الأحد، 6 يونيو 2010

تركيا تكشف عن وجهها الأصولي


سيكون لطول هذا
البلوغ ما يبرره

لقد أرسلت تركيا اسطول "الحرية" إلى غزة وهي تعلم أن إسرائيل ستقوم باحتجازه، فيؤدي ذلك إلى افتعال أزمة لقطع علاقاتها، المتدهورة أصلاً، بإسرائيل، وتقول للعرب أنا معكم، فماذا وراء هذه اللعبة الخطيرة؟
الأصولية هي منبع الشر، وتقف وراء حركة تركيا، والعرب أعماهم التعصب، فصفقوا لأردوغان من دون أن يعرفوا أهدافه البعيدة!
هناك حقيقة تقاوم الزمن، هي أن الشعوب لا تكترث للخطر ما دام بعيداً، وتنزع إلى التكاسل حين يغدو قريباً، بعدها تثوب إلى رشدها وتضحي بالكثير للتخلص منه ما إن تنشب النار في ثيابها.
أقرب مثال على هذا النازية في ألمانيا، وفي الفترة الأقرب الإسلام الجهادي، بشقيه الأصولي والسلفي، لأن الناس يهرعون إليه لحل مشاكلهم المستعصية، ثم ينقلبون عليه حين يغدو إرهاباً ينال من حريتهم وطرقهم الحديثة في الحياة، لكن بعد أن يدمي أجسادهم وقلوبهم!
ويمثل انتشار الفساد، والعجز عن مواجهة حاجات المجتمعات إلى التقدم، واحداً من أكثر الأسباب المحبطة التي تؤدي إلى التكاسل، وفي خضم هذا تظهر الأحزاب الدينية بوجه رحيم، توزع المال القليل على بعض المحتاجين، وتساعدهم وتمرضهم من خلال مستشفيات مرتجلة، وتغريهم بتوافه الأمور، مستهدفة شريحة صغيرة تلتم حولها، لكن ما إن يكثر مناصروها، منجذبين إلى أسلوبها الذي يبدو عملياً في معالجة ظواهر الفقر، حتى ينتابها العبوس، وتبدأ بتصعيد مواقفها، معتمدة شريحة أكبر لا تحتاج، فعلاً، إلى مساعدتها، لكنها تنخدع بها عن بعد!
هذا المثال ينطبق على جميع الأحزاب والحركات الإسلامية، مثل الإخوان المسلمين، حزب الله، حزب الدعوة، المؤتمر الإسلامي، والحركات الجهادية، والأحزاب التي ما زالت في طور التكون، فهي تنتهج هذا الدور الإصلاحي من البداية إلى النهاية، إلى أن تصبح قوة مهيمنة على قسم من المجتمع، فتلتزم قدراً سطحياً من النضج وتقف عنده، ثم تعود إلى ما يقوله القرآن لتكمل نظريتها، التي ترجع بها ألف وأربعمائة عام إلى الوراء!
فلم تكن المرأة المصرية مثلاً تستخدم الحجاب، لكن ما إن شاهدن أطفالهن يلقون رعاية صحية بسيطة وبدائية، حتى استجبن لنداء الإخوان المسلمين بارتداء الحجاب، ثم وافقن على تغطية ظهورهن بالقفطان، وأخيراً قبلن النقاب والعباءة الإيرانية!
ولعل الجهل، والأمية بشكل خاص، تلعب دوراً في انجذاب المصريين أول الأمر، ثم دخل المتشددون بطبيعتهم، وأخيراً سكن الدين في عقول المتعلمين، لأن التعليم، حتى في مراحله المتقدمة، لا يصنع الوعي!
يحلو للكتاب الإسلاميون، وهم كثيرون هذه الأيام، أن ينسبوا إلى حزب العدالة والتنمية التركي الاعتدال، أو هو يمثل النضج الإسلامي، أو له منظور سليم لإدراك علاقة النخبة بثقافة البلد، أو يتمتع برؤية إسلامية معتدلة، وجميع هذه الصفات تعكس إحباط المجتمعات العربية من حكوماتها أولاً، وثانياً فشل الأحزاب الإسلامية في المنطقة في الاعتدال وفهم حاجات الشعوب إلى الديمقراطية وحرية الفرد، وثالثاً أن الصفات المذكورة لا تمسّ حقيقة الأحزاب الإسلامية التركية، الغامضة حتى بالنسبة لشعبها، فحزب العدالة والتنمية يضع العلمانية إلى جانب الإسلام لتسكين روع العلمانيين وعدم استفزازهم، وحين يصبح هؤلاء بنصف قوتهم الحالية سيكون السجن مصير قادتهم ويتبع ذلك إلغاء العلمانية من الدستور! والحزب أبقى على صور أتاتورك في جميع تركيا، بما في ذلك الدوائر الحكومية، لكن ما إن ترفع عن الحزب سلطة لجنة "مراقبة الدستور" حتى يدوس على صور مؤسس الجمهورية بالأقدام!
وتفيد الدلائل المكتوبة عن أردوغان أنه أصولي، تشهد عليه القصيدة التي أنشدها وهو خارج السلطة ويقول فيها:
"المساجد ثكناتنا، والقباب خوذاتنا، والمآذن حرابنا، والمؤمنون جنودنا"
وهي أبيات رديئة، لكن السلطات أودعته السجن لأنه روع الناس الذين تعودوا الديمقراطية والعلمانية، وحرم حق الانتخاب في البرلمان لمدة خمس سنين، إلا أن أردوغان تلاعب بالدستور بعد أشهر من فوز حزبه في الانتخابات عام 2002 فأنتخب رئيساً للوزراء!
وقد علمته التجارب أن ينحني للعاصفة إذا لم تكن الظروف لصالحه، ثم يتلاعب بالقوانين ما إن تختفي الظروف الصعبة، وأردوغان مؤيد للإخوان المسلمين المصريين، ومناصر لحركة حماس، ولم تكن علاقة تركيا بإسرائيل إلا على مضض منه، وبانتظار ظروف مناسبة سوف يقضى عليها، وتركيا عضو في حلف الأطلسي، بيدَ أنها بدأت تنسحب منه بهدوء، وهي لا تلتزم بالإجراءات التي يتخذها الأطلسي، وأردوغان أقام علاقات سرية بالحركات الأصولية في الشرق الأوسط عندما كان حزبه خارج السلطة، وهو يؤمن بالقيم الإسلامية التي تؤمن بها السعودية، فقد عاش 12 عاما في المملكة، وأغاظ أمريكا حين أيد إيران في مسألة التخصيب، وهو يعتبر إيران قوة إسلامية مهمة، لا يختلف معها إلا في مسألة "المهدي" التي يؤجل النظر فيها، وفي الأخير هو تلميذ نجيب لرئيس الحكومة الأسبق نجم الدين أربكان (1974)، الذي اتصل بالدول الإسلامية وأقام معها تحالف يسمى تحالف "مجموعة الثمانية الإسلامية الكبرى" وهي تضم تركيا- مصر- إيران- نيجريا- باكستان- اندونيسيا- بنجلادش- ماليزيا.
ويحذو أردوغان حذو أستاذه أربكان الذي يسعى إلى تأسيس اقتصاد إسلامي يعتمد الفكر الصناعي، بحيث تصبح دوله قادرة على الاستقلال برأيها وقراراتها.
أعتقد أن الكاتب سكركيس نعوم هو أول كاتب أشار في مقال له لجريدة النهار (2010-1-13) إلى أن تركيا الإسلامية هي تركيا "الإخوان المسلمين" وبناءاً على حوار مع كاتب تركي علماني، قال: إن تركيا لم تكن جادة في الانضمام للاتحاد الأوربي، وأنها تكره إسرائيل وتحب "حماس" وتكره مصر لأنها تحارب أو تكافح انتشار الإخوان المسلمين. وهي "تحب غزة لأن دولة الإخوان المسلمين قامت فيها" والأتراك يكرهون محمود عباس كرههم لإسرائيل لأن حزب العدالة والتنمية يعتبر حركة "فتح" ومن يشبهها بأنهم علمانيون!!
الفساد- أمريكا- لجنة مراقبة الدستور
يعتبر نجم الدين أربكان الأب الروحي للحركة الإسلامية في تركيا، وهي في الأصل نشأت من الحركات الصوفية (النورسية- والنقشبندية) وحين جاء أربكان للسلطة أعلن أن "أمتنا هي أمة الأيمان والإسلام، وليس أمامنا إلا العمل معاً يداً واحدة لنعيد لتركيا سيرتها الأولى" وهو يعني الخلافة الإسلامية!
لقد استلم أربكان الحكومة أثر تفشي الفساد، مقولتنا الأولى، وتنامي الإرهاب والعنف، وكان أردوغان حينها عضواً في حزب "الخلاص الوطني" الذي أسسه أربكان. كان الحزب معبراً عن الاتجاه المتدين والمحافظ. وفي عام 2002 فاز الحزب الجديد حزب "العدالة والتنمية" الذي أسسه أردوغان بالأغلبية، فطرح برنامجاً يعتمد القيم الديقراطية بدل الأيدولوجية ليخفي وجهه الحقيقي. وسرعان ما بدأ التلاعب بالدستور لوجود 365 مقعداً مؤيداً من أصل 550!
ظل الحزب يردد: "نحن لسنا حزباً دينياً، نحن حزب أوربي محافظ". ومما يدعو للدهشة أن أمريكا أثنت على الحزب الجديد لخطه المعتدل، وقالت "أعطوني حزباً بديلاً!" وبقي الحزب يمارس الخداع، إذ ادعى أنه فصل السياسة عن الدين.
إلا أن الموقف الأمريكي "المخدوع" بحزب العدالة والتنمية، اتخذ موقفاً مشابهاً في مصر، فقد دعم الإخوان المسلمين المصرين معنوياً(1)، وطالب بإشراكهم في القرار السياسي، ودعا، من خلال المؤسسات المدنية الأمريكية إلى منح الإخوان وأعضاءه الحرية التي يتمتع بها الآخرون. وهذا الموقف يعتبر تخريباً بالدرجة الأولى، أولاً لأن حزب العدالة والتنمية كشف عن وجهه الأصولي في أكثر من مناسبة الآن، وثانياً، أن الإخوان أكثر تطرفاً، ولم يلجأوا إلى إخفاء شعاراتهم كما فعل الأتراك في البداية، ومنهم تخرج كل الجهاديين من أمثال بن لادن والظواهري وأتباعهم، والآن بمجيء باراك أوباما إلى الإدارة، قد يغدو الموقف الأمريكي أكثر ميلاً نحو الأصوليين الإسلاميين، وقد بدأ إجراءات تخفيف القيود على بعض نشاطهم، فهل تشهد مصر نوعاً من "الانقلاب الديمقراطي" يأتي على أثره الإخوان المسلون إلى السلطة، وتحت نفس العباءة، وهي تشكيل لجنة لمراقبة الدستور، ثم تواجه اللجنة التجميد ويتعرض الدستور إلى العبث كما فعل حزب العدالة والتنمية؟
كان لسقوط الخلافة العثمانية المهترئة عام 1924 تأثيراً كبيراً ومروعاً، ويعتبر حزب العدالة والتنمية أن الأمة الإسلامية تحتاج إلى من ينادي بـ "إسلامية قضايا المسلمين" بينما يتجاهل الحزب حقيقة تذمر العرب ثم القتال ضد الخلافة في عهدها الأخير لما لحق بهم من ظلم شديد، وأن الشعوب العربية قد لعنت ثم نسيت الخلافة وما سببته من مآسي للعرب، باستثناء أخوان مصر الإسلاميين، الذين ظلوا يدعون، بغباء عنيد، إلى عودة الخلافة في بياناتهم لأنهم "يعشقون" العمامة!
إن سياسات أمريكا في عهد أوباما تخضع للمزاج في أغلب الأحيان، وإلى التجريب في أفضل الأحوال، وقد يؤدي هذا إلى كوارث في مناطق أخرى! ولعل سقوط مصر بيد الإخوان سيهزّ المنطقة العربية بأسرها، وسيكون واضعو الأستراتيجيات الأمريكان أول من يندم على ذلك. وهذا يتطلب فترة طويلة جداً من الصراع المرير حتى تعود الأمور إلى وضعها الحالي، والحالي فقط!

ليست هناك تعليقات: