الاثنين، 8 مارس 2010

الثورات تتآكل من الداخل، ثم تنهار


في 2 مارس 2010 اعتقلت السلطات الإيرانية المخرج السينمائي جعفر باناهي، أودعته السجن بتهمة تأييد المعارضة، ولم نسمع عن مصيره شيء حتى اليوم.
كيفية الاعتقال هي نفسها التي تتم لمن يعارض النظام، كما جاء في بيان للمخرج على موقع "راحيسبز": حوالي الساعة العاشرة من مساء الاثنين، اقتحم عدد من رجال الأمن بملابس مدنية المنزل، واقتادوا والده وزوجته وابنته و15 شخصاً من مدعويه إلى جهة مجهولة!
يصنف جعفر باناهي، 45 عاما، كأحد مخرجي الجيل الجديد من السينمائيين الإيرانيين المشهورين في الخارج، إذ نال عدة جوائز: في مهرجان البندقية، ومهرجان كان، ومهرجان برلين، لكن بما أن المكانة الدولية لن تغفر له، فسوف نغض الطرف عنها.
في إيران، كلما زادت أهمية المعارض، قلّت فرص نجاته من الاعتقال!
هذا ما حدث مع شيرين عبادي حائزة نوبل، فقد أفلتت من الاعتقال ورحلت إلى أوربا، لكنهم اعتقلوا اختها وأطفالها وزوجها، وطلبوا، مقابل إطلاق سراحهم، عودة شيرين عبادي!
كل هذه الأساليب تذكرنا بنظام صدام حسين، واحمدي نجاد يقترب سريعاً من صدام حسين، وسوف يتجاوزه قريباً. والمعارضة بالمقابل فهمت السباق، فرفعت صورة نجادي وقد كتب عليها The devil had land.
في احتفالات ذكرى الثورة الإسلامية، خرج المعارضون يعبرون عن رأيهم أيضاً، تلاحقهم "البسيج" من شارع إلى آخر بالعصي والغاز والمسدسات، وتحت نفق لعبور المشاة سمعت، كما سمع العالم معي، من يهتف: "عاشت الجمهورية الإيرانية" وكان حذف صفة الإسلامية لافت للنظر.
"البسيج" هم البديل الثوري والأكثر دهاءً وبطشاً لرجال أمن الشاه قبل الثورة "السافاك" وإذا كان رجال السافاك لا يرتدون ما يميزهم عن الناس، فإن البسيج يرتدون الزي الرسمي، وهم مدججون بأنواع مختلفة من السلاح، ويظهرون للعلن من فوق دراجاتهم النارية، يملئون الشوارع فجأة، مزودون بتعليمات تتراوح بين الضرب المبرح بالعصا والاقتياد للسجون، والقتل عند الضرورة!
الجحيم انفتح على الإيرانيين في ترشيحات الرئاسة الأخيرة. واحد من "البسيج" فرّ من إيران وسلم نفسه للشرطة البريطانية، اعترف بان المرشد الإيراني للثورة، خامئني، قال لهم: أريد أن يفوز احمدي نجاد، فكان الباقي علينا!
هذا القول من المرشد الأعلى يعني أن الثورة فقدت مبرراتها، إذا كانت لها من مبررات، وخلف موسوي وخاتمي وكروبي، أو على مسافة منهم، جيل جديد يسعى إلى التغيير، إلى الانطلاق في حياة مختلفة، تخلو من ضوابط رجال الدين وقوانينهم الرجعية الخاصة بغطاء الرأس، وسماكة الثياب النسائية، ومنع الحلاقين من قصّ شعر النساء، والتقشف في العيش، وغيرها من دلائل الماضي المندثر. هذه الأمور تخصّ حسن نصر واسماعيل هنية وخالد مشعل، المقلدون الجدد للثورة الإسلامية في لبنان وغزة، ولا تعني شعب إيران الذي ذاق الأمرين من تعالم الملالي وتدخلهم في تفاصيل حياة الفرد طوال ثلاثين عاما!
بدلاً من تفهم ما يريده الجيل الجديد في إيران، والتعامل معهم برفق، أصر خامئني على التشبث بآراء وأفكار أجداده، وسجن نفسه في الماضي، ولم يجد غير أحمدي نجاد، الوجه الكئيب، وقارئ النبؤات المشهورة عن ظهور المهدي المنتظر، من فرض صورة الماضي على الحاضر، وهو، خامئني، لا يعرف أن المتنبئ باللامعقول سيحطم على يديه ما تبقى من الثورة الإسلامية المترنحة!

ليست هناك تعليقات: