الجمعة، 9 أبريل 2010

هل اشترى القطريون الـ CNN ؟


في عصر العولمة، سيطغي الجشع على ما عداه، فيتحول العالم إلى أتون مريع للأرباح الهائلة!
ضمن زحف على شكل قفزات كبيرة، لم يعد امتلاك الملايين يلفت الأنظار، بل أن أصحابها، الملايين، غدو في سباق محموم لتكديس الأموال الطائلة، وتحويلها إلى البلايين، وتركوا الملايين وجمعها إلى الصغار، حتى يصبحوا بدورهم، مع الوقت السريع، ينتمون إلى البلايين، وتنتمي إليهم.
هنا أشياء تدوخ الرأس، لكنها مفهومة للناس، الذين ينتظرون بعيون يملأها المفهوم العصري للجشع، ممن يسعون، أو يتوقعون، ثروة تهبط عليهم من السماء، يبدأون بها الالتحاق بركب الغنى الفاحش!
كنت أبحث عما يجمع بين الرئيس أوباما وعمر البشير، الذي تلطخت يداه بدماء سكان دارفور، في أبشع جرائم الإبادة والتهجير منذ الكوسفو، ولماذا يؤيد رئيس أمريكي، ويتقاسم الأثم مع مطلوب للعدالة الدولية، عندما اكتشفت أن القطريين، وهم عائلة صغيرة واحدة اختنقت بالثراء، ربما ضموا الـ CNN إلى مقتنياتهم!
اللعبة التي يقوم بها القطريون، الدولة، أو شبه الدولة الصغيرة، جعلتهم من صانعي المهارات الإعلامية المنحرفة، تلك التي تبيع قدرتها الإعلامية على الإقناع إلى من يدفع أكثر.
شاهدنا ذلك مع تأسيس الجزيرة باللغة الإنكليزية، وتابعنا كيف التحق أشهر المذيعين الإنكليز بالقناة، بد أن تجردت من تقاليد الإعلام ومهنيته لصالح الدفع الجزيل، مقابل لوي الحقائق بنعومة، حتى تكاد لا تنتبه إليها. إنها عبقرية الصانع الجيد، إلى أن يقعوا في الفخ، لكن، بعد أن تغتني حساباتهم البنكية، فيغدو التحايل مشروعاً، إذ يؤدي إلى إزدهارات متواضعة في الثروة.
بالعودة إلى السودان، تقدر مساحته بمليون كيلو متر مربع، وهي أكبر مساحة في أفريقيا، ورثها عمر البشير من التاريخ العربي القريب، يشجعه ويدعم ما يقوم به من إجحاف ضد سكانه رئيس الجامعة العربية السيد عمر موسى، المؤمن بعمق في الحديث القائل: "انصر أخاك ظالماَ أو مظلوما" وهو الحديث الأكثر عنصرية في الثقافة العربية، التي لم يمسها التغيير منذ عهد محمد حتى الآن!
وإذا كان جنوب السودان قد بقى سائباً، تقطنه أعراق وثنية انخرطت في المسيحية مؤخراً، ويشير السلاطين العثمانيين إلى حدوده بأيديهم ويستغل سكانه في تجارة العبيد، فقد ظل الغرب (دارفور) يحكم من قبل عشرات الملوك الإسلاميين، كثيرو النزاع فيما بينهم، إلى أن ضمهم غوردون باشا إلى ولاية الخرطوم، وهكذا يرث العرب عن الإنكليز ممالك استعمارية واسعة، ويحافظون على الإرث بارتكاب المجازر ضد سكانها.
يبدو أن الرئيس أوباما لا يقرأ ملخصات تاريخية عن الحالة التي يبدي اهتماماً مفاجئاً بها، بل يأخذها براهنيتها، والبشير في نظره، ملك، أو رئيس جمهورية، يدافع عن وحدة وطنه وأرضه، وأوباما لا يحب أن يهتز العالم من حوله، وتتعرض بعض دوله للتفكك، حتى لو جاء الثمن استقراراً أكثر متانة، ينهي حقب مليئة بالدماء والهروب البشري عبر الحدود!
وهو الذي انتقد في إحدى خطبه روزفلت وتشرشل بالتخطيط على زجاجة كونياك لتقسيم العالم، يرعى ذاك التقسيم بوفاء منقطع النظير، ويكشف بالتالي عن زيف نقده لأولئك الزعماء، الذين لا يملك شجاعتهم التي أبدوها في سحق النازية في أوربا، وإجبار الأمبراطوية اليابانية على الانحناء والانسحاب بذل من دول شرق أسيا!
لقد لوحظ في السنة الماضية والحالية تحول الـ CNN في تعاملها مع الدول الإسلامية، فهي لا تكاد تحرج قادة المنطقة، وتهمل عن قصد، لكن ببطء تدريجي ذكي، المثالب ضد دولهم، وتناقش القضايا الإسلامية بما يسمى "الموضوعية" فيلقى الاصوليون برأيهم كاملاً، وبترحيب خفي، إلى أن تحولت إلى شبيه أمريكي بفضائية الجزيرة، فهي رغم أنها لم تطلق بعد كلمة "شهيد" على النشاطات الإرهابية، ولكنك تشعر بالكلمة تتحشرج في خلفية حلق مذيعاتها ومذيعيها.
تقول المسؤولة الأوربية قبل ثلاثة أيام: "ما زال العنف مريعا في بعض مناطق اقليم دارفور التي لا تتمكن المنظمات الانسانية من الوصول اليها. واذا تعذر ايصال المواد الاغاثية يتعذر علينا القيام بعملنا."
وكانت دي كايسير قد عبرت عن خيبة املها بعد ان هدد الرئيس السوداني عمر البشير بطرد المراقبين الدوليين الذين يدعون الى تأجيل الانتخابات، وبقطع اصابعهم والسنتهم.
وقالت المسؤولة: "هذه ليست الطريقة التي يجب ان يعامل بها مراقبون دعوا لأداء عملهم، كما لا تعكس اصول الضيافة العربية."
هذه شهادة لا يدحضها أحد، ولا يلفها الغموض، تجاهلت الـ CNN أمس الأول عندما ناقشت كريستينا أمانبور ما يسمى "مشكلة الانتخابات في السودان، وبدلاً من استدعاء المندوب الأمريكي سكون جراشون لتحرجه بالأسئلة كشاهد على ما يجري، جاءت بسفير الخطوم في واشنطن، الذي أكد من بين أسنانه الأمامية المهدمة، أن الرئيس البشير لم يضايق أحد من الأحزاب، وأنها، الانتخابات، ستجري في موعدها المقرر، في الوقت الذي أعلنت فيه الجبهة الشعبية، بنفس اليوم، مقاطعتها!
يوهم مندوب الرئيس أوباما سكوت جروشن الأمريكيين أن الانتخابات تجري بليونة، وقام بمشاورات مع القادة السياسيين في محاولة لإخراجها من أزمتها، وكان أجرى مباحثات مكثفة مع الأطراف السياسة السودانية، وكانوا يجمعون أن عمر البشير يعبث بالانتخابات بصورة مكشوفة، إلا أن المتحدث باسم الخارجية فيليب كراولي قال بان الولايات المتحدة لا تزال تعتقد بإمكانية إنقاذ الانتخابات والاستفتاء في الجنوب، علماً بأن التوقيع على حق الجنوبيين في الاستفتاء جرى التوقيع عليه قبل أن يفكر عمر البشير بالانتخابات!
كل هذه الحقائق غابت عن ذهن كريستينا أمانبور الذكي فيما يخص الانتخابات السودانية، وليس صدفة أنها غابت!

ليست هناك تعليقات: