كالعادة بدأت الحملة الانتخابية البريطانية بالمزايدات، حتى حزب العمال الذي قشر جلد الفقراء بالضرائب طوال ثلاثة عشر عاماً طرح شعار "مستقبل عادل للجميع" بينما جرت المناقشة بين المحافظين والليبراليين على تجميد 17 بليون جنيه من الضرائب، وانتهاج سياسة تقشف في مصروفات الدولة، وإذا سألت العمال كيف أصبح "العدل" هدفه الآن بعد هذه المدة الطويلة التي قضاها في رفع الأسعار بوتيرة متسارعة، وهدد باستخدام الجيش لقمع إضراب أصحاب الشاحنات الناقلة للبترول والمزارعين، سيجيبك رئيس الوزراء كودون براون، بصف ابتسامة، أننا نسعى للإصلاح! مما يؤكد أن الحزب الذي عصفت به الفضائح ينظر بقلق إلى زيادة حظوظ المحافظين في الفوز بنسبة 37 مقابل 32، وهو الدرس الذي تعلمه براون من الماضي، ويهدد العمال في الانتخابات الجارية!
وأهم المشاكل التي تواجهها الأحزاب البريطانية، بمعزل عن ابتسامة براون المبتسرة، تكمن في الاقتصاد المتهاوي، والضرائب، ومنها تتفرع كل المشاكل الأخرى، وتعود لتصبّ فيها، إذ بلغت أسعار المواد الغذائية أسعاراً قياسية بين دول أوربا، وعندما يسأل أحد وزراء العمال عن الارتفاع، يهرب من الجواب، ويعجز عن تقديم إجابة منطقية، ويتحدث مع مذيعين مشهورين مثل جون سنو في القناة الرابعة، عن المستقبل الذي يلي، إلا أنه يهرب من لبّ السؤال، أي الحاضر المهين!
بالتأكيد توجد عثرة جسيمة، اعترف كوردون براون بالخطأ فيها أمس فقط، وهي الخاصة بالإصرار على حرية القطاع المصرفي، رغم تحذيرات رئيس البنك المركزي له، ثم ربط الاقتصاد البريطاني بالاقتصاد الأمريكي، فقد قال إنه عندما كان وزيراً للخزانة عام 1997 لم يتخذ الخطوات الحاسمة تجاه سياسة البنوك، ليردعها عن التمادي في تراكم الأرباح غير المشروعة وتوزيع قسماً منها على موظفيها الكبار، لقد كان علي أن آخذ المصلحة العامة بنظر الاعتبار، لذلك حين انهار الاقتصاد ودخل مرحلة لا يعرف مداها من الركود، ولا يزال الناس يعانون منها الأمرين، سارع إلى إنقاذ البنوك من الإنهيار بإقراضها مبالغ طائلة، يدفعها المواطن من راتبه، ولا يحق له استردادها إلا على شكل تخفيض في الضرائب تعهد بها الحزب في المستقبل!
وقد لامت كل دول أوربا آنذاك الكارثة التي جرّ براون العالم إليها، لكنا تعافت من الركود في الوقت الحاضر، وما زالت تنظر إلى بريطانيا وحزب العمال بعدم ثقة.
وفي الواقع إن حزب العمال ساهم في خلق هذه الأزمة بسبب عناد قادته، واستخدام التضليل لتبرير الأمر، وفي النهاية أن العالم يمر بأزمة مالية دولية، فماذا تفعل بريطانيا وحدها! هذا غير صحيح، وغير صحيح أيضاً أن براون ارتكب عثرة صغيرة ويعترف بها الآن كما لو كان خطأ في التقدير بين الزوج والزوجة حول مصروفات البيت، لأن براون دافع عن سياسة اقتراض البنوك وإطلاق يدها في جني الأرباح حتى اللحظة الأخيرة، وكان يبرع في الدفاع عن خططه، ويفلسف نظرته، والحزب يروج للجانب "العبقري" فيها طوال عشر سنوات كئيبة، مرّت على الشعب البريطاني، والآن يأتي ، بابتسامة مثلومة، ليقرّ بالخطأ الذي ارتكبه، وكأنه يقول نكتة يعرف أنها بايخة، كلفت البلد حوالي 70 بليون جنيه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق