السبت، 21 أغسطس 2010

عن باكستان، قل الحقيقة كلها، أو اخرسْ



كيف تكتب عن باكستان دون أن يحتك أحد جوانبك بالنفق المكهرب المغمور بالظلام؟
من أين تدخل لتخرج بلا خدوش تقلق صحوك الذي سيشحن بالتأويلات؟
باكستان، الجزء المسلم الذي طرد الهندوس وشيد دولة مستقلة، ما برحت تتعبد للطائفية كغطاء لشرعيتها الدولية، وغطاء لكل أنواع القبلية والعرقية والفساد فيما بعد!
باكستان التي انسلخت عن الهند باسم الديمقراطية، وظلت سعيدة بالدكتاتوريات العسكرية، هي مثل شاحنة مَدروزة بالآيات والتعاويذ، تكدس فوقها عدد يفوق طاقتها، سلموا وجوههم للريح ويقودهم سائق مخمور في طرق جبلية شديدة الوعورة!
لنترك جانباً الطيبين من الباكستانيين، وهم قلة، ونركز على الطبيعة الشاذة لأغلبية 170 مليون ممن يشار إلى باكستان باسمهم، ونبدأ بالحوار الذي دار بين دول الحلفاء في يالطا، عندما قال تشرتشل، مازحاً، :"أريد قطعة صغيرة من الهند!" وسواء وافق الموجودون أم لا، فقد راحت بريطانيا تعمل لسلخ القطعة الصغيرة عن الهند، ونجحت في النهاية في إقامة الوليد الملفق المدعو باكستان!
من الطريف أن تتحدث البي بي سي عن المشاكل الحالية في باكستان، فتقول، بعد ستين عاماً، بأن المجتمع الباكستاني ظل يدور في دوائر مغلقة منذ ذلك التاريخ!
المشاكل الحالية التي تصفها الإذاعة البريطانية هي تلك المتعلقة بالفيضانات، إذ لم يهرع العالم لنجدة باكستان في محنتها، وكيف يهرع، والمتضررون يصرخون طلباً للعون، بينما تستبق الحكومة المحنة وتطالب بمبلغ 12.250 مليار دولار قيمة إعادة بناء ما دمرته الفيضانات! الناس يطالبون بالمعونات العينية، بينما الحكومة تقول نريد نقود (كاش) بدل المعونات الغذائية!
وزير الخارجية الباكستاني أضاف إلى قيمة الدمار، فرفعه إلى 43 مليار دولار، وهدد: إذا فشل المجتمع الدولي في المساعدة، فسوف تتقوض المكاسب التي حققتها بلاده ضد الإرهاب!
هل هناك محنة، أم جشع باكستاني تعلمت الدول التروي إزاءه لكي لا تخدع من جديد؟
الابتزاز صفة ملازمة للحكومات الباكستانية منذ تأسيسها عام 1947، والشعب على استعداد لأن يمد أذيال ثيابه مفروشة لتلقي المعونات، وحتى الآن لا يعرف أحد وجه اليقين حجم ما جرفته المياه من بيوت الطين وأراضي زراعية، وسوف يظهر مسؤول باكستاني قريباً ليزيد الأراضي المغمورة، وبالتالي زيادة التقديرات المالية بضعة مليارات!
العالم سيدير ظهره لما يسمى بالكارثة، لأنه تعلم من سوابق الماضي، بالكوارث أو بدونها، كيف يحرم جيوب الباكستانيين من الامتلاء بأموال دافعي الضرائب في الغرب!
تعود المشكلة إلى الفتوح الإسلامية في القرن السابع، حينما وجد الدين الفاتح ضالته في شعب جبلي يريد البقاء على حاله من التخلف، وعثر السكان على مبادئ قدرية تدعو للكسل والخمول، فاسترخت القبائل قاعدة على خلفياتها، وتعلمت الجشع، والرضا بما يصلها، لأنها وُعدتْ بالجنّة وحماية الإله، ومن هنا تجمعت القبائل على الدين الجديد، ثم أنشأوا بلدهم الذي اختاروا له في أواسط القرن العشرين اسم باكستان، والكلمة تعني الأرض الطاهرة، أو النقية!!
من الغريب أن الجماعات القبلية التي قطنت أراضي الباكستان وأفغانستان حافظوا على تخلفهم المزمن، بينما تخلصت الدول الأخرى، وهي أيضاً مسلمة، مثل كازاخستان، اوزبكستان، وجمهورية منغوليا، من الروح التواكلية، لأن الدكتاتورية السوفيتية أبعدتهم بالقوة عن الدين، وما الكلام عن "النضال" ضد الاستعمار إلا هراء كبير، لأن الباكستاني، وصنوه الأفغاني، ما إن يشب عن الطوق حتى يحمل السلاح ويقعد على أطراف القبيلة ينتظر إي دافع للمال ليقاتل تحت رايته الخفية أو المعلنة، وإذا لم يأت الاستعمار فإنه يقاتل نفسه وأبناء قبيلته وزوجاته المتعددات، ولا يعرف للحياة أية قيمة أخلاقية، فهو على يقين بليد أن الجنّة تنتظره!! وسواء فسر الدين على الوجه المقبول، أو شطّره ولواه حسب أغراضه التي تعود إلى ما قبل الإسلام، فإن الباكستاني مسلم حتى بأسمائه المبالغ في تدينها!
باكستان عرفت الخداع منذ نشأتها على يد حزب الرابطة الإسلامية بزعامة محمد علي جناح، حيث بدأ التلاعب بالوعود، حين أصدر مرسوما بإقالة حكومة إقليم الحدود الشمالية الغربية التي كان يتزعمها حزب المؤتمر، وبدلا من إجراء انتخابات جديدة، عين زعيماً من حزب الرابطة الإسلامية كرئيس وزراء للإقليم مانحا إياه تفويضا لحشد الدعم البرلماني له. أما الإجراء الثاني لجناح فقد أدى إلى تغريب السكان البنغال للجناح الشرقي من البلاد، وأرسى سابقة لحكام باكستان الغربية (باكستان الحالي) لتحييد الأغلبية العددية لباكستان الشرقية عبر إجراءات قانونية خادعة فضلا عن إجراءات أخرى مجحفة أفقدت سكان باكستان الشرقي تأثير الصوت الانتخابي. وفيما بعد قدم المجندون للعمل السياسي واجهة مدنية للحكومات العسكرية، بينما ساهم المتطرفون الدينيون أو العرقيون في زعزعة الحكومات التي تديرها قوى سياسية علمانية وتشتيت انتباهها، فسقطت الديمقراطية التي أرادت بها الأحزاب ستر الوجه القبلي لباكستان!
المسؤولون في باكستان ابتزوا العرب باسم القنبلة النووية الإسلامية، كل العرب جمعوا التبرعات السرية لباكستان لتحميهم من أعدائهم، وحين صنعت باكستان القنبلة النووية خزنتها في مكان ما، ثم أعطت المعادلة النووية لإيران لتصنع القنبلة تهدد بها الدول العربية!
بريطانيا غامرت بتبني باكستان التي أنشأتها، وظلت تزودها بالمعونات المالية باسم الكومنولث لتبتز بها العالم، لكن الباكستانيين يبتزون الإنكليز والعالم، والإنكليز يعرفون، ويسكتون، لأن الأموال التي يدفعونها تظل أقل مما دفعه الأمريكان والسوق الأوربية والبنك الدولي. ويبحث الإنكليز عن منافع تكتيكية لا يعرفها أحد، رغم المتاعب التي يسببه الباكستانيون للشعب البريطاني، من إرهاب، إلى وجودهم الثقيل في إنكلترا، بينما المطلوب أن يكشفوا الخداع الذي تمارسه باكستان مع الدول المانحة، حتى ترتدع من اللعب على النوايا الطيبة!
الآن تقف باكستان على أعتاب محنة لا يعرف أحد حجمها الحقيقي، وتتصاعد أرقام التقديرات الباكستانية، بينما يبتعد العالم عن المناشدات التي تطلقها بريطانيا، لأن للخداع وجه واحد، يزداد بشاعة كلما ازداد غموضاً، فإذا أردت الكتابة عن باكستان وشقيقتها أفغانستان، فعليك أن تلتزم الصراحة والوضوح، لكي لا يقع أحد في مقالب لا تسعى إليها!

ليست هناك تعليقات: