الأحد، 12 ديسمبر 2010

الحكومات الغربية تعمل ضد الحضارة التي ورثتها


من الطريف أن من يسخر الآن من النظام الديمقراطي في الغرب هي فضائية روسيا باللغة الإنكليزية RT. إنها تترصد وتتصيد الأخطاء في الحكومات الغربية، وتكشف زيف ديمقراطيتها، وتجذب إليها مجموعة كبيرة من أساتذة الجامعات للإدلاء بآراء حادة، وجارحة ضدها. ويعقد برنامج Cross talke الندوات مع أوربيين وأمريكان يعارضون إجراءات يعتبرونها غير ديمقراطية، وتمس حقوق المواطنين.
ليس الإعلام الروسي وحده من يقوم بهذه البهذلة لدول الغرب، بل أعلن رئيس الوزراء الروسي فلادمير بوتين قبل يومين أنه لا يعتبر اعتقال مؤسس موقع ويكليكس في لندن الذي قام بتسريب وثائق متعلقة بمراسلات دبلوماسية أمريكية أمراً ديمقراطياً،، وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي فرانسوا فيون الخميس الماضي: إذا كانت هناك ديمقراطية، فيجب أن تكون كاملة، ولما تمّ زج السيد أسانج في السجن؟ هل هذه ديمقراطية؟
يقول الفروفيسور الأمريكي كادوفيسكي جيدوفيسكي للفضائية الروسية إن أسانج يعمل ما يجب عمله من قبل الحكومة الأمريكية ليطلع عليه الناس!
إنها مهزلة، ديمقراطية الغرب هذه الأيام، وتقول الصين إن أمريكا ليست في موقع يسمح لها الآن بالحديث عن حقوق الإنسان، إنها تستخدم هذه الحقوق للعمل بوجهين.
ومن الصدف الأطرف أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون تقول إن حقوق الإنسان يجب أن تكون عالمية!!
هذا تصريح مثير للضحك، لأنها كانت تطالب بإطلاق سراح الكاتب الصيني الذي حصل على جائزة نوبل، وتهمل اعتقال مؤسس موقع ويكليكس الذي أودع السجن لأنه يكشف الوجه القبيح للنفاق الأمريكي!
ربما تكون نظرية المؤرخ البريطاني مسلطة الآن بإلحاح على الغرب، وهي القائلة بإن البروليتاريا تهجم على الحضارة من الأطراف وتدمرها. وما ظهور شركات ضخمة تجني أرباحاً طائلة، تدعمها حكومات يرئسها صغار السن مقابل رشوة بمبالغ صغيرة، هي واحدة من معالم تلك النظرية، التي أصبحت داهمة.
ومنذ نهاية حكومة تاتشر، النزيهة والمستقيمة، ظهر توني بلير ليمثل الجشع وفساد الحكومات في بريطانيا، فهو يربح الملايين من وظائف المستشار الرمزية في الشركات الكبيرة، مقابل تمرير معلومات قيمة اطلع عليها أثناء توليه منصب رئاسة الوزراء، تستفيد منها الشركات في توسيع رقعة أرتكازاتها الربحية!
أما في أمريكا، فلعل الرئيس أوباما لا يجد ما يفلسف به النفاق والكلام بوجهين لحلفائه المصدومين من إدارته، لأن روح الفيلسوف المزيف تخونه حتى هذه اللحظ، بعد أصبح موضوع تندر من الأمريكيين والعالم بسبب حسابات منظمة كوكلان كلاس الإرهابية المفتوحة حتى الآن، بينما حساب جوليان أسانج الذي لا يتعدى الـ 250 ألف دولار من المتبرعين قد تعرض للمصادرة نتيجة ضغوط الحكومة الأمريكية!
ونعود إلى الجانب الشرقي، ففي بريطانيا على وجه التحديد، الحليف الضليع في الشؤون الخارجية، والشرق أوسطية، وقف آلاف الطلبة في البرد القارس يطالبون بإعادة النظر في رسوم الجامعات، بينما كان البرلمانيون في مجلس النواب يصوتون بالإبقاء على الزيادة في الرسوم ثلاثة أضعاف اعتباراً من السنة الدراسية القادمة!
لقد صدم الطلاب، وآباؤهم، على هذه الزيادة الجائرة، والحجة إصلاح الاقتصاد المتدهور، وليس من شركات إنكليزية ترتفع أرباحها بأرقام قياسية، فشركة الغاز البريطانية حققت ربحاً سنوياً قدره1.95 باوند استرليني للعام 2006، بينما بلغت أرباح شركة البترول البريطانية 1.85 مليار رغم الخسائر التي تكبدتها من حادث التسرب في خليج المكسيك.
وسواء ازدادت أسعار البترول والغاز العالمية أو انخفضت، تبقى الشركة حرّة، تتصاعد أرباحها إلى ذرى شاهقة!
إن الشركات والبنوك الإنكليزية تنافس الحيتان في التهام الأسماك الصغيرة، وثلاثة أرباع المواطنين ينتمون إلى هذه الفئة، وهم الذين فغروا أفواههم للزيادة في أسعار الرسوم الجامعية، بيدَ أن حكومة الإتلاف، المحافظين والليبراليين، أصرت على موقفها، ورغم أن حصيلة المظاهرات كانت جرح 32 طلباً وطالبة، وإصابة طالبة باغماء حتى هذه اللحظة، غير أن ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة، اهتم أكثر بأضرار قليلة أصابت بعض النوافذ، وقلب المسألة لتغدو ضد طلبة "مشاغبين!" وجميع الخسائر التي رثاها كاميرون، أضافة إلى تهشيم زجاج سيارة الأمير شارلس وزوجته، تقدر بحوالي نصف مليون جنيه!
نعود هذه المرة إلى توينبي ومسألة انهيار الحضارة، وبدءاً بتراجع الديمقراطية الغربية عن مبادئها، فالحكومات الغربية أشد القارعين لطبول مأتم الحضارة والديمقراطية، والأصوات مهما كثرت وتعددت في معارضتها لقرار خاطئ، أو جائر، لم تعد قادرة على انتزاع أي تراجع حكومي، أو إعادة النظر فيه، ولم تعد المصلحة العامة فاعلة بأي شكل من الأشكال، والحكومات دائماً تلجأ إلى الخداع في تفسيرها لموقفها المتزمت.
لقد خرج أكثر من مليون بريطاني يطالبون بعدم غزو العراق، وكل ما فعله توني بلير أنه ردّ عليهم بخدعة ما زالت ترن في آذاننا وآذان البريطانيين، وهي أن نظام صدام يستطيع صنع أسلحة كيمياوية في غضون عشرين دقيقة!
وشهدت أوربا مظاهرات بالملايين ترفع هذا الطلب أو ذاك، لكن طلبها لم يُستجب له. وفي بريطانيا، الذي يقال أن شعبها بطئ في الاستجابة، لكنه إذا تحرك باتجاه شيء أحدث ثورة في العالم، يقول البروفيسور كريس نايت، إن الطلاب سيقومون بمظاهرات أكبر في المستقبل، وينضم إليهم العمال، وهذا سيحدث لأول مرة في أوربا!
نعتقد أن كلام البروفيسور يدعو إلى، أو يتنبأ بثورة في عموم أوربا، قد تضع حداً لدكتاتورية الحكومات وعنادها الغبي في تجاهل حقوق المواطن، لكنه لن ينقذ الحضارة الغربية من تسلل البروليتاريا إلى عصبها.

ليست هناك تعليقات: