.
وبنظرة أعمق الى ظاهرة تفشي الجنس في الكنيسة الكاثوليكية، والبروتستانتية أحياناً، الى إنحلال الإيمان. فمنذ عصر التنوير، وتكيز الفلاسفة والعلماء على مناقشة الوعي الديني لدى الغربيين، بدأت قبضة الكنيسة ترتخي، بل وتتراجع في أحيان كثيرة للمد الفكري، تسانده البراهين العلمية والمكتشفات الجديدة. وبحلول القرن العشرين، أصبح الدين عاجزاً عن تفنيد أي ظاهرة فلكية حديثة، وتحولت أقوال الانجيل، بعهديه القديم والجديد، الى أساطير وفولكلور، ونصوص أدبية في أفضل الحالات، فماذا تستطيع الكنيسة أن تفعل إزاء اختراعات (ناسا) للنجوم المنطفئة، والعمر التقديري للكون، والأوزون، وطبقات الأرض، وأصل البراكين، التي بنت الأديان قديماً خرافاتها على أثرها السطحي، سوى أن تستجيب، في أمريكا وأوربا، الى عقد الزيجات المثلية؟
الوعي الإنساني تطور بشكل مذهل، ولم تعد الأديان تلحق به، ولا تجيب على أسئلته، ولعل الملايين الذي يقصدون الكنائس في يوم الأحد، لا يعثرون حقاً على بديل لهما في الأماكن الأخرى! وربما تكون إعادة المصداقية الأخلاقية للكنيسة التي دعا إلها البابا رداً على الفضائح الجنسية، ستكون مجرد تقويم للمبادئ المسيحية لا يعرف أحد أين تنتهي، والى أي تنازلات تنحو!
وفي غمرة هذا الصراع، بين الثقافة القديمة والفكر الجديد حول كنه الوجود الإنساني، قد نوسع المجال لنتساءل عن الشجاعة، والمسؤولية الأخلاقية، المحكومة حتى الآن بالأسرار والتكتم المخيف، في مؤوسسات الإسلام في مدينة النجف، وكربلاء، وقم، والأزهر، ومخابئ تعليم القرآن للأطفال، وفي السعودية؟ هل تخلو هذه الأماكن وغيرها من الإثم الدفين؟

الخميس، 11 مارس 2010

لبنان وحزب الله والعرب


المقاومة كلمة "مقدسة" لدى فئة من اللبنانيين، وكريهة، بل غادرة لدى الأغلبية.
لبنان كان يوماً بوابة الشرق على العالم، إلى أن دخلت حركة التحرير الفلسطينية فحطمت البوابة وأهانتها، ثم جاءت إيران بمستشفيات صغيرة ورواتب للأيتام في الجنوب، وداست بعدئذ على بقية البوابة، وأذلتها، ولم تبق على شيء من تلك الأيام الجميلة، الساحرة، التي كانها لبنان في بداية السبعينات: صوت يصدح لفيروز، وجو عذب في الصيف والشتاء يتفيئ به اللبنانيون، وعشاق الرحيل من الأجانب والعرب!
المقاومة كلمة "مقدسة" تثير الرعب في قلوب اللبنانيين في العهد الفلسطيني، و"مقدسة" في عهد حزب الله، وتثير الرعب أيضاً من الدم الغريب، الذي يلتصق بها، إلى أن تأتي إسرائيل، إذا جاءت، لتلحق أحزاب الله بالفلسطينيين!
في أيام لبنان التي سبقت تلك "المقدسات" ظل الجميع يدخل ويخرج بعد أن يسبح في الأنوار، ويغرف من المعرفة، أو يتذوق النوم اللذيذ، الحالم، تحت ظلال الصنوبر والشربين، وبعيداً، إلى حين، عن روتين العمل!
في هذا الأسبوع طالب مسؤولو حزب الله باجراءات مشددة ضد حاملي الجوازات الأجنبية القادمين إلى لبنان. جاء على لسان الموسوي (إيران _ حزب الله) إنه بعد الذي حدث في دبي "يحق لكل مواطن عربي أن ينظر إلى كل حامل جواز سفر أجنبي على أنه عميل محتمل"!
اللبنانيون ردّوا، وكالعادة قبل العرب، على هذا الكلام، وهم بارعون في الرد، فقال، مثلاً، العميد المتقاعد الياس حنا: "لبنان لا يستطيع توقيف كل صحافي أجنبي بتهمة التجسس كما يحصل في إيران"
طهران، التي طردت الأجانب والصحفيين من أراضيها، مع المعارضة، وأصبحت جزيرة مقفلة على ذاتها، تريد تطبيق نفس السياسة في لبنان.
لكن، لماذا "على كل مواطن عربي؟" هل أصبح العرب مشدودين برابطة الدم إلى إيران، مثلما هو الحال مع السيد الموسوي؟
ولماذا يتعين على المواطن العربي أن ينظر إلى كل أجنبي يدخل لبنان على أنه جاسوس محتمل؟
صحيح أن العرب، كأفراد وفئات وأحزاب تخلو عن لبنان في محنته الأولى، والثانية، ونظروا بعيون مقلوبة إلى اللبنانيين، لكن أن يطلب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، الموسوي، من كل العرب أن يقلبوا عيونهم مزيداً إلى الخلف، وينظروا بعين حمراء، مثل أحمدي نجاد، إلى الأجانب الذين يدخلون لبنان ويطردونهم أو يضعونهم في السجن، فهذه متاجرة، بلا مسؤولية، وإلحاق، من دون دليل، للعرب بسياسات إيران الانتحارية! بينما يقف كل العرب، إذا تحدثنا بمنطق موسوي، إلى جانب المعارضة الإيرانية ويدعمون مطالبها المشروعة لإزالة الدكتاتورية المتسلطة على رقاب الإيرانيين!

الاثنين، 8 مارس 2010

الثورات تتآكل من الداخل، ثم تنهار


في 2 مارس 2010 اعتقلت السلطات الإيرانية المخرج السينمائي جعفر باناهي، أودعته السجن بتهمة تأييد المعارضة، ولم نسمع عن مصيره شيء حتى اليوم.
كيفية الاعتقال هي نفسها التي تتم لمن يعارض النظام، كما جاء في بيان للمخرج على موقع "راحيسبز": حوالي الساعة العاشرة من مساء الاثنين، اقتحم عدد من رجال الأمن بملابس مدنية المنزل، واقتادوا والده وزوجته وابنته و15 شخصاً من مدعويه إلى جهة مجهولة!
يصنف جعفر باناهي، 45 عاما، كأحد مخرجي الجيل الجديد من السينمائيين الإيرانيين المشهورين في الخارج، إذ نال عدة جوائز: في مهرجان البندقية، ومهرجان كان، ومهرجان برلين، لكن بما أن المكانة الدولية لن تغفر له، فسوف نغض الطرف عنها.
في إيران، كلما زادت أهمية المعارض، قلّت فرص نجاته من الاعتقال!
هذا ما حدث مع شيرين عبادي حائزة نوبل، فقد أفلتت من الاعتقال ورحلت إلى أوربا، لكنهم اعتقلوا اختها وأطفالها وزوجها، وطلبوا، مقابل إطلاق سراحهم، عودة شيرين عبادي!
كل هذه الأساليب تذكرنا بنظام صدام حسين، واحمدي نجاد يقترب سريعاً من صدام حسين، وسوف يتجاوزه قريباً. والمعارضة بالمقابل فهمت السباق، فرفعت صورة نجادي وقد كتب عليها The devil had land.
في احتفالات ذكرى الثورة الإسلامية، خرج المعارضون يعبرون عن رأيهم أيضاً، تلاحقهم "البسيج" من شارع إلى آخر بالعصي والغاز والمسدسات، وتحت نفق لعبور المشاة سمعت، كما سمع العالم معي، من يهتف: "عاشت الجمهورية الإيرانية" وكان حذف صفة الإسلامية لافت للنظر.
"البسيج" هم البديل الثوري والأكثر دهاءً وبطشاً لرجال أمن الشاه قبل الثورة "السافاك" وإذا كان رجال السافاك لا يرتدون ما يميزهم عن الناس، فإن البسيج يرتدون الزي الرسمي، وهم مدججون بأنواع مختلفة من السلاح، ويظهرون للعلن من فوق دراجاتهم النارية، يملئون الشوارع فجأة، مزودون بتعليمات تتراوح بين الضرب المبرح بالعصا والاقتياد للسجون، والقتل عند الضرورة!
الجحيم انفتح على الإيرانيين في ترشيحات الرئاسة الأخيرة. واحد من "البسيج" فرّ من إيران وسلم نفسه للشرطة البريطانية، اعترف بان المرشد الإيراني للثورة، خامئني، قال لهم: أريد أن يفوز احمدي نجاد، فكان الباقي علينا!
هذا القول من المرشد الأعلى يعني أن الثورة فقدت مبرراتها، إذا كانت لها من مبررات، وخلف موسوي وخاتمي وكروبي، أو على مسافة منهم، جيل جديد يسعى إلى التغيير، إلى الانطلاق في حياة مختلفة، تخلو من ضوابط رجال الدين وقوانينهم الرجعية الخاصة بغطاء الرأس، وسماكة الثياب النسائية، ومنع الحلاقين من قصّ شعر النساء، والتقشف في العيش، وغيرها من دلائل الماضي المندثر. هذه الأمور تخصّ حسن نصر واسماعيل هنية وخالد مشعل، المقلدون الجدد للثورة الإسلامية في لبنان وغزة، ولا تعني شعب إيران الذي ذاق الأمرين من تعالم الملالي وتدخلهم في تفاصيل حياة الفرد طوال ثلاثين عاما!
بدلاً من تفهم ما يريده الجيل الجديد في إيران، والتعامل معهم برفق، أصر خامئني على التشبث بآراء وأفكار أجداده، وسجن نفسه في الماضي، ولم يجد غير أحمدي نجاد، الوجه الكئيب، وقارئ النبؤات المشهورة عن ظهور المهدي المنتظر، من فرض صورة الماضي على الحاضر، وهو، خامئني، لا يعرف أن المتنبئ باللامعقول سيحطم على يديه ما تبقى من الثورة الإسلامية المترنحة!

الأحد، 7 مارس 2010

الخلل الذي يسمح للإبادة بالصراخ بأعلى صوتها

أخيراً وافقت لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس الأمريكي على الاعتراف بمجازر الأتراك ضد الأرمن في الحرب العالمية الأولى، وكان القرار يُعرض كل سنة وتؤجل الإدانة، لكنه حصل أمس على 23 صوتاً مقابل 22، وبهذه النسبة البسطية خرج إلى العلن.
تركيا، عضو الأطلسي، وحليف أمريكا القوي، تحررت من هذه الأعباء عندما أستلم الأصوليون السلطة، فامتنعت عن السماح للقوات الأمريكية بالمرور عبر أراضيها عام 2003 لضرب العراق، ثم راحت تعارض فرض عقوبات على إيران، في محاولة مكشوفة منها للصراع مع طهران حول من ينجح في التأثير على مصير دول الشرق الأوسط، الخبث المؤذي أم الابتسامة العريضة؟
لا يمكن للضعيف أن يختار، بل عليه الرضوخ للأثر الأقوى! وبين هذين المستويين من اللعب بالسوط فوق رؤوس العرب، أفلت قرار الاعتراف بالمجزرة من مجلس الشيوخ بفارق صوت واحد، إذ لا يجوز أن تكون حليفي، وتعمل بعيداً عن مصالحي، فمن تكون تركيا في نهاية المطاف سوى حكومة أصولية على خلاف قوي مع الجنرالات العلمانيين؟
الإدانة ضد مجازر الأتراك في أرمينيا أقرها عدد من برلمانات العالم، وكان الرئيس أوباما الذي وعد في حملته الانتخابية الاعتراف بالإبادة الجماعية المذكورة، لكنه لم يعد إلى ذكر الموضوع في خطابه العام الماضي، وإذ تؤكد تركيا المرة تلو الأخرى أن حرباً أهلية داخل أرمينيا كانت وراء المجزرة، وهذا هراء، لأن وحشية الجيش التركي في الحروب واكتساح أراضي الغير، لا تترك مجالاً بسيطاً للشك في تعرض الأرمن لعملية إبادة. وكانت فلسفة الأتراك أنهم حين يهاجمون يرتكبون مجازر هوجاء لكي يسمع بها الداخل فيصاب بالفزع.
وكان العرب، الذين قاسوا الأبشع خلال استعمار الأتراك لبلدانهم طوال أربعة قرون، يعرفون ماذا يعني البطش العثماني باسم الخلافة الإسلامية، وهم إذ يرحبون بالابتسامات التركية الآن، إنما يرجون من ورائها صد التغلغل الإيراني الخبيث، والمتسارع، في المنطقة، ونتيجة الضعف الذي لا يقوون على التخلص منه لانهماكهم الغبي في ما يسمى بالصرع مع إسرائيل!
وهكذا، فعملية إبادة الشعوب تظل نائمة وغير معترف بها، ولكن ليس إلى الأبد، إذ يكفي خلل بسيط في التوازن الذي ينتاب المصالح، لكي تعود تصرخ بأعلى صوتها!